مصر في العصر البطلمي 3

مصر في العصر البطلمي 3

🔹️ ملخص ماسبق :
ينتمي بطليموس إلى إحدى العائلات المقدونية النبيلة
، وكان أكبر من الإسكندر ببضعة أعوام ، ويعد من أصدقائه المقربين .

وصل بطليموس إلى مصر بعد خمسة شهور من وفاة الإسكندر ، وتخلص من كلیومینیس النقراطيسي الذي كان الإسكندر قد عينه مشرفا على الشئون المالية ، وانفرد بالسلطة.

كان برديكاس الوصي على عرش الإمبراطورية ؛ يطمح للزواج من كليوباترة شقيقة الإسكندر ، تمهيدا للقفز على العرش ؛ فسارع القادة إلى عقد تحالف ضده، ومن بينهم بطليموس ..

استولى بطليموس على جثة الإسكندر و دفنها بمصر لتكون ولايته مركز الإمبراطورية مما دفع برديكاس للتحرك بقواته عام 321 ق.م. من بابل قاصدا مصر للقضاء على بطليموس إلا أنه فشل في عبور الفرع البلوزی لنهر النيل .. و ثار عليه جنوده فقتلوه.

بعد مقتل برديكاس إجتمع القادة للمؤتمر الثاني ؛ في تریاباراديسوس؛ لإعادة تنظيم الإمبراطورية المقدونية.. وتم تعيين أنتيباتروس و صيا مكانه على العرش ، على أن يتخذ من مقدونيا مقرا له ، فاتجه إليها مصطحبا فيليب أرهیدایوس المجنون والإسكندر الرابع الطفل خليفتا الاسكندر اخوه وابنه .

أما سلوقس الضابط الذي قتل بردیکاس فقد منح ولاية بابل . في حين إستمر أنتيجونس على فريجيا في آسيا الصغرى، و لوسيماخوس على تراقيا ، و بطليموس على مصر وبرقة ( قورینی ).

توفي أنتيباتروس في عام 315 ق.م. وتقرر إسناد منصب الوصاية على العرش إلى القائد بوليبرخون ؛ فتحالف ضده كاسندروس ابن أنتيباتروس ، مع كل من أنتيغونس وبطليموس .

سارع بطليموس للإستيلاء على إقليم جوف سوريا ؛
وسارع أنتيغونس لإرسال قوات لمساعدة كاسندروس ضد بولبيرخون وانضم للحلف أرهاديوس أخو الاسكندر و ززوجته.

بينما انضمت أم الإسكندر إلى حلف بوليبرخون و اغتالت المجنون و زوجته . أما روکسانا الأرملة وابنها الإسكندر الرابع فقد أصبحا في قبضة كاسندروس ، الذي نجح في السيطرة على مقدونيا بعد فرار بوليبرخون الذي لم يلبث ان ذبحهما .

وفي الشرق اجتاح أنتيغونس آسيا الصغرى، واتجه إلى بابل حيث كان سلوقس يشغل منصب الوالي ، فاضطر سلوقس إلى الهرب إلى بطليموس في مصر ، لكي يطلب مساعدته في استعادة مكانته في بابل .

لذلك زحف أنتيغونس نحو مصر فوصل غزة بينما استولى بطليموس على قبرص ؛ وانضم له لوسيماخوس وكاسندروس ووجهوا إنذارا إلى إنتيغونس بالتراجع ، وإعادة سلوقس إلى ولايته في بابل فرفض.

وفي عام 312 ق.م. انتصر بطليموس على رأس ديمتريوس ابن أنتيغونس ؛ في جوف سوريا بمساعدة سلوقس فكافأه بتزويده بقوات يسترد بها بابل .

وفي عام 311 ق.م. عاد ديمتريوس وأبوه أنتيغونس لکی يثأر لهزيمته ، مما أضطر بطليموس إلى الانسحاب لمصر.
وتم عقد صلح بابقاء الأوضاع كماهي ..

وفي عام 303 ق.م، عاد القادة من جديد إلى إقامة تحالف ضد أنتيغونس؛ ثم نجح الحلفاء في إلحاق هزيمة منكرة بأنتيغونس و قتله في موقعه إيبسوس Ipsos في عام 301 ق.م. بآسيا الصغرى ..ثم جلس.القادة المنتصرون لإعادة تقسيم الإمبراطورية ..

عندما توفي كاسندروس ، ونجح دمتريوس في الاستيلاء على عرش مقدونيا، فسارع لوسيماخوس باقتحام مقدونيا في الفترة من عام 288 إلى 285 ق.م.

