قيامة أرطغرل أضخم هجمة مرتدة على هوليود والغرب الذين روجوا لعقود في أفلامهم أن الفتوحات الاسلامية إحتلال وأن المسلمين معتدين إرهابيين سافكين للدماء

قيامة أرطغرل أضخم هجمة مرتدة على هوليود والغرب الذين روجوا لعقود في أفلامهم أن الفتوحات الاسلامية إحتلال وأن المسلمين معتدين إرهابيين سافكين للدماء

صحيفة «ميدل إيست آي» البريطانية تنشر تقريرا تقول فيه إن مسلسل «‎قيامه ارطغرل» ساعد في تغيير نظرة المشاهد الغربي للإسلام وساهم في تعريفه بمبادئ وقيم المسلمين في الحرب والسلم والعدل و المساواة كما ساهم ايضا في «إحياء المخيلة الإسلامية» لدى المشاهد المسلم ..

تدور معظم أحداث المسلسل داخل سلطنة الروم السلجوقية، التي انفصلت عن الدولة السلجوقية الكبيرة في سنة 1077.

يواجه كل من أرطغرل ومجموعته المتكاملة من نخبة المحاربين، المعروفة باسم “آلب”، كلا من فرسان الهيكل، والصليبيين، والبيزنطيين، والمغول، فضلا عن العديد من المتعاونين معهم داخل معسكرهم الخاص والخيانات، كل ذلك بهدف تأسيس موطن لهم في الأناضول.

سرعان ما أصبح أرطغرل قائدا رئيسيا وشرع في توحيد القبائل التركية مع بدء انهيار دولة سلاجقة الروم. وقد مهدت مآثره وانتصاراته وقيادته الملهمة في نهاية المطاف الطريق لتأسيس إمبراطورية جديدة. فوريث أرطغرل، في الأساس، ابنه عثمان، هو مؤسس الإمبراطورية العثمانية.

قبل بثّ مسلسل أرطغرل لأول مرة في نسخته باللغة الأردية وعرضه في التلفاز في وقت الذروة في باكستان في نيسان/ أبريل 2020، قال رئيس الوزراء عمران خان إن المسلسل أظهر قيمًا إسلامية وموروثا ثقافيًا وتاريخيًا أكثر مما تظهره هوليوود وبوليوود.

بحلول منتصف أيار/ مايو، حطمت النسخة المدبلجة باللغة الأردية أرقامًا قياسية في عدد الاشتراكات على يوتيوب. وبحلول شهر أيلول/ سبتمبر، برز نجاح العمل في جنوب آسيا من خلال مجموعة من المقالات التي سعت إلى تفسير هذا الهوس الجماهيري الكبير.

في الهند المجاورة، أصبح أرطغرل الكلمة الأكثر شيوعًا في نتائج البحث على الإنترنت، وفاق في نسب البحث الشخصية السينمائية والتلفزيونية الشهيرة شاه روخ خان وحتى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. في سنة 2014، كان أرطغرل شخصية هامشية في التاريخ التركي. وبحلول سنة 2020، لم يعد مئات الملايين من الأشخاص حول العالم قادرين على تصور العالم من دونه.

يقول المؤرخ بيري أندرسون، الذي ألف كتبا عن أناضول القرن الثالث عشر في أنساب الدولة المطلقة، إن الإمبراطورية السلجوقية كانت مهتمة بالنيل أكثر من البوسفور، كما هو موضح في المسلسل. وقد واجهت القبائل التركية التي استقرت على الحدود كلاً من البيزنطيين في الغرب والمغول الزاحفين من الشرق. ويوضح: “إنّ هؤلاء المحاربين والمغامرين المتمركزين على الحدود لم يسعوا فقط إلى الحصول على الأراضي، بل كانوا أيضًا منضوين تحت النظام “الغازي” أي ينتمون لدين يرفض أي تسوية مع الكفار”.

يبين مؤرخون آخرون على غرار جمال كفادر، أن المنطقة الواقعة على طول الحدود المتغيرة ربما كانت الحياة فيها أكثر سهولة، وقابلة للتغيير، كما أن سكانها من ديانات متنوعة وتسهل فيها التجارة أكثر حتى مما تتميز به حدودنا اليوم من انفتاح. وقد برز العثمانيون من هذه التركيبة وهم يشقون طريقهم نحو إقامة دولة للأتراك.

في هذا المسلسل، يبدو أن التركيز على قيم العدل والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين هو بمثابة مثال لما يمكن أن يبدو عليه الحكم الإسلامي العادل. يقول خليل أوغلو إن “ابن عربي هو تجسيد للتقاليد الصوفية التي يقول الأتراك إنهم اكتسبوها عبر القرون، وهو تقليد يحدد الطريقة التي نعيش بها في العالم، انطلاقًا من طريقة جلوسنا إلى الطاولة وحتى الطريقة التي نقيم بها خيامنا ومنازلنا”.

أوضح ليليك أنه لا حاجة للنظر في الماضي البعيد لإدراك سبب شعبية هذا المسلسل. ففي أوائل القرن العشرين، كانت الإمبراطورية العثمانية لا تزال “تشكل بديلا سياسيا وروحيا قابلا للتطبيق للهيمنة الغربية الاستعمارية” بالنسبة للعديد من المسلمين حول العالم، و”ما على المرء سوى النظر إلى الرسائل العديدة الموجهة إلى [مؤسس تركيا الحديثة] مصطفى كمال أتاتورك، من المسلمين حول العالم، وخاصة مسلمي جنوب آسيا، الذين له لعدم إلغاء نظام الخلافة في سنة 1924. كان العالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين، الممزق والمُخضع سياسيا، يتوق إلى نوع من الإحساس بالاتحاد الروحي المتمثل بالخلافة، ومن الواضح أنه ما زال يتوق له اليوم”. ولعل هذا ما يفسر سبب حظر بث قيامة أرطغرل، ومسلسلات تركية أخرى، في مصر والسعودية والإمارات.

يولي المسلسل اهتماما خاصا للتركيبات الثقافية لدلالات الهوية التقليدية التي يتردد صداها خارج تركيا: الموسيقى الشعبية، ورواية القصص الشفوية، والأسرة، واحترام كبار السن، والنهج الاحتفالي في تناول الطعام. كما أنه يعكس صورة المرأة القوية والحازمة كجزء من هذا التقليد وليس معارضته.

وتقول كوازي إن سر المسلسل يكمن في تصويره “للأُخوة” والقيادة النسائية في الإسلام. وأوضحت أن “دور النساء في العائلة في مسلسل قيامة أرطغرل لم يُختزل في القيام بالأعمال الوضيعة والمهام المنزلية، بل كانت مصدرا للإلهام منقطع النظير مقرونا بذكاء خارق الذي يتجسد من خلال استعراض قوي للقيادة”.

على الرغم من أن الدراما التركية عادة ما تصوّر النساء على أنهن حيوانات أليفة متآمرة في الحرملك، على حد تعبير خليل أوغلو، إلا أن قيامة أرطغرل يصورهن كنماذج يحتذى بها، دون أن ينكر أن السلطة الأخلاقية والامتياز الاجتماعي لا يزالان بيد الرجال.

تلعب والدة أرطغرل، الأم هايماه، وزوجته حليمة خاتون، وأخت زوجته سيلكان، ولاحقا شخصيات أخرى مثل أصليهان وإيلبيج خاتون أدوارا رئيسية في المسلسل. وهن يشاركن في الحوارات ويقاتلن ويصدرن الأوامر ويحملن الموتى. لسن عناصر ثانوية، وإنما يشكلن السرد ويرفعن من شأن الدور المنسي أو الممحو للمرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي.

في المقام الثاني، يوضح مسلسل قيامة أرطغرل الكيفية التي يمكن من خلالها للمجتمعات الإسلامية أن تفرض وجودها، وهي تلك التي تسعى للبحث عن العدالة الاجتماعية والجوهر الروحي القوي. إلى جانب ذلك، يؤكد المسلسل على الشعائر الإسلامية بدءا من الوضوء وصولا إلى الصلاة والجنازات. وفي حال تم فتح بلدة أو سوق أو قرية، فإن الفاتحين يؤدون الأذان، أو الصلاة.

إن مستوى التفاصيل التي تركز على الإسلام في المسلسل تعمل على تطبيع العادات والشريعة الإسلامية الأساسية بشكل لا مثيل له في تاريخ التلفزيون الشعبي. وبهذه الطريقة، يشرع المسلسل في إعادة صياغة التاريخ الإسلامي الشائع في حلقات طويلة ومتعددة لتكون بذلك دليلا تعليميا للراغبين في التعرّف على هذا العالم الجديد. ولكل شخص يتقدم بسرعة عبر معارك السيف اللامتناهية، هناك شخص آخر يرى هذه المشاهد الطويلة وكأنها محاولة لطمس الجانب السلبي للصور الإسلامية.

يعد الانسجام بين أرطغرل وأصدقائه المقربين وزملائه، تورغوت وبامسي ودوغان في، وكذلك عليار باي (الذي يلعبه جيم أوجان) من قبيلة تشافدار المجاورة مثيرا للغاية. عليار هو الآخر، عالم ومقاتل يحمل سيف ذو الفقار، في إشارة أخرى إلى الإمام علي، الذي يقف في وجه تعصب الأسرة المتعطشة للسلطة، ليصبح أقرب حليف لأرطغرل.

ثالثا، يقترح مسلسل أرطغرل إمكانية ترسيخ مبادئ العدالة والتكافؤ في مجتمع يتميز بضرائب منخفضة، ويوفر الراحة والرعاية للضعفاء وكبار السن والفقراء. ويعد الإمام علي بن أبي طالب النموذج الذي يحتذي به أرطغرل، في استحضار واضح لصورة المجتمع المثالي كذلك، والثني عن اكتساب الثروة الهائلة، ورفض الممارسات الدنيوية، وإعادة توزيع الثروة، والتجارة العادلة، والقضاء على الفقر.

عندما حارب أرطغرل لاحقا تحت راية الدولة السلجوقية، وتولى حكمها، ظل دخيلا: فهو لا يملك سوى سيف. وبعد ذلك، عندما اكتشف أن ابنه غوندوز كان يمول مقرضي الأموال الذين يتقاضون فائدة، وهو أمر محظور بشكل أساسي بموجب الشريعة الإسلامية، قام أرطغرل بتجريده من جميع امتيازاته. وقال له: “أولئك الذين لا يسعون لنيل رضى الله، لا يمكن أن ينالوا رضاي يا بني”.

لكن عدم الرضا لا يقتصر على النظام العالمي الرأسمالي الإنساني فحسب، بل ينطبق كذلك على نفاق النظام العالمي العلماني. كما يطرح المسلسل العلاقة الجدلية بين الدين والعلمانية التي غالبا ما تُفرض على المجتمعات الإسلامية. ولعل مبادئ رفض الاستسلام لبناء عالم أفضل تجعل قصة مسلسل أرطغرل من بين أعظم المسلسلات في المخيلة الإسلامية.

التعليقات مغلقة.