سبق لنا الحديث عن وحدانية الله تعالى وقلنا إن الوحدانية تعني “نفي الشريك” فإذا كنا قد ذكرنا “الشريك” فإنه لابد لنا من معرفة الشرك وأنواعه حتى تكون الأمور أكثر وضوحا.
أصل كلمة الشرك في اللغة يدل على التعدد في الأنصبة، ومن هنا جاءت كلمة الشركة أو الشراكة والتي تعني وجود عدة أشخاص لهم أنصبة متفاوتة
من هنا نفهم معنى كلمة الشرك في الاصطلاح الديني فهي تعني أن يعتقد الإنسان الألوهية في شيء غير الله، فهذا يشمل من يعبد الله لكنه أيضا يقدم شيئا من العبادة لغير الله، كما يشمل من يعبد غير الله ولا يعبد الله أصلا.
فمن يصرف شيئا من العبادة لغير الله فقد وقع في الشرك، كذلك من يعتقد بوجود آلهة -كماذكرنا- فهو مشرك في اعتقاده حتى ولو لم يقدم لهذه الآلهة أي شيء من العبادة، لكنه هنا مشرك بمجرد هذا الاعتقاد.
وقد حذر الله من الشرك وبين لنا أن الإنسان إن مات على الشرك فإنه لا مغفرة له ولا يدخل الجنة، فقد قال الله: “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار”
فمن توجه بالعبادة لغير الله، كمن يدعو غير الله دعاء عبادة أو يسجد لشيء غير الله سجود عبادة، أو يعظم شيئا غير الله تعظيم عبادة ومات على ذلك فهو مشرك كافر لا ينغعه أي عمل عمله في هذه الدنيا، فقد قال الله : “ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك” ولا يجوز الترحم عليه أو الاستغفار له، لأن الله قال: “ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى
وهنا يحسن أن أبين أن الكفر والشرك كليهما يدلان على خروج العبد من الإيمان ودخوله مع أهل الكفر، فقد قال الإمام النووي رحمه الله: “الشرك والكفر، قد يطلقان بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما، فيخص الشرك بعبدة الأوثان، وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم بالله تعالى، ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك”
أما أنواع الشرك فهي ستة، نوضحها في هذه الكلمات:
النوع الأول:
شرك الاستقلال، وهو أن يجعل الإنسان عددا من الآلهة مستقلة عن بعضها بعضا، فيعتقد أن هناك عدة آلهة في الكون، كل إله منها مستقل عن الآخر.
النوع الثاني:
شرك التبعيض، والتبعيض هو التجزئة، وهو أن يعتقد الإنسان أن الإله له عدة أشخاص أو عدة آلهة يتكون منها، فمثلا هناك الإله “س” وهناك الإله “ص” وهناك الإله”ع” وكل واحد من الثلاثة هو إله بذاته، ولكن الثلاثة هم إله واحد، وكل واحد من الثلاثة مختلف عن الآخرين!
ففي هذه الصورة تجد أمامك اعتقادا يظهر منه أن الإله مركب من عدد من الآلهة
النوع الثالث:
شرك التقريب، وهو أن يقوم الإنسان بعبادة بعض الأشياء لاعتقاده أن هذه الأشياء تقربه من الله.
النوع الرابع:
شرك التقليد، وهو أن يعبد الإنسان أشياء معينة، يعتقد أنها تقربه من الله، لكنه هنا يعبدها بسبب أنه نشأ فوجد آباءه يعبدونها، فقام بتقليد آبائه في فعلهم هذا، فهنا هو قدم التقليد لآبائه على عبادة الله وحده، فكان الباعث الحقيقي له على الشرك هو التقليد الأعمى.
النوع الخامس:
شرك الأسباب، وهو أن يعتقد الإنسان أن الأشياء لالتي في الكون هي الخالقة والموجدة، فيعتقد مثلا أن النار هي التي تخلق الإحراق، وأن الطعام هو الذي يخلق الإشباع.
بينما اعتقاد المسلمين بخلاف ذلك، فهذه الأسباب عندنا ترتبط بالمُسَبَّبَاتِ ارتباطا عاديا مُقَارِنَا، بمعنى أن الأسباب لا تفعل شيئا في الحقيقة بل الله هو من خلق السبب وخلق المُسَبَّبَ وخلق الفعل وخلق ذلك الارتباط الحاصل أمامنا بين السبب والمُسَبَّبِ.
ثم هؤلاء الذين يعتقدون في الأسباب أنها خالقة..بعضهم يعتقد أنها خالقة بذاتها استقلالا عن الله، وهذا كفر يخرج صاحبه من مِلَّةِ الإسلام.
وبعضهم يعتقد أن هذه الأسباب بذاتها هي الخالقة للأشياء، لا وحدها كما ورد في النوع السابق، ولكن بقوة أودعها الله فيها، وهذا الاعتقاد بدعة لكنه ليس كفرا.
النوع السادس:
شرك الأغراض، وهو أن يقوم الإنسان بالتوجه بالعبادة لله وحده لا غير، لكنه فعل هذه العبادة من أجل أن يُظْهِرَ للناس أنه إنسان عابد وصالح، هذا الفعل يسمى الرِّياء، لأن الإنسان هنا كان لديه غرض في قلبه هو ما دفعه للعبادة، لم يكن الدافع لله مُتَمَحِّضاً عن أي شيء آخر، بل كان هناك غرض خفي في القلب هو ما بعث الإنسان على فعل هذه العبادة.
وقد حذر منه سيدنا رسول الله فقال: “أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر، فُسِئَلَ عنه فقال: الرياء”
التعليقات مغلقة.