الرد على فكرة أزلية المادة (مقال هام للغاية)
ما هي المادة؟ وما هو الكون؟ وما صفات الشيء الأزلي؟

الرد على فكرة أزلية المادة (مقال هام للغاية)
ما هي المادة؟ وما هو الكون؟ وما صفات الشيء الأزلي؟
وقبل نقض شبهة أزلية المادة والكون لا بد أن نعرف ما هي المادة؟ وما هو الكون؟ وما صفات الشيء الأزلي؟ وكلنا نعلم أن المادة هي كل ما له كتلة وحجم ويَشغَل حيزًا في الفراغ، ومن أمثلة المادة: الماء، والهواء، والكواكب، والنجوم، والنباتات، والجمادات، والحيوانات، وغير ذلك.
والكون هو ذلك الفضاء المحيط بنا، وكل ما يحويه من مجرات ونجوم وكواكب، وغير ذلك.
وكلنا يعلم أن الأزلي ما ليس لوجوده بداية؛ فوجودُه ذاتي لا ينفك عنه؛ أي: يبقى إلى الأبد، ولا يعتمد في وجوده ولا استمرار وجوده على غيره؛ فهو مُستغنٍ عن غيره، ولا يتبدَّل ولا يتغير.

  • تحول المادة إلى طاقة ينافي الأزلية:
    ومن المعلوم أن المادة يمكن أن تتحول إلى طاقة، والطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة – طبقًا لقوانين معينة، وهذا يدل على أن الوجود ليس صفة ذاتية ملازمة للمادة أو الطاقة؛ إذ لو كان الوجود صفة ذاتية ملازمة للمادة، لَمَا انفك عن المادة وفارَقها بأي حال من الأحوال، ولو كان الوجود صفة ذاتية ملازمة للطاقة، لَمَا انفك عن الطاقة وفارقها بأي حال من الأحوال؛ أي: إن الوجود صفة عارضة للمادة والطاقة، تعرِضُ للمادةأو الطاقة في بعض الأحوال، وتنفك عن المادة أو الطاقة في بعض الأحوال، وهذا يستلزم أن يكون لوجود المادة بداية؛ أي: المادة مُحدَثة ليست أزلية، وكل محدَثٍ له محدِثٌ.
  • تحول المادة من صورة لأخرى ينافي الأزلية:
    ومن المعلوم أن المادة يمكن أن تتحول من صورة لصورة أخرى – طبقًا لقوانين معينة، والتحول والتغير يدل على أن بقاء المادة في صورة معينة يحتاج إلى شروط معينة خارجة عن ذاتها، فإذا زالت تلك الشروط زالت تلك الهيئة والصورة؛ أي: المادة تحتاج إلى شروط معينة كي تبقى على صورة معينة، وحاجة الشيء إلى غيره تعني أنه غير مستغنٍ بنفسه عن غيره، وهذا معناه أنه غير قائم بذاته؛ أي: يحتاج إلى مَن يقيمه؛ أي: يحتاج إلى غيره، وهذا ينافي الأزلية.
  • خضوع المادة لقوانين لا تحيد عنها: ينافي الأزلية:
    ومن المعلوم أن أي مادة من المواد في الكون تخضع لقوانين معينة، ولا تستطيع المادة الخروج عن هذه القوانين، ويستحيل عليها تغييرها، ولو كانت هذه القوانين من المادة نفسها، لكان بإمكانها أن تغيرها، لكن الواقع أنها لا تستطيع تغييرها، ولا الخروج عنها، وإنما هي مفروضة عليها فرضًا؛ فدلَّ ذلك على أن هذه القوانين ليست من المادة، وبالتالي فهي مفروضة من غيرها، ووجود قانون ما يدل على وجود مقنِّن واضع لهذا القانون سبق القانون، والمادة تحكمها قوانين، ومقنِّن القوانين وواضعها سابق للقوانين؛ مما ينافي القول بأزلية المادة، وإذا كان للمادة قدر لا تستطيع تجاوزه، وتعجِز عنده – فهي مخلوقة لا محالة.
  • احتجاج الملاحدة بأن المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم على أزلية المادة:
    يحتجُّ بعض الملاحدة على أزلية المادة بأنها لا تفنى ولا تُستحدث من عدم؛ معلِّلين ذلك بعلة عليلة، فيقولون: إذا كان في وقت من الأوقات لم يكن هناك شيء في الوجود – أي: لم يكن هناك وجود للمادة – فمن أين لها أن تنشأ؟! ولكن وجود المادة يعني أنها لم تنشأ في أي وقت من الأوقات، وفي الطبيعة لا ينشأ شيء من لا شيء، والجواب على هذا الاستدلال السقيم أن الخالق لا يعجزه شيء، وإذا كان المخلوق لا يمكنه أن يصنع شيئًا من لا شيء، فالخالق قدرته ليس لها حدود؛ فهو على كل شيء قديرٌ، قادر على خَلْق الأشياء من عدم، وقادر على خلق الأشياء من جنسها، وقادر على خلق الأشياء من غير جنسها، وقادر على إفناء الأشياء؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، والعلم لا يدري ماذا كان قبل الانفجار، ولا يدري من أين جاءت المادة التي نشأ منها الكون؟ فلا ينبغي لنا أن نتكلم فيما لا نعلمه، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وكون المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم هذا كلام تجريبي على المادة التي نتعامل معها ونختبرها، أما المادة الأولى لنشأة الكون فلا سبيلَ للعلم للوصول إليها، فضلًا عن أن يختبرها.
  • دعوى الملاحدة أن المفردة التي نشأ منها الكون أزلية:
    ادَّعى بعض الملاحدة أن المفردة التي نشأ منها أو المادة التي نشأ منها أو السديم أو المادة الأولى للكون – أزلية، وهذا كلام بلا دليل، والجواب عليه من وجوه:
    الوجه الأول: أن العلم لا يدري ماذا كان قبل الانفجار، ولا يدري من أين جاءت المادة التي نشأ منها الكون وتطوَّرَ منها كل شيء؟
    الوجه الثاني: ليس هناك ما يدعو إلى أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم.
    الوجه الثالث: الفضاء والزمان وجدوا مع الانفجار العظيم، والمادة هي كل ما له كتلة وحجم، ويَشغَل حيزًا في الفراغ؛ أي: المادة تحتاج إلى مكان أو حيز ليحويها، وبالتالي لا مادة دون وجود المكان الذي سيحويها.
    الوجه الرابع: كون الكون تطوَّرَ من المادة الأولى إلى الحالة التي هو عليها، فهذا يدل على أن المادة الأولى قد طرأ عليها التغيُّر والتبدُّل، وما يجري عليه التغير والتبدل لا يكون أزليًّا؛ لأن كل ما يتغير ويتبدل لا بد له من مغيِّر ومبدل؛ أي: لا بد له من سبب يغيِّره ويبدِّله، وهذا السبب لا بد أن يكون سابقًا له؛ مما ينافي الأزلية، وما دامت المادة الأولى احتاجت إلى سبب يغيرها من حال إلى حال، وسببٍ يبدلها من حال إلى حال – فالمادة محتاجةٌ إلى غيرها، غير مستغنية بنفسها، مما يدل على أن المادة حادثة، ولو كان الأصل فيها الوجود الأزلي لم تكُنْ عُرضة للتحول والتغير والتبدل.
    الكون ممكن الوجود، وهذا ينافي الأزلية:
    هذا الكون – بكل ما فيه من مجرات، ونجوم، وكواكب، وبحار، وأنهار، ومحيطات، ونباتات، وحيوانات، وغير ذلك – يقبل الوجود والعدم؛ فإننا نرى أعيان ما في الكون تموت وتحيا، وتوجد وتنعدم، وكانت غير موجودة ثم وجدت، ونعلم أن المجرات والنجوم والكواكب والحيوانات والنباتات والجمادات لم تكن موجودة ثم وجدت، وعليه فلا مانع عقلًا من انعدام الكون، ولا يلزم من فرض وجود الكون محال، ولا يلزم من فرض عدمه محال، وهذه صفات ممكن الوجود، وممكن الوجود الأصل فيه العدم؛ إذ لو كان الأصل فيه الوجود، لكان واجبَ الوجود، فلا يكون مع ذلك ممكن الوجود والعدم، وإذا كان الكون مسبوقًا بالعدم فلا بد من وجود مَن رجَّح وجود الكون على عدمه؛ لبطلان الترجيح بلا مرجح، والممكن لا يوجد بنفسه، بل بغيره، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدَثًا، وهذا ينافي الأزلية.

التعليقات مغلقة.