جلس الخليفة ابو جعفر المنصور في إحدى قباب بغداد، فرأى رجلا ملهوفا يجول في الطرقات، فأرسل إليه من أتاه به،
فلما سأله عن حاله أخبره أنه خرج في تجارة فكسب منها مالاً، فدفعه إلى امرأته واستأمنها عليه، ثم طلبه منها فيما بعد،
فذكرت المرأة أنه سرق من البيت ولم ير الرجل أثراً ولا علامة على ذلك، فالجدران سليمة وما عليها أثر اقتحام للبيت أو سرقة.
فقال المنصور: “منذ كم تزوجتها؟”، قال: “منذ سنة”، قال المنصور: “بكراً أو ثيبا؟”، قال: “ثيباً”، قال المنصور: “افلها ولد من غيرك؟”، قال: “لا”، قال المنصور: “فشابة هي أم مُسنّة؟” قال: بل شابة، (اي انها كانت عند زوج من قبل ولازالت شابة، فوقع في نفس المنصور احتمال أن تكون متعلقة برجل من قبل).
فدعا المنصور بقارورة طِيب (عطر) كان يُعمل له، حادّ الرائحة غريب النوع لا يوجد له مثيل، فدفعها إلى الرجل وقال له: تطيّب من هذا الطيب فإنه يُذْهِبُ همَّك.
فلما خرج الرجل من عنده قال المنصور لأربعة من ثقاته: “ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم، فمن مر به أحد فشم منه هذا الطيب فليأتيني به
وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته وقال لها: ”وهبه لي أمير المؤمنين”، فلما شمّته أعجبها، فبعثت ببعضه إلى رجل كانت تحبه، وهو الذي دفعت إليه مال زوجها، وقالت له: تطيّب من هذا الطيب فإن أمير المؤمنين وهبه لزوجي،
ثم إنه مرّ مجتازا ببعض أبواب المدينة فشمّ المُوكَل بالباب رائحة الطيب منه، فأخذه وأتى به الى المنصور.
لمزيد من القصص والروايات والحكم أضغط،، متابعة
فقال له المنصور: ”من أين حصلت على هذا الطيب فإن رائحته غريبة مُعجِبة؟”، قال: اشتريته، قال: “من أين اشتريته؟”، فتلجلج الرجل واختلط كلامه، فدعا المنصور والي شرطته وقال له: ”خذ هذا الرجل إليك فإن أحضر كذا وكذا من الدنانير فخلِّه يذهب حيث شاء،
وإن امتنع فاضربه ألف سوط”، فخرج به صاحب الشرطة وجرده ودعا بالسياط ليضربه، فأذعن الرجل وردّ الدنانير.
ثم دعا المنصور زوج المرأة وقال له: ”لو رددتُ عليك الدنانير التي سُرقت منك، أتحكّمني في امرأتك؟” قال: نعم، قال المنصور: فهذه دنانيرك، وامرأتُك طالق منك”، ثم أخبره بخبرها.
¤ من كتاب “الطرق الحكمية في السياسة الشرعية” لابن قيم الجوزية.
التعليقات مغلقة.