تمكن سلوقس من إلقاء القبض على ديمتريوس في عام 280 ق.م ، وبقي في الأسر حتى مات في عام 283 ق.م، ثم تلى ذلك قيام صراع بين لوسيماخوس وسلوقس ، …

وقد حسم سلوقس الموقف لصالحه. و راح يحلم بارتقاء عرش مقدونيا وكانت المفجأة أن بطليموس الصاعقة الذي التجأ له فرارا من أبيه بطليموس سوتير حاكم مصر ؛ تنكر له ودبر له مؤامرة أودت بحياته !! وجلس هو على عرش مقدونيا !! إلا أنه قتل بعد قليل وهو يدافع عن حدود مقدونيا الشمالية ضد القبائل الكلتية ..

ثم ظهر انتيغونس الثاني ابن ديمتريوس ، وتحالف
مع أنطيوخوس ابن سلوقس ، وتمكن الاثنان من هزيمة القبائل الكلتية في آسيا الصغرى ، ثم اتجه أنتيغونس بعد ذلك إلى مقدونيا وأعلن نفسه ملكا في عام 277 ق.م.

وهكذا أسفرت الحروب الكثيرة ، التي شهدها عالم ما بعد الإسكندر ، عن ظهور ثلاث ممالك كبيرة على رأس كل منها ملك قوي :

▪︎الدولة السلوقية في بابل وسوريا كان على عرشها الملك أنطيوخس الأول ابن سلوقس ،

▪︎وفي مقدونيا أنتيغونس الثاني ابن ديمتريوس الذي عرف
باسم غوناتاس Gonatas

▪︎ وفي مصر كان يجلس على العرش بطليموس الثانی المسمى فیلادلفوس ابن بطليموس الأول سوتير . (*1)
—————————————–‐————‐————–
🔹️ نظام الحكم و التطورات في مصر
في عهد بطلميوس الأول ..

▪︎أولا محاولات بطليموس التقرب للمصريين عن طريق الدين

تدل الشواهد على أن بطليموس الأول عزم منذ أن وطئت قدماه أرض مصر على أن ينظر إليها من الوجهة الدينية نفس نظرة الإسكندر ؛ الذي ظهر أنه كان يدين بالدين المصري القديم ويعتقد أنه ابن الإله «آمون رع»، وأنه خليفته على أرض مصر ..

والواقع أن «الإسكندر» كان يرى بعد أن اتسعت فتوحه ألا يقف في وجه أي شعب من الناحية الدينية؛ لأنه كان يأمل في آخر الأمر أن يوحد بين شعوب العالم ويجعل نفسه المسيطر عليها بوصفه إبن «آمون» وحاكما لها من قبَله.

ٍّ ولقد كان من الصعب جدا على أي ملك أجنبي أن يُخضع الشعب المصري لإرادته ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذا الشعب العريق في القدم كان ينقاد منذ أقدم العهود وراء طائفة الكهنة وتقاليدهم انقياد الأعمى بصورة مستمرة طوال عهد الفراعنة حتى نهاية العهد الروماني ..

وكان المصري يرى كل أجنبي نجسا يجب ألا يختلط به وبخاصة الإغريق، ولا أدل على ذلك مما رواه لنا «هردوت» الذي زار مصر في خلال القرن الخامس قبل الميلاد، فيقول :

« كان كل المصريون يضحون لحم الذكور من البقر أما الإناث فكان لحمها محرما عليهم، وذلك لأن البقرة كانت مقدسة بوصفها صورة «إزيس» بقرني بقرة، كما يمثل الإغريق الآلهة «يو» Io وعلى ذلك فإن كل المصريين كانوا على السواء يحترمون البقرات أكثر من أي حيوان آخر، ومن ثم فإن كل المصريين سواء أكانوا ذكورا أم إناثًا محرم عليهم أن يقبِّلوا إغريقيٍّا في فمه أو يستعمل المصري سكينًا أو إناء استعمله إغريقي أو يأكل لحم ثور قد قطعته سكين إغريقي.»

ً ولقد تعلم البطاملة درسا ً مفيدا من كره المصريين للفرس لكثرة ما لاقوه من ظلم على أيديهم في الفترة الأخيرة من حكمهم لمصر، ومن أجل ذلك أسرع الإسكندر في تقديم برهان على حسن نواياه نحو الكهنة الذين كانوا لا يزالون أصحاب الكلمة العليا في البلاد، على الرغم من فترة احتلالها بالفرس،

وعندما تولى «بطليموس الأول» حكم مصر انتهج سياسة إرضاء الكهنة ، فقد قدم سلفة مقدارها خمسين تالنت مساعدة لتكاليف دفن عجل «أبيس»، و رفض أن يستردها فكان هذا العمل من جانبه بداية وضع علاقات طيبة بينه وبين الكهنة المصريين بمراعاة مشاعرهم الدينية واحترام معبوداتهم،

ُ وقد قام «بطليموس» بأعمال عظيمة وإصلاحات كثيرة
في المعابد المصرية في أول ولايته وبخاصة في الكرنك
والأقصر و أعاد للكهنة أراض كان الفرس قد صادروها منهم .

عل أن هذا لا يعني أن البطاملة كانوا مثاليين في معاملتهم للشعب المصري أو للكهنة المصريين ؛ إذ كانت عليهم التزامات حربية تجبرهم على أن يقسوا في معاملتهم للشعب و الكهنة عند الحاجة الملحة، ولكنهم بوجه عام كانوا يعلمون تمام العلم أن انضمام الكهنة إلى جانبهم يكفيهم شر قيام أية ثورة في البلاد ضدهم .

كانت العواصم المصرية منذ أقدم العهود مسرحا لوفود الأجانب عليها والاختلاط بأهلها وبخاصة في عهد الدولة الحديثة عندما أخذت مصر تسيطر على العالم المتمدن، فكانت بعوث البلاد الأجنبية تحمل إلى مصر الجزية والهدايا إلى عاصمة الملك، والواقع أن بعض هؤلاء الأقوام كانوا أحيانا يسكنون البلاد المصرية وبخاصة «منف» و«طيبة» و«سايس»، وكانوا أحيانا يتخذون أحياء خاصة بهم في تلك
المدن.

وقد زاد وفود الأجانب على مصر منذ الأسرة ۲۹ عندما أخذ ملوك هذه الأسرة.يستعملون الجنود «الإغريق» و«الكاريين» و«اليهود» في الجيش المصري، ..

غير أن المصريين في كل أطوار تاريخهم لم يقبلوا الاختلاط بالأجانب، وذلك حسب تعاليم دينهم، ومن أجل ذلك نجد أنه في عهد «أحمس الثاني» أخذ الإغريق الذين كانوا يفدون على مصر للتجارة أو كمرتزقة بالجيش ؛ يقيمون في مستعمرات خاصة بهم أهمها مدينة «نقراش» التي كانت مخصصة للإغريق وحدهم، وكانت توجد مستعمرة خاصة باليهود في أعالي الصعيد « بالفنتين »،

ومنذ أول عهد البطالمة ازداد عدد الأجانب مما دعا «بطليموس» إلى محاولة إيجاد حل لإرضاء المصريين من جهة ولو ظاهريا ؛ و ارضاء السكان الجدد من جهة أخرى ؛ وذلك من حيث الوجهة الدينية بوجه خاص.

🔹 ️عبادة سيرابيس وإيزيس وانتشارها في العالم

كانت أرض الكنانة منذ منتصف القرن السابع قبل الميلاد قبلة للإغريق الذين توافدوا عليها بوصفها المنبع الفياض للعلوم والمعارف وقد ظلت مدرستهم الوحيدة التي يتلقون فيها شتى أنواع العلوم العلمية والدينية كما أوضحنا ذلك فيما سبق.

وقد ظهر تأثير ذلك في المعتقدات الدينية وبوجه خاص في عبادة الإله «أوزير» الذي وحدوه مع إلههم «ديونيسوس»، ولهذا فإن الإغريق الذين وفدوا على مصر في عهد «بطليموس الأول» كان لديهم الاستعداد أن يتقبلوا الآراء المصرية القديمة دون حرج .

و في الواقع نجد أن معتقدت مصر كانت قد نفذت إلى أفكارهم ، لأن العلاقة بين مصر وبلاد اليونان لم تنقطع منذ منتصف القرن السابع قبل الميلاد حتى دخول «الإسكندر الأكبر» ولا أدل على ذلك من أن الإغريق استعاروا أسماء اثني عشر إلها من آلهة المصريين.

وتدل شواهد الأحوال على أن «بطليموس الأول» قد فطن لذلك بمساعدة مستشاريه من رجال الدين أمثال الكاهن «أميولبيديس تموتیوس» Eumopides Timotheus
الذي شرح عبادة «ديونيسوس»، وهو يعتبر عمدة في الديانة الإغريقية، و كذلك الكاهن المصري «مانيتون» الذي كان يضرب بسهم وافر في الديانة المصرية والتاريخ
المصري،

ومن أجل ذلك فگر بطليموس في توجيه الإغريق الوافدين إلى مصر إلى عبادة إله لم يكن مجهولا لدى المصريين ولم يكن بعيدا عن المعتقدات الإغريقية، وكان المقصود من ذلك
إيجاد رابطة بين الشعبين يلتقيان فيها، ولا نزاع في أن أكبر رابطة بين الشعوب القديمة هي رابطة الدين ..

ومما لا جدال فيه أن الديانة الحقيقