إن هذا ‌المال ‌خضرة ‌حلوة تفسير الحديث الشريف

«(إن هذا ‌المال ‌خضرة ‌حلوة) “خضرة” بفتح الخاء وكسر الضاد، وهو خبر، وأنثه على تقدير المبتدأ مؤنثاً من حيث المعنى، إذ المراد من المال الدنيا، فكأنه قال: إن هذه الدنيا كفاكهة خضرة حلوة. قال النووي: شبهه في الرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة، فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده، والحلو كذلك على انفراده، فاجتماعهما أشد.


(فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه) في رواية البخاري “فمن أخذه بسخاوة نفس” قال القاضي: فيه احتمالان. أظهرهما أنه عائد على الآخذ، ومعناه: من أخذه بغير سؤال ولا إشراف نفس ولا شره ولا تطلع ولا إلحاح بورك له فيه. والاحتمال الثاني أنه عائد إلى الدافع، ومعناه: من أخذه ممن يدفع منشرحاً بدفعه إليه طيب النفس بما يعطي من غير سؤال اضطره إليه أو أخرجه له أو نحو ذلك مما لا تطيب معه نفس الدافع بورك له فيه.
(ومن أخذه بإشراف نفس) الإشراف على الشيء الاطلاع عليه والتعرض له، والمراد شدة حرص السائل عليه وطمعه فيه وهو في هذه الجملة عائد على السائل فقط.


(وكان كالذي يأكل ولا يشبع) كنوع من المرض، كلما أكل احترق الأكل وخرج، بسبب ما به من علة، ويسمى بالجوع الكاذب، وقيل: أراد تشبيهه بالبهيمة الراعية. والمقصود التنفير»
[«فتح المنعم شرح صحيح مسلم» (4/ 393)]

(وإن هذا المال) أي: المحسوس في البال (خضرة) : بفتح فكسر (حلوة) : بضم الحاء أي: حسنة المنظر لزيادة المذاق والتأنيث باعتبار أن هذا المال عبارة عن الدنيا وزينتها، إذ التقدير أن زهرة هذا المال خضرة حلوة، قال التوربشتي رحمه الله: كذلك نرويه من كتاب البخاري على التأنيث، وقد روي أيضا خضر حلو، والوجه فيه أن يقال: إنما أنث على معنى تأنيث المشبه به أي: إن هذا المال شيء كالخضرة، وقيل معناه كالبقلة الخضرة، أو يكون على معنى فائدة المال أي: أن الحياة به أو المعيشة خضرة. قال الطيبي رحمه الله: ويمكن أن يعبر عن المال بالدنيا، لأنه أعظم زينتي الحياة الدنيا لقوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 46] فيوافق حديث أبي سعيد الخدري: ” «الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم» . . ” على ما مر في الباب السابق اهـ.
والمعنى أن هذا المال مشبه بالمرعى المشتهاة للأنهام (فمن أخذه بحقه) أي: بقدر احتياجه من طريق حله (ووضعه في حقه) أي: في محله الواجب أو ندبه (فنعم المعونة) أي: ما يعان به على الطاعة ويدفع به ضرورات المؤنة، إذ المراد بالمعونة الوصف مبالغة أي: فنعم المعين على الدين. (هو) أي: المال، ونظير ما ورد: نعم المال الصالح للرجل الصالح، (ومن أخذه بغير حقه) أي: من غير احتياج إليه وجمعه من حرام ولم يصرفه في مرضاة ربه (كان كالذي يأكل ولا يشبع) : فيقع في الداء العضال والورطة المهلكة لغلبة الحرص كالذي به جوع البقر، وكالمريض الذي له الاستسقاء حيث ما يروى، وكلما يشرب يزيد عطشا وانتفاخا
[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (8/ 3232)]

«إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه وحرص النفوس عليه كالفاكهة التي هي (خضرة) في النظر (حلوة)، في الذوق وكل منهما يرغب فيه على انفراده فكيف إذا اجتمعا. وقال في التنقيح: تأنيث الخبر تنبيه على أن المبتدأ مؤنث، والتقدير: أن صورة هذا المال أو يكون التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة الروضة الخضراء أو الشجرة الناعمة والحلوة المستحلاة الطعم. قال في المصابيح: إذا كان قوله خضرة صفة للروضة أو المراد بها نفس الروضة الخضرة لم يكن ثم إشكال البتة، وذلك أن توافق المبتدأ والخبر في التأنيث إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية نحو هند حسنة أو في حكمها كالمنسوب أما في الجوامد فيجوز نحو هذه الدار مكان طيب وزيد نسمة عجيبة انتهى.
(فمن أخذه) أي المال وللحموي: فمن أخذ (بسخاوة نفس) من غير حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس) أي مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها إليه (لم يبارك له) أي الآخذ (فيه) أي في المعطى (وكان) أي الآخذ (كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب سقم من غلبة خلط سوداوي أو آفة، ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا فلا يجد شبعًا ولا ينجع فيه الطعام.
وقال في شرح المشكاة: لما وصف المال بما تميل إليه النفس الإنسانية بجبلتها رتب عليه بالفاء أمرين: أحدهما: تركه مع ما هي مجبولة عليه من الحرص والشره والميل إلى الشهوات وإليه أشار

بقوله: ومن أخذه بإشراف نفس. وثانيهما: كفها عن الرغبة فيه إلى ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله: بسخاوة نفس، فكنى في الحديث بالسخاوة عن كف النفس عن الحرص والشره كما كنى في الآية بتوقي النفس من الشح والحرص المجبولة عليه من السخاء لأن من توقى من الشح يكون سخيًا مفلحًا في الدارين {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [التغابن: 16] وسقط من اليونينية كما نبه عليه بحاشية فرعها لفظة: وكان. فإما أن يكون سهوًا أو الرواية كذلك»
[«شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (3/ 61)]

التعليقات مغلقة.