تاريخ التتار الأول 9

تاريخ التتار الأول 9

إمبراطورية جنكيز خان

نعجب كل العجب من أولئك الذين يمجدون جنكيز خان و يمدحون شجاعة جيشه التتار !!! يقولون قائد بارع و جيوش ماهرة و مدربة و شجاعة ! في حين لا نري ذلك أبدا !

لأننا حتي الآن و بعد كل هذه الملايين التي ذبحها لم نره واجه جيوشا حقيقية و لا دخل معارك متكافئة ؛ و كل ما يفعله لا يدل إلا على خوفه ورعبه الشديد و نذالته !!

فنري أنه يبيد سكان البلاد التي يغزوها و يحرقها ليس للإنتقام منها كما هو شائع و لكن حتي لا تتجمع مرة أخرى في حماسة الثأر منه فتقاتله أو ينضم أهلها لأي جيش يقاتله!!

فهو يريد أن تكون الأرض خلاء في ظهره و يريد أن يواجه كل بلد دون أن ينضم إليه أصحاب ذلك الثأر من البلاد التي غزاها قبله

ثم إن هذه الخصال الممعنة في الوحشية و اللاإنسانية ؛ و تلك الخسة و ذلك الغدر المشين و ذلك النهم والجشع لنهب الثروات و الأموال إلى الحد الذي دفعه لشق بطون الناس بما فيهم جثث القتلى بحثا عن الجواهر ! ….
لا علاقة لها أبدا بخصال الأبطال والفرسان النبلاء ولا يمكن وصفها بالشجاعة بل هي خصال الجبناء و سفلة الخلق

وربما لو واجه جنكيز وجنوده جيشا قويا عند أول مدينة اعتدي عليها فهزمه ذلك الجيش لما عاود العدوان على غيرها و ما كنا لنسمع به أبدا في التاريخ !!

لكن للأسف لم يواجه التتار جيشا قويا إلا في معركة عين جالوت و في أحد معاركه في أوربا و لم يعاودوا الكرة بعدهما بل انتهي بهم الأمر إلى النكول و الإرتداد على أعقابهم و اندحار إمبراطوريتهم و سقوطها❗ وهذا يؤكد ما قلناه

🔸 التتار يجتاحون إقليم خراسان :

صدرت الأوامر لتولوي بن جنكيز خان بالسير إلى إقليم خراسان في خريف عام 617 هـ / 1220/ ويظهر أن جنكيز خان كان ينوي غزو هذا الإقليم بنفسه بدليل أنه عبر إلى الضفة الغربية لنهر جيحون وسار إلى مدينة بلخ، إحدى المدن الغنية الواقعة على الضفة الغربية لنهر جيحون، ابتغاء الاستيلاء عليها .

💥 أولا : الاستيلاء على بلخ :

لم تكن مدينة بلخ محصنة تحصيناً يكفل لها الصمود أمام الجيوش المغولية،

وترجع شهرة هذه المدينة إلى أنها كانت من أمهات المدن الخوارزمية، فضلاً عن قيمتها التجارية بسبب وقوعها على إحدى الممرات التجارية الهامة في وسط آسيا،

وكانت هذه المدينة عامرة بمبانيها آهلة بسكانها حتى قيل أنه كان بها ألف ومئتان من المساجد الكبيرة ومثلها من المساجد الصغيرة، كما كان بها حمامات عديدة خاصة بالأجانب والتجار الذين يفدون على المدينة ،

وبرغم استسلام هذه المدينة في سنة 618 هـ /1221م لم يعفها جنكيز خان من التخريب، كما لم يعف أهلها من القتل

اكتفى جنكيز خان بالزحف بنفسه مع الجيش عند هذه المدينة وأرسل ابنه تولوي إلى باقي إقليم خراسان على رأس جيش مكون من سبعين ألفاً، ويظهر من تغيير جنكيز خان خطته الحربية انه أراد أن يؤمن أملاكه وجيوشه في هذه النقطة .

💥 ثانيا ـ احتلال نسا والقضاء على أهلها :

سارت طلائع جيش تولوى إلى خراسان في سنة 617 هـ ـ 1220م وكانت هذه الطليعة تتكون من عشرة آلاف جندي بقيادة توجاش زوج ابنة جنكيز خان،

وقد سار توجاش إلى مدينة نسا ولما إقتربت إحدى كتائبه من المدينة سلط المسلمون سهامهم على رجالها فقتل عدد كبير، كما قتل (بلجوش) قائد هذه الكتيبة ؛

ولما وصل توجاشر بجيوشه، أمر بأن ينصب حول المدينة عشرون منجنيقاً، وبعد خمسة عشر يوماً استطاع المغول أن يحدثوا ثغرة في حوائطها واحتلوها ليلاً،

ولما طلع النهار بدأوا يثأرون لمقتل القائد بلجوش، فأخرجوا جميع السكان وأمروا بربطهم الواحد بجوار الآخر، كما أمروا بربط ذراعي كل رجل وراء ظهره، ثم قتل المغول جميع النساء والرجال والأطفال حتى قيل إن عدد من قتل من سكان هذه المدينة بلغ أكثر من سبعين ألفاً

🔹 و وقد وصف النسوي هذه الحادثة وصفاً يثير الحسرة والألم حيث قال:

{فساقوهم إلى فضاء وراء البساتين، كأنهم قطعان الضأن تسوقها الرعاة،

ولم يمد التتار أيديهم إلى السلب والنهب إلى أن حشروهم في ذلك الفضاء الواسعة بالصغار والنساء والضجيج يشق جلباب السماء والصياح يسد منافذ الهواء،

ثم أمروا، بأن يكتفوا بعضهم بعضاً ففعلوا ذلك خذلانا، وإلا فلو تفرقوا وطلبوا الخلاص عدواً (يعني لو أنهم فروا هرولة ) من غير قتال والجبل قريب، لنجا أكثرهم ….

فحين كتفوا جاءوا إليهم بالقوس وأضجعوهم على العدى وأطعموهم سباع الأرض وطيور الهوا، فمن دماء مسفوكة وستور مهتوكة وصغار على ثدى أمهاتها المقتولة متروكة…
وكان عدة من قتل بلسان أهلها ومن انضوى إليها من الغرباء ورعية بلدها سبعون ألفاً … }

ويروي النسوي أن المغول انتشروا في خراسان وكانوا كلما حلوا ببلد جمعوا الفلاحين وقادوهم كالأغنام لمساعدتهم في حصار الأماكن التي يرغبون في الاستيلاء عليه..

وقد استولى الرعب والفزع على النفوس حتى كان الأسير أحسن حالاً ممن أقام في منزله لأنه أصبح لا يعرف شيئاً عن المصير الذي سيؤول إليه ❗

وكان المغول يرغمون حكام المقاطعات وأتباعهم على الاشتراك في أعمال الحصار، ومن أبى منهم قتل شر قتلة

💥 ثالثا ـ مذبحة مدينة مرو :

ذهب إلي مدينة مرو جيش كبير من التتار على رأسه بعض أولاد جنكيز خان واستعانوا في هذه الموقعة بأهل بلخ المسلمين، ❗

وتحرك الجيش المغولي بقيادة تولوي واستطاع المغول إبادة عشرة آلاف رجل من الخيالة التركمان كانوا يعسكرون على مقربة من المدينة، فاستدرجوهم إلى كمين وقتلوا عدداً كبيراً منهم ..

وفر الباقون بعد أن غنم المغول منهم عدداً كبيراً من قطعان الماشيةالتي نهبوها من مدينة مرو،

وفي اليوم التالي أول محرم سنة 618هـ ـ 25 فبراير سنة 1221م ـ سار تولي في خمسمائة من الخيالة لاختبار حصون المدينة ولم يمض أسبوع حتى تجمعت الجيوش المغولية و أخذت في الهجوم على هذه المدينة،

وكان أمام المحاصرين منفذان للنجاة، ولكن المغول فطنوا إلى هذين المنفذين وقضوا الليل على حراسة الأسوار والمنافذ ليحولوا دون خروج الأهالي والجيوش الخوارزمية منها،

🔹 وفي اليوم التالي أرسل حاكم المدينة وكان يطلق عليه (مدير الملك)، أرسل كبار رجال الدين إلى تولوي يعرضون التسليم، بشرط أن يؤمن من في داخل المدينة ؛

فوعدهم المغول بتلبية مطالبهم حتى أن مدير الملك خرج بنفسه إلى معسكر المغول يحمل الهدايا إلى تولوي، الذي أكد له أنه سيبقيه في حكم هذه المدينة

وطلب تولوي من مدير الملك أن يحضر له وأعيان المدينة كذلك ليخلع عليهم عليهم الخلع ويمنحهم الهبات

فأرسل مدير الملك في استدعائهم، ولما حضروا إلى معسكر المغول ربطهم تولوي ومعهم مدير الملك، وطلب منهم أن يعدوا له قائمتين طويلتين.

🔼 أما القائمة الأولى: فتضم أسماء كبار التجار وأصحاب الأموال في مدينة مرو.

🔼 أما القائمة الثانية: فتضم أسماء أصحاب الحرف والصناع المهرة ..

ثم أمر ابن جنكيز خان أن يأتي المغول بأهل البلد أجمعين فخرجوا جميعاً من البلد حتى لم يبق فيها ولا واحد، ثم جاءوا بكرسي من ذهب قعد عليه ابن جنكيز خان ثم أصدر الأوامر الآتية:

▪︎ أن يأتوا بأمير البلاد وبكبار القادة والرؤساء فيقتلوا جميعاً أمام عامة أهل البلد ، وبالفعل جاءوا بالوفد الكبير وبدءوا في قتله واحداً واحداً بالسيف والناس ينظرون ويبكون .

▪︎إخراج أصحاب الحرف والصناع المهرة، وإرسالهم إلى منغوليا الاستفادة من خبرتهم الصناعية هناك.

▪︎ إخراج أصحاب الأموال وتعذيبهم حتى يخبروا عن كل مالهم، ففعلوا ذلك، ومنهم من كان يموت من شدة الضرب ولا يجد ما يكفي لافتداء نفسه.

▪︎دخول المدينة وتفتيش البيوت بحثاً عن المال والمتاع النفيس حتى إنهم نبشوا قبر السلطان السلجوقي(سنجر)أملاً في وجود أموال أو ذهب معه في قبره، واستمر هذا البحث ثلاثة أيام. …

▪︎ الأمر الخامس، أمر ابن جنكيز خان، أن يُقتل أهل البلاد أجمعون، …

وبدأ المغول يقتلون كل سكان مرو، الرجال والنساء والأطفال، وقالوا إن المدينة عصت علينا وقاومت، ومن قاوم فهذا مصيره .

وهكذا أصبحت مدينة مرو أثراً بعد عين وهلك سكانها أجميعن الذين قدرهم ابن الأثير بسبعين ألفاً، وأما الجويني فقدر هذا العدد في كتابه تاريخ جهان كشاي فذكر أنه بلغ مليوناً وثلاثمائة ألف رجل عدا الجثث التي كانت في أماكن خفية .

💥 ـ رابعا الانتقام من أهالي مدينة نيسابور:

سار توجاشر بعد مذبحة نسا إلى مدينة نيسابور سنة 617هـ/1220م وعزم على الاستيلاء عليها وقد هاجمها بالفعل ولكنه قتل بعد ثلاثة أيام بسهم من سهام أعدائه،

وقد وجد القائد الذي حل محله في القيادة أنه لا يملك القوة الكافية للاستيلاء على هذه المدينة فرفع عنها الحصار، تاركاً هذه المهمة الشاقة إلى أن يأتي جيش تولوي

وتفرغ هو للاستيلاء على بعض الحصون المجاورة ،

🔹 بعد أن فرغ تولوي من ذبح أهالي مدينة مرو تحرك إلى مدينة نيسابور على مسيرة اثني عشر يوماً من مدينة مرو.

وأراد تولوي أن يثأر لموت (توجاشر) الذي قتل أمام أسوار هذه المدينة عندما حاول الاستيلاء عليها قبل وصول تولوي بجيوشه،

وكان الأهالي قد أساءوا إلى فصائل المغول التي كانت تظهر تباعاً بالقرب من المدينة فكانوا يقتلون من يستطيعون قتله، ثم أخذوا أهبتهم للاستعداد عندما علموا أن المغول سيهاجمون المدينة،

ولما رأى الأهالي المحاصرون وقواد الجيوش الخوارزمية جيوش المغول وقد أحاطت بالمدينة من كل جانب، فقدوا رباطة جأشهم وأرسل الأهالي نواباً عنهم من الأئمة وكبار رجال المدينة، وعلى رأسهم قاضي القضاة في خراسان إلى المعسكر المغولي؛

وعرضوا على تولوي التسليم وتعهدوا بأن يؤدوا للمغول ضريبة سنوية، ولكن تولوي الذي كان صدره يغلي ونفسه تتحرق شوقاً للانتقام لمقتل زوج شقيقته توجاشر، رفض كل العروض التي عرضها عليه أهالي هذه المدينة ،

🔹 وفي اليوم التالي تفقد تولوي جنده الذين كانوا يرابطون حول المدينة وأخذ يشجعهم، حتى إذا ما حل اليوم الثاني عشر من شهر صفر سنة 618هـ/7 أبريل سنة 1221م أمر بمهاجمة المدينة من كل مكان ..

واستمر القتال طول النهار والليل، ثم استطاع المغول أن يخترقوا الحصون ويحدثوا في حوائطها ثغرات عديدة مكنتهم من دخول المدينة من جميع جهاتها وأصبحت شوارعها ومنازلها مسرحاً للحروب، ..

وأخيراً تمكن المغول من احتلال المدينة، وأخذوا يثأرون لمقتل توجاشر، وقد دخلت زوجة ذلك القائد وهي ابنة جنكيز خان المدينة يصحبها عشرة آلاف رجل وقتلوا كل من صادفهم من رجال ونساء وأطفال، ولم يتركوا حتى القطط والكلاب❗

ومما يدل على أن المغول كانوا يتحرقون شوقاً للتنكيل بسكان نيسابور أن تولوي رأى بعض السكان يلتمسون النجاة بالرقاد بين جثث القتلى، فلكي لا يترك فرصة لأحد منهم للنجاة، أمر بقطع جميع رؤوس القتلى ووضع هذه الرؤوس في جانب والأجساد في جانب آخر .

وقد استمر تخريب المدينة خمسة عشر يوماً زالت فيها معالمها، ولم يبق المغول إلا على أربعمائة رجل من أصحاب الحرف والمهن للانتفاع بهم، …

ولكي يطمئن تولوي إلى القضاء على جميع سكان المدينة ترك بعد رحيله عنها عدداً من الجنود لقتل السكان الذين قد يظهرون بعد رحيل الجيش المغولي،وقد ظهر فعلاً عدد منهم وأجهز عليهم الجيش المغولي،،

ومما هو جدير بالذكر أن سقوط هذه المدينة حدث بعد وفاة علاء الدين خوارزمشاه بشهرين .

💥 خامسا – خضوع مدينة هراة :

سار الجيش المغولي بعد الإجهاز على نيسابور إلى مدينة هراة إحدى مدن خراسان الهامة،

ووجه تولوي ، وهو في طريقه إليها، طائفة من جنده إلى مدينة طوس فدمرتها وخربت مشهد علي بن موسى الرضي وهارون الرشيد ،

وأرسل تولوي عندما وصل إلى مشارف هراة ينذر أهلها بالتسليم فأجابوه، بقتل رسوله إليهم، واستعدوا للدفاع عن مدينتهم التي ما لبثت أن هوجمت من جميع جهاتها في وقت واحد،

وبعد حصار دام عشرة أيام على رواية ابن الأثير ، وثمانية أيام على رواية غيره ، طلب أهلها التسليم على أن يؤمن المغول حياتهم ؛

وافق تولوي على هذا الطلب مكرهاً، لأن إنقساماً خطيراً حدث في جيشه ومع ذلك لم يف بوعده للأهالي، فقد قتل منهم نحو اثني عشر ألفاً،

ثم ولى عليها حاكماً عسكرياً مسلماً، وغادرها بأمر من أبيه جنكيز خان ليلحق به عند مدينة الطالقان .

على أن هراة ما لبثت أن ثارت على الحكم المغولي على إثر سماع أهلها خبر انتصارات جلال الدين منكبرتي التي أحرزها على المغول في إقليم غزنة،

الأمر الذي جعل المغول يجردون عليها حملة قاسية، افتتحتها عنوة، وأنزلت بها كثيراً من السلب والنهب، ثم جعلتها طعاماً للنيران .

وهكذا خضع إقليم خراسان للمغول،

ومما هو جدير بالذكر :

أنه في الوقت الذي غزا فيه المغول خراسان تركت إحدى القبائل التركمانية التي كانت تسكن بالقرب من مدينة مرو أملاكها تحت تأثير الفزع من ناحية المغول وهاجرت غرباً إلى أرمينية،

وبعد ذلك بثمانية أعوام أغار المغول على هذا الإقليم (أرمينية) فتركت هذه القبيلة هذا المكان وسارت إلى آسيا الصغرى ( الأناضول تركيا) ؛

واستطاع قائدها (أرطغرل) مع رجاله الذين كانوا يكونون أربعمائة وأربعين عائلة، أن يقيموا في إحدى المقاطعات التابعة لسلطان سلاجقة الروم في إقليم أنقرة على حدود الدولة البيزنطية، الذي حصل عليه كمكافأ بعد معاونته في القتال لعلاء الدين قيبقاد سلطان قونية السلجوقي .

وتحولت الزعامة إلى عثمان الذي استطاع في سنة 700هـ/1300م، بعد أن دب الضعف إلى السلاجقة في آسيا الصغرى، أن يكوِّن له دولة على أنقاض هذه الدولة السلجوقية، واتخذ لنفسه لقب (سلطان) ويعتبر عثمان هذا المؤسس الحقيقي للدولة العثمانية.

ـ احتلال إقليم غزنة .. التالي

التعليقات مغلقة.