نهاية الكونة بين العلم والقرآن
بعد أن تأكد للعلماء أن الكون يتمدد ويزداد اتساعا ، بدا يظهر على الساحة العلمية سؤال غاية في الأهمية ، وهو إلى متى سيبقى الكون يتمدد ؟ وهل ستأتي فترة زمنية يتوقف خلالها الكون عن التمدد ثم ينكمش على نفسه من جديد ؟
لقد أصبح من البديهي الآن لدى الفلك الحديث أن الكون في حالة تمدد واتساع دائم ، هذا التمدد بالطبع ناتج عن الانفجار العظيم ، وحسب ما تشير إليه الدراسات الكونية فان سرعة تمدد الكون عند نشوئه كانت أعلى من سرعة تمدده الحالية ، فقد تباطأت سرعة فرار المجرات عن بعضها البعض عبر مرور الزمن ، ولمعرفة الإجابة على هذه التساؤلات أي هل سيبقى الكون في حالة تمدد إلى ما لا نهاية أم أن هذا التمدد سيتوقف عند نقطة معينة ثم سيعود بحركة عكسية وينكمش على نفسه من جديد يمكن وضع الاحتمالات التالية التي وضعها الفيزيائي الروسي(الكسندر فريمان) سنة م1922 :
1 – الاحتمال الأول يقول أن هذا الكون سيبقى في حالة تمدد واتساع إلى ما لا نهاية ، أي أن قوة الانفجار الأعظم التي أدت إلى نشوء الكون وتمدده أقوى بكثير من قوة الجذب ألثقالي لمادة الكون نفسه التي تعمل كحركة وقوة معاكسة لقوة الانفجار العظيم والتي تسمى في علم الكون(الكثافة الحرجة) وهي التي تتساوى عندها قوة الانفجار العظيم مع قوة الجذب الثقالي للكون.
إن هذا الاحتمال الذي يسمى ( الكون المفتوح ) في حقيقة الأمر مخالف للواقع المرصود للكون ، فلو افترضنا أن الكون سيتمدد بالفعل إلى ما لا نهاية فان الطاقة في الكون سوف تنضب ، وهذا يعني بحد ذاته فناء الكون لان الطاقة في النجوم سوف تنتهي ومن ثم تتحول مادة الكون إلى مادة باردة وميتة ، وهذا يعني أن اتساع الكون سيتوقف أو على الأصح لكان قد توقف منذ فترة طويلة .
2 – أما النموذج الآخر للكون فهو(الكون المغلق) أو الكون الهزاز الذي يعتقد انه سيبقى الكون في حالة تمدد ثم سيتوقف عندما يصل الكثافة الحرجة بحيث تتفوق قوة الجذب ألثقالي للكون على قوة الانفجار العظيم ، ثم تبدأ المجرات بحركات عكسية أي يعود الكون للانكماش على نفسه من جديد ، ثم تحدث ولادة جديدة للكون مرة أخرى وتبدأ مادته بالتوسع من جديد ، وهكذا تكون ولادة الكون متكررة .
3 – وهي أن الكون سيبقى في حالة تمدد إلى فترة زمنية معينة ، ثم يتوقف التمدد عند حد معين بسبب الكثافة الحرجة التي لا يستطيع الكون تجاوزها ، ثم يعود الكون وينكمش على نفسه من جديد حتى تعود مادة الكون إلى نفس الجسيمات الأولية التي نشا منها الكون دون أن يعود ويتشكل منها كون جديد كما في فرضية الكون الهزاز أو الكون المغلق. ولكن أي من هذه الفرضيات الثلاث السابق ذكرها سيؤول إليها الكون الحالي ؟ للإجابة على هذا السؤال يتطلب منا معرفة الحجم الحقيقي للكون والمادة الموجودة في الكون ومن ثم مقارنتها بالكثافة الحرجة للكون ، والمشكلة هنا تتمثل في أننا لا نعرف كمية المادة الموجودة في الكون ، فنحن حتى الآن لا نعلم عن توزيع المادة سوى ما نراه في الكون المنظور أي أن المادة التي نعرفها في الكون هي التي يمكن أن نراها من خلال التلسكوبات التي تعمل بالأشعة المرئية وغير المرئية ، أما حجم الكون الحقيقي فلا زال مجهولا حتى الآن ، وعلى هذا الأساس فكيف لنا أن نعرف مادة الكون الحقيقية لنتمكن من معرفة مستقبل الكون.
أما المشكلة الأخرى التي ظهرت لنا في هذه القضية فهي أن المادة التي نراها من خلال التلسكوبات الفلكية المختلفة من نجوم ومجرات وسدم لا تشكل سوى 1 بالمائة فقط من المادة الحقيقية للكون ، أما الجزء الكبير من مادة الكون والتي تصل نسبتها إلى 99 بالمائة من مادة الكون فهي مادة غير مرئية أي( مادة مظلمة) ْمُُّّفح ًْف وهي التي اكتشفها الفلكي السويسري(فيرتز زويكي) سنة م1933 وذلك عندما كان يقيس سرعة ابتعاد المجرات عن بعضها البعض والتي تقع ضمن العنقود المجري(الذؤابة) فبعد أن عمل على تحليل طيف المجرات وحساب كتلتها وجد أن السرعة التي تتباعد بها المجرات عن بعضها اقل من السرعة التي تنبأت بها الحسابات الفلكية ، واستنتج زويكي من هذه النتيجة بان الجاذبية الفعلية بين المجرات أعلى بكثير من الجاذبية المحسوبة أي أن هنالك مادة مفقودة غير مشاهدة في الكون تصل نسبتها إلى اكثر من 90 بالمائة من مادة الكون ،
إن وجود المادة المظلمة التي لا يمكن تقديرها بدقة في الكون الفعلي وليس فقط في الكون المنظور يجعل من الصعب حساب الكثافة الحرجة في الكون ومن ثم التوصل إلى الاتفاق على مستقبل معين للكون. من ناحية أخرى اكتشف الفلكيون أجراما سماوية غاية في الغرابة وهي التي تسمى (الثقوب السوداء) وهي أجرام سماوية ذات كثافة هائلة وجاذبيتها كبيرة جدا ، وتتجمع هذه الثقوب السوداء في مراكز المجرات والتي تعمل على اتزان المجرات ، ويفترض أن ندخل الثقوب السوداء بعين الاعتبار أثناء الحديث عن الكثافة الحرجة للكون.
يقول تعالى في الآية 104 من سورة الأنبياء( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) كما يقول تعالى في الآيتين 18 و 19 من سورة العنكبوت(أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن في ذلك على الله يسير ، قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير).
جاء في تفسير ابن كثير عن ابن عباس قال: يطوي الله السماوات السبع بما فيها من الخليقة والأرضيين السبع بما فيها من الخليقة ، يطوي ذلك كله بيمينه ، يكون ذلك كله بيمينه ، ويتابع ابن كثير تفسيره لمعنى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب فقال: كما يطوي السجل للكتاب كذلك تطوى.
من الآيات الكريمات نرى أن القران الكريم قد سبق كل هذه الأرصاد والدراسات الكونية في الإشارة إلى صورة انتهاء الكون الذي نعيش فيه ، وهذا يبين الإعجاز العلمي الذي يتضمنه القران الكريم
التعليقات مغلقة.