تانيـــس مدينــة المجــد الغابــر

تانيـــس مدينــة المجــد الغابــر تعد تانيس صان الحجر واحدة من أهم المدن الأثرية المصرية على الاطلاق فى الدلتا أو مصر السفلى ، وقد وصفها نخبة كبيرة من الاثاريين وعلماء المصريات العالميين بأنها ” أقصر الشمال “ ..

ومما لا شك فيه أنها واحدة من أكثر المدن المصرية التاريخية شهرة على الاطلاق نظرا لورود ذكرها فى العديد من المصادر التاريخية المختلفة وفى الكتاب المقدس .

ولعل من أكبر مميزاتها أن أرضها قد احتوت على الكثير من الاثار التى نقلت إليها من مواقع أخرى قريبة منها فى شرق الدلتا والتى تعود إلى مراحل تاريخية أقدم من نشأتها .. أطلق عليها فى المصرية القديمة ” جعنت “ ، أما اسم تانيس الذى عرفت به عالميا فهو المسمى اليونانى لها ..

وقد برزت تانيس أو صان الحجر مرة أخرى فى ذاكرة التاريخ المعاصر خلال أحداث الحملة الفرنسية على مصر بعد أن لفت الموقع أنظار علماء الحملة الفرنسية واستشعروا قيمته الأثرية والتاريخية ،

فتحولت بعدها تانيس إلى هدفا ثمينا من قبل تجار الاثار الأوروبيين الذين ركزوا جهودهم فى اكتشاف كنوزها خلال القرن التاسع عشر ،

فتمكن الفرنسى ” جان جاك ريفو “ من نقل تمثالى من نوع أبو الهول من الحجم الكبير من الجرانيت الوردى إلى متحف اللوفر فى باريس ،

وخرجت من أرضها العديد من التماثيل الرائعة التى نقلت إلى متاحف أوروبا الكبرى كبرلين وسان بطرسبرج ،

ويذكر أن كلا من ” هنرى سالت “ و” برناردينو دروفتى “ قد تمكنا من العثور على إحدى عشر تمثالا رائعا فى أرض تانيس ، فقاموا بارسال بعضهم إلى باريس والبعض الاخر إلى برلين ..

ويعد الأثارى الفرنسى الشهير ” أوجست مارييت “ هو أول من قام بأعمال الحفائر الأثرية المنظمة فى موقع تانيس ( صان الحجر ) خلال الفترة بين عامى 1860 و1864م ،

وكان هو من قام باكتشاف لوحة الأربعمائة عام الشهيرة من عهد الملك ” رمسيس الثانى “ والتى تحدثت عن أصول ملوك الأسرة التاسعة عشرة المنتمين إلى شرق الدلتا ، إلى جانب العديد من التماثيل الملكية الأخرى والتى يؤرخ الكثير منها إلى عصر الدولة الوسطى ..

وقد أخطأ ” مارييت “ باشا حين أعتقد أن تانيس هى عاصمة الهكسوس القديمة المعروفة باسم ” أواريس “ ، والتى ثبت لاحقا أنها تقع فى موقع تل الضبعة المجاور كذلك فى شرق الدلتا ، كما اعتقد أنها ربما تكون عاصمة الملك ” رمسيس الثانى “

الشهيرة فى شرق الدلتا والتى عرفت باسم ” بر رعمسيس “ ، والتى ثبت لاحقا من واقع الأدلة الأثرية أنها تقع فى بلدة قنتير المجاورة فى شرق الدلتا ..

وجاء إلى تانيس ( صان الحجر ) فى أعقاب ” مارييت “ عالم الاثار الانجليزى الشهير ” فلندرز بترى “ ، والذى قام بأعمال الحفائر داخل الموقع خلال الفترة من 1883 إلى 1886م ،

وقد قام بعمل خريطة تفصيلية للمعبد الكبير الكائن بالموقع ، كما قام بنسخ نقوش الموقع وبالعديد من المجسات المختلفة ، وتمكن من اكتشاف برديات من العصر الرومانى تتواجد حاليا فى المتحف البريطانى .. وخلال الثلاثون عاما بين 1921 و1951م تولى عالم الاثار الفرنسى القدير ” بيير مونتيه “ أعمال الحفائر الأثرية فى موقع تانيس

( صان الحجر ) ، وقدم خلال تلك الفترة مجهودا علميا شاقا خلده فى تاريخ علم المصريات دون شك ، ولا تزال البعثات الأثرية الفرنسية تعمل داخل الموقع إلى وقتنا الراهن .

ومن أبرز الانجازات الأثرية والعلمية التى قدمها ” مونتيه “ قيامه باثبات أن تانيس ليست هى

” أواريس “ عاصمة الهكسوس أو ” بر رعمسيس “ عاصمة الملك ” رمسيس الثانى “ ، كما قام “ مونتيه “ باكتشاف المقابر الملكية لملوك الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين فى عام 1939م ، وهو الاكتشاف الذى لم يحظى بالتقدير العالمى

المناسب له – مع الأسف الشديد – بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية فى تلك الأثناء . وإذا تطرقنا إلى الحديث عن المقابر الملكية فى تانيس ، فسوف نجد أن أربعة

من هذه المقابر كانت تخص الملوك ” بسوسنيس الأول “ ( 1039 – 991 ق.م ) ، و” آمون إم أوبت “ ( 993 – 984 ق.م ) ، و” أوسركون الثانى

“ ( 874 – 850 ق.م ) ، و” شاشنق الثالث “ ( 825 – 733 ق.م ) ، وقد عثر فى مقبرة ” بسوسنيس الأول “ على التابوت الفضى ذو الرأس الصقرية لـ ”

شاشنق الثانى “ وكذلك تابوت ” آمون إم أوبت “ ، أما عن تابوت الملك ” تاكيلوت الثانى “ ( 850 – 825 ق.م ) فقد عثر عليه داخل مقبرة الملك ” أوسركون الثانى

“ . وتعد المنحوتات الرائعة التى عثر عليها فى جبانة تانيس من أهم المصادر لدى العلماء عن الأثاث الملكى الجنائزى خلال عصر الانتقال الثالث ، وهى من أهم كنوز المتحف المصرى بالقاهرة فى الوقت الحالى ..

وتحتوى تانيس على عدد من المعابد يقدره بعض العلماء بأنه يبلغ السبعة ، وكان المعبود ” آمون “ هو المعبود الأكبر للمدينة ومعه بقية أعضاء ثالوثه زوجه ” موت “ وابنه

” خونسو “ ، وهم نفس أعضاء ثالوث مدينة طيبة العظيمة ، ومن ثم فقد أطلق المؤرخون على مدينة تانيس مسمى ”

طيبة الشمالية “ لأنها كانت تلعب نفس الدور الدينى الذى لعبته طيبة العظيمة فى الجنوب . ويؤرخ أقدم المبانى بتانيس إلى

عهد الملك ” بسوسينس الأول “ من الأسرة الحادية والعشرين ، كما يبدو أن السور الكبير لمعبد ” آمون “ الموجود بالموقع كان من أعمال خليفته على العرش ” سمندس “ ،

ولقد قام ملوك الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين بالعديد من الاضافات إلى المعبد الكبير ، ويذكر أن الملك ” نكتنبو الأول “ ( 380 – 362 ق.م ) من الأسرة الثلاثين قد قام باستخدام أحجار من عهود أقدم لتأسيس البحيرة المقدسة بالمعبد ..

ويحتوى موقع تانيس على كم كبير من الكتل الحجرية المنقوشة والأعمدة والمسلات التى تعود إلى عهود مختلفة من تاريخ مصر القديمة ، والتى حملت بعضها نقوشا للكثير

من الملوك مثل ” خوفو “ و” خفرع “ و” تتى “ و” ببى الأول “ و” ببى الثانى “ و” سنوسرت الأول “ ، وكان لنقوش

وآثار الملك الشهير ” رمسيس الثانى “ النصيب الأعظم بين اثار تانيس المتناثرة ، ويعتقد الاثاريون وعلماء المصريات أن آثار

الملك ” رمسيس الثانى “ بالموقع قد نقلت من عاصمته ” بر رعمسيس “ الواقعة فى قنتير القريبة من تانيس فى شرق الدلتا . وعلى الرغم من هذا فإنه ليست هناك أية دلائل على أن الموقع يؤرخ بفترة أقدم من عهد ” بسوسينس الأول “ من

الأسرة الحادية والعشرين ..

وبجوار الجانب الجنوبى الغربى من المعبد الكبير تتواجد مجموعة من المعابد الصغرى التى كرست للمعبودات ” موت “ و” خونسو “

والمعبودة الأسيوية ” عشتار “ ، الأمر الذى جعل تانيس صورة أخرى من معبد الكرنك العظيم فى طيبة فى الجنوب ..

وتزخر المنطقة بمجموعة كبيرة من المسلات لعلها الأكثر عددا فى أى منطقة أثرية فى مصر ، ولكنها للأسف راقدة نتيجة لسقوطها فى فترات مختلفة من تاريخ مصر ،

ربما بسبب هبوط فى التربة أو لحدوث لهزات أرضية ، كسرت بعض هذه المسلات إلى أكثر من

جزء ، وقد نقل بعضها إلى أماكن أخرى فى مصر ، كما خرجت بعض المسلات إلى أوروبا لتزيين ميادين بعض الدول ،

كانت كل المسلات من حجر الجرانيت الوردى وتخص معظمها الملك ” رمسيس الثانى “. وإذا تطرقنا للحديث عن تانيس خلال الحقب

التاريخية المختلفة من تاريخ مصر القديمة ، فسوف نجد أنه خلال عصرى الدولتين القديمة والوسطى عرفت تلك المنطقة باسم حقل ” جعو “ وكانت مكانا

متميزا للصيد البرى والنهرى . وكانت المنطقة فى الأصل جزءا من الاقليم الثالث عشر من أقاليم مصر السفلى ، وقد أصبحت تانيس عاصمة للاقليم التاسع عشر من أقاليم مصر السفلى خلال

العصر المتأخر .. ويعود أقدم ذكر لتانيس إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة من خلال إحدى الكتل الحجرية لإحدى منشآت ملك مصر العظيم ” رمسيس الثانى “ التى

اكتشفت فى مدينة منف ( ميت رهينة الحالية ) .. ولقد أصبحت تانيس عاصمة

لمصر خلال عهد الأسرة الحادية والعشرين وهى الحقبة التى تعد أهم عصور المدينة

على الاطلاق ، كما يعتقد البعض أنها ظلت العاصمة السياسية كذلك خلال عهد الأسرة الثانية والعشرين .. وخلال العصر المتأخر تعرضت تانيس للغزو من قبل أحد أعظم

ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية ” بى “ ، واتخذ خليفته ” طهرقا “ من المدينة مقرا له لوقت قصير ، ومن ثم فقد وجدت بعض المناظر المؤرخة بعهد هذه

الأسرة فى جدران البحيرة المقدسة بالمعبد الكبير بعد أن أعيد استخدامها . وقد بدأ شأن المدينة يخبو رويدا خلال عهود الأسرات الكوشية والصاوية حتى جاء عهد الملك ”

بسماتيك الأول “ من الأسرة السادسة والعشرين الصاوية والذى قام ببناء جوسق

فى تانيس . وخلال عهد الأسرة الثلاثين قام الملك ” نكتنبو الأول “ باضافة بعض المنشآت إلى المدينة ، كان أبرزها فى معبد

” خونسو “ الواقع فى الجانب الشمالى من معبد آمون الكبير ، كما تم البدء فى بناء معبد حورس خلال عهد الأسرة الثلاثين

بجوار البوابة الشرقية من المعبد الكبير ، واستمرت الاضافات المعمارية فيه حتى العصر البطلمى . وقد شهدت المدينة بعض

الاضافات المعمارية خلال العصر البطلمى ، حيث قام الملك ” بطلميوس الأول “ ببناء البوابة الشرقية للمعبد الكبير ، وقام ”

بطلميوس الثانى “ وزوجه الملكة ” أرسينوى “ ببناء مقصورة صغيرة من الطوب ، وقام ” بطلميوس الرابع “ ببناء معبد فى الجنوب الغربى من معبد ” موت

“ . أما عن موقع تانيس ( صان الحجر ) اليوم بمحافظة الشرقية فهو يعد أكبر التلال فى مصر قاطبة ، ويشتمل على 177 هكتارا من الأرض ، ويبلغ ارتفاعه نحو 32 مترا ،

وصان الحجر هى إحدى القرى التابعة لمدينة الحسينية وتقع على بعد 17 كم من الحسينية و32 كم إلى الشمال الشرقى من مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية ، وحوالى

150 كم إلى الشمال الشرقى من القاهرة ، ويقع بالقرب منها فى الناحية الجنوبية مجموعة من المرتفعات الأخرى يطلق عليها ” تلال البيض “ .

التعليقات مغلقة.