النصوص الشرعية الدالة على الخلق المباشر ،وبطلان افتراض حدوث تطور مُوَجَّه )
في الفترة الاخيرة ظهر من المسلمين من تبنى فكرة (التطور الموجه)،وهي فكرة شاذة تتبنى خرافة التطور وتحاول الزج بها في تفسير القران الكريم، واقناع الجيل الشاب بحدوث تطور للكائنات مُوَجَّه من الله عزَّ وجلَّ مرورا بادم عليه السلام .
هذه الفكرة مرفوضة، لان التطور خاطئ ويتناقض مع الحقاىق العلمية ، كذلك يذكر القران الكريم صراحةً قضية الخلق المباشر لادم عليه السلام وباقي المخلوقات.
فهناك أدلة شرعية عديدة تدل دلالة ظاهرة قوية على أن الله خلق آدم – أبا البشر والإنسان – خلقاً خاصاً، وأن وجوده في الأرض لم يكن نتيجة تطور بيولوجي من أنواع حيوانية أخرى سابقة عليه، ومن أهم تلك النصوص الشرعية:
الدليل الأول: قوله تعالى مخاطباً إبليس: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِين}[ص:75]. وهناك نصوص أخرى تدل على المعنى نفسه، ومنها: حديث الشفاعة الطويل، وفيه أن الناس يأتون إلى آدم فيقولون له: «يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده»[14].
فهذه النصوص تدل بوضوح على أن الله خلق آدم – أبا البشر والإنسان – خلقاً خاصاً؛ حيث إنه خلقه بيديه مباشرة، وميزه على غيره من المخلوقات بهذه الطريقة في الخلق، ولو لم يكن لخلق آدم بيد الله ميزة لما ذكره الله في سياق الإنكار على إبليس في بيان فضل آدم، ولما كان لذكر الناس له يوم القيامة أي معنى.
ويدعي اصحاب التطور الموجه أنَّ الخلق باليد ليس خاصاً بآدم، وإنما هناك أشياء أخرى خلقها الله بيده، فالله – كما يقول – خلق الأنعام بأياد كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُون} [يس: 71]، وبنى السماء بأيد كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون} [الذاريات: 47]، واستدل بهذا على أن اليد المستعملة في الخلق ترجع إلى معنى القدرة التي أوجدت كل المخلوقات[15].
وهذا الزعم غير صحيح، أما أولاً: فلأن ادعاء هولاء ليس فيه نفي الخلق المباشر لآدم، فعلى القول بأن الخلق باليد ليس خاصاً بآدم، فإن ذلك لا يدل على أنه خلق بالتطور؛ لكون دلالة تلك الآيات قائمة على إثبات الخلق باليد مباشرة وليست قائمة على إثبات خصوصية آدم بذلك، فسواء ثبتت خصوصيته بذلك أو لم تثبت فإن دلالتها على الخلق المباشر ما زالت قائمة.
وأما ثانياً: فلأن اصحاب هذا الرأي سلكوا في فهم النصوص فهماً منحرفاً عن الطريقة الصحيحة، وذلك أنه فهموا اليد المنسوبة إلى الله تعالى فيها على أنها بمعنى القدرة، وهو فهم خاطئ معتمد على التأويل الكلامي لصفات الله المخالف لطريقة القرآن والسنة وفهم الصحابة الكرام وتلاميذهم.
وقد أثبت علماء السلف من خلال دلالات النصوص الشرعية الكثيرة، أن لله تعالى يدين حقيقيّتين تليق بجلاله وكماله، وأثبتوا أنها ليست بمعنى القدرة والنعمة[16].
بل أثبتوا أن لفظ اليدين الذي جاء في آية خلق الله لآدم يستحيل أن يكون المراد بها القدرة، وأن المراد القطعي به اليد الحقيقية، وذلك من أوجه عدة، منها: أن الله أضاف الخلق إلى اليد مباشرة وعداها بحرف الباء، وهذا التركيب في لغة العرب يدل على المباشرة باليد، ومنها: أن الله ذكرها في سياق إظهار فضل آدم على الخلق وتميزه عن غيره، ولو كان المراد باليد القدرة فإنه لا يكون لآدم أي تميز على غيره؛ لأن كل المخلوقات مخلوقة بقدرة الله[17].
وأما استدلالهم بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُون} على نفي اختصاص آدم بالخلق باليد؛ فهو فهم غير صحيح؛ لأن الله لم يذكر أنه خلق الأنعام بيديه، ولم يعديها بالباء كما ذكر في خلق آدم، وإنما أضاف العمل إلى الأيدي، وهذا أسلوب معروف في لغة العرب يعبَّر به عن نسبة العمل إلى صاحبه، سواء باشره بيده أو بغيرها، وقد جاء هذا الأسلوب كثيراً في القرآن، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير} [الشورى: 30]، أي: بما فعله الناس من أعمال، سواء بأيديهم أو بأرجلهم أو بألسنتهم أو بغيرها.
وعلى هذا، فما ذكره الله من خلق الأنعام فإن المراد به نسبة خلقها إلى الله تعالى من غير تحديد طريقة الخلق، وآية خلق آدم تدل على أن الأنعام لم تخلق بيد الله مباشرة؛ إذ لو كانت كذلك لما كان لآدم ميزة على غيره[18].
وأما الاستدلال بقوله تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون} [الذاريات: 47]، فهو غير صحيح أيضاً؛ لأن الصحيح أن المراد بالأيدي هنا القوة وليس اليد الحقيقية[19]؛ لكون لفظ الأيدي في هذه الآية ليس جمع اليد الحقيقية، وإنما هو لفظ عربي آخر يعبَّر به عن القوة، وقد استعمل في القرآن بهذا المعنى في مواطن عدة، منها قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَار} [ص: 45]، أي أولي القوة[20]، ومما يؤكد ذلك أن الله لم يضف الأيدي إلى نفسه وإنما ذكرها من غير إضافة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون} [آل عمران:59]، وهذه الآية ظاهرة في الدلالة على أن الله تعالى خلق آدم خلقاً خاصاً من تراب، وأنه لم يكن نتيجة تطور من أنواع أخرى؛ وذلك أن هذه الآية جاءت في سياق الرد على النصارى ونقض قولهم في عيسى ابن مريم عليه السلام، ومن المعلوم أن النصارى ظنوا أن مجيء عيسى من غير أب دليل على أنه ابن الله، فبيّن الله لهم أن آدم جاء من غير أب ولا أم، ومع ذلك فهو ليس ابناً لله، فلأن يكون عيسى ابناً لله من باب أولى وأحرى.
وتفسير الآية بهذا المعنى هو المستقر عند المفسرين، اعتماداً منهم على السياق الذي جاءت فيه، وعلى الغرض الأساسي لها، وفي بيانها يقول الطاهر بن عاشور: «وهذا شروع في إبطال عقيدة النصارى من تألِيهِ عيسى، وردّ مطاعنهم في الإسلام، وهو أقطع دليل بطريق الإلزام؛ لأنهم قالوا بإلاهية عيسى من أجل أنه خلق بكلمةٍ من الله وليس له أب، فقالوا: هو ابن الله. فأراهم الله أنّ آدم أوْلَى بأن يُدّعَى له ذلك، فإذا لم يكن آدم إلهاً مع أنه خلق بدون أبوين فعيسى أولى بالمخلوقية من آدم.
ومحل التمثيل كون كليهما خُلق من دون أب، ويزيد آدمُ بكونه من دون أم أيضاً، فلذلك احتيج إلى ذكر وجه الشبه بقوله: (خلقه من تراب) الآية، أي خلقه دون أب ولا أم، بل بكلمة كن، مع بيان كونه أقوى في المشبه به على ما هو الغالب. وإنما قال عند الله أي نسبته إلى الله لا يزيد على آدم شيئاً في كونه خلْقاً غيرَ معتاد»[21].
وقد حاول مروجو التطور الموجه أن ينفكوا عن دلالة هذه الآية فذكروا أنها «تنص على أن عيسى كآدم خلق من تراب بكلمة كن، ونحن نعلم أن عيسى ولد من مريم العذراء، فإذا عيسى من تراب ونحن من تراب رغم وجود آباء لنا، فلم لا نفهم من القول بأن آدم من تراب أنه هو الآخر له آباء وأجداد بدؤوا من التراب»[22].
لكن هذا الفهم للآية خطأ ظاهر؛ لأن فيه قفزاً متعسفاً لسياق الآية وتجاوزاً كبيراً للغرض الأساسي الذي جاءت من أجله، فالله تعالى لا يريد أن يخبرنا خبراً مجرداً بكيفية خلق آدم وعيسى فقط، وإنما يريد أن ينقض دعوى النصارى في استدلالهم بوجود عيسى بغير أب على أنه ابن لله، فأثبت الله لهم بأنه لو كان استدلالهم صحيحاً لكان الأولى أن يكون آدم ابناً لله؛ لأنه وجد بغير أب ولا أم، ومع ذلك فهم لا يقولون ببنوة آدم لله.
ولو كان معنى الآية كما تصوره دعاة التطور الموجه لما كان فيها إلزام للنصارى ولا إبطال لقولهم؛ لأن غاية ما يدل عليه – بناء على فهمه – إخبار الله عن خلق آدم وعيسى من تراب، وهذا الإخبار ليس فيه حجة عقلية ملزمة للمخالفين.
الدليل الثالث: النصوص التي أوضحت تشكل المادة التي خلق منها آدم، فالله تعالى ذكر في القرآن الكريم المادة التي خلق منها آدم بأوصاف متعددة، مثل: التراب والطين والحمأ المسنون والصلصال، وقد أوضح عدد من المفسرين أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف المراحل التي مرّ بها تشكل المادة التي خلق منها أبو آدم، وفي بيان دلالتها يقول محمد الأمين الشنقيطي: «اعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم، فبيّن أنه أولاً تراب، بقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران:59]، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ} [الحج: ٥]، وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} الآية [غافر: 67]، إلى غير ذلك من الآيات، ثم أشار إلى أن ذلك التراب بلَّ فصار طيناً يعلق بالأيدي في مواضع أخرى، كقوله: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات: 11]، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12]، وقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة: ٧]، إلى غير ذلك من الآيات، وبيّن أن ذلك الطين أسود وأنه متغير بقوله هنا: {حَمَأٍ مَسْنُونٍ}، وبيّن أيضاً أنه يبس حتى صار صلصالاً، أي: تسمع له صلصلة من يبسه، بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} الآية [الحجر: 26]، وقوله: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} الآية [الرحمن: 14]»[23].
وهذا التوضيح والتفصيل يدلان بجلاء على أن خلق الإنسان كان مختلفاً عن غيره من المخلوقات، وأنه مرّ بمراحل مختلفة كل الاختلاف عن المراحل التي يدّعيها له أتباع فرضية التطور الموجه.
التعليقات مغلقة.