بردية إبيرس هي أولى مراجع الطب العام في التاريخ

بردية (إبيرس) لما تحوية من معلومات تفصيلية طبيّة، جعلها تحوز على الشرف في مجال «الأمراض الباطنية»، وتُسمّىَ البردية نسبة إلى (جورج إبيرس – Georg Ebers)، وهو أستاذ علم المصريات السابق بجامعة «لايبزيج -Leipzig» في ألمانيا، وكان هذا الأستاذ قد اشترى هذه المخطوطة سنة ١٨٧٢م خلال زيارته لمصر، لتصل عن طريقه إلى مكانها الحالي في مكتبة جامعة لايبزيج، ويُعتقد بأن مكان اكتشاف المدوّنة كان بالقرب من الأقصر، وبالرغم من أنّها ليست بأقدم وصفة طبية في التاريخ، الّا انَّها لما تحتويه من معلومات طبيّة مختلفة جعلها تنال إهتماماً واسعاً وكبيراً لدى العلماء في مختلف العالم، إذ أنها أول بردية طبية تُرجمت ونشرت باللغات الغربية، والتي كان أولها الألمانية سنة ١٨٧٤م.

تبدأ هذه البرديّة المذهلة المكوّنة من ١١٠ لفافة بمقدمة في السحر والرقى والتعاويذ، ثم لا تلبث أن تأتي على ذكر الوصفات الطبية والعقاقير، وتُسجل المخطوطة حوالي ٨١١ وصفة طبية، وحوالي ٧٠٠ دواء، وتُركّب اغلبها من مواد نباتية وحيوانية، ولقد أتت المدوّنة، على ذكر ٢٩ مرضاً من أمراض العين من بينها الرمد الحبيبي، وأيضاً ١٥ مرضاً من أمراض البطن، كما ورد بالبرديّة أعراضاً تُشير إلى العديد من أمراض الرئة والجلد، وبعض أمراض الأذن والأنف والأسنان وأمراض المفاصل، أمّا مرض الصداع النصفي فقد خُصص له فصل كامل يتناول العلاجات التي تنفع في علاجه حسب رأي أطباء ذلك الزمان القديم.

ويذكر الباحثون والعلماء، أن بعض الأعراض التي ترد بين سطور هذه البردية تُشير إلى سرطان الرحم، كما تشير أخرى إلى أول وصف لمرض السُكري في التاريخ، وتتشابه بعض الأعراض المذكورة في البردية، مع تلك التي يتميّز بها مرض البلهارسيا كما نعرفه الان، وهو المرض الذي لا يزل يستوطن ضفاف النيل حتى يومنا هذا، ويرجع تأريخ البردية إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد، ذلك لأنها تحمل تاريخ السنة التاسعة من عهد الملك أمنحتب الأول ثانى ملوك الأسرة الثامنة عشرة، غير أن دراستها من الناحية اللغوية لا تترك مجالاً للشك فى أن كاتبها قد جمع مادته من عِدّة برديات طبية من عهد الدولة الوسطى، ورُبّما قبل ذلك.

بردية إيبرس هذه ليست كتاباً طبيّاً مُقسّماً إلى أبواب وفصول، ولكنّها عبارة عن مجموعة مؤلفات وبحوث فى مواضيع من أكثر من أربعين مصدراً مختلفاً، وتحتوى البردية على ٨٨٧ وصفة طبية لأنواع متعددة من الأمراض وأعراضها وطريقة فحصها ومعالجتها، منها اثنتا عشرة علاجها الرقى، ومن بينها أيضاً عدد كبير من أمراض النساء، كما نجد فيها الكثير من التعاويذ السحرية التى ذكر عنها صاحب البردية أنها تنفع فى شفاء بعض الأمراض وطرد الأرواح الشريرة التى سببتها، هذا ويمكن حصر البردية لإعطاء فكرة عن علم هذا الوقت، ومدى التخصص فيه، ويشمل توسلات الآلهة.

ويذكر في البردية الأمراض الباطنة وعلاجها، وهو أول مؤلف فى تاريخ العالم يعالج سر الحياة بتأملات فلسفية غير دينية أو سحرية، ولو أنه يرد أغلب الأمراض الباطنة إلى أسباب روحانية، وأيضاً وصفات لأمراض العيون، وصفات لأمراض الجلد مثل: الحكة، والقشور الجلدية، وقروحات الجلد، وأيضاً وصفات للزينة وللتجميل، وإنماء الشعر، وأيضاً وصفات لأمراض الأطراف، وأيضاً وصفات مُختلفة لعِدة أمراض فى الرأس، الأسنان، وأمراض النساء وعلاجها، ومؤلفان عن القلب والشرايين: وهما المؤلفان الوحيدان اللذان وصلا إلينا فى علميّ التشريح، وذُكر بها وظائف الأعضاء، والأمراض الجراحية وعلاجها: وهذا الجزء لم يتناول الجروح، وإنما اقتصر على الأورام والخراريج، وقد حوت بعض وصفات البردية على كيفية التشخيص، وبعضها مقرون بالعلاج، وبعضها إشارات علاجية، ومن الأوصاف الإكلينيكية تعرَّف على خمسة عشر مرضاً: منها التورم، والإستسقاء، والقيلة المائية، والجزام، وتشمل البردية بحثا مختصراً عن القلب وكيفية علاج ما قد يصيبه، مثل الارهاق الناتج عن الانيميا كنتيجة لمرض البلهارسيا، وذكر علاجاً « يتقبل القلب الخبز»، وبعض المستحضرات العلاجية للسعال، وتتناول البردية أمراضاً محددة تصيب المعدة مع التركيز على الطفيليات وديدان وثعابين البطن.

ولنذكر الآن بعض الأوصاف الإكلينيكية التى جاءت فى البردية، في تعليمات خاصة بورم الأوعية يقول: «إذا فحصت ورماً فى الأوعية فى طرف من الأطراف، ووجدته نصف كروي ينبض، ولكنه إذا فصلته عن بقية الجسم لا ينبض، فقل عنه: إنه ورم فى وعاء، إنه مرض سأعالجه، إن الأوعية هى التى سببته، وقد نشأ عن إصابة للأوعية»، وهذا وصف صحيح لورم شريانى ولمميزاته، وفى وصف للذبحة الصدرية يقول: «إذا تفحصت مريضاً بالمعدة يشكو آلاماً فى ذراعه وصدره وناحية من معدته فقل بصدده: هذا شئ (أي روح) دخل فى فمه، والموت يهدده».

هذا ولا تقتصر أهمية موسوعة إيبرس على الأوصاف الإكلينيكية التى جاءت بها، إذ أنها تعتبر أيضاً مرجعنا الأساسى فى علم عقاقير المصريين القدامى، وفيما يسمى الآن بـ «المادة الطبية»، لذلك تعتبر هذه البردية قاموساً طبياً الأول في التاريخ من نوعه الذي يتحدّث هكذا عن الداء والدواء وشرح وظائف أعضاء الجسم، وربما البردية لا تكون هي الأقدم من حيث مراجع الطب عامة، إذ في مصر وصفات أقدم من ذلك، الا ان بردية إبيرس هي الأفضل والأميز، وهنا يكمن الفرق، فبردية إبيرس في مصر القديمة تعادل كُتب الطب العام، والباطني بشكل خاص في العصر الحديث.

.

التعليقات مغلقة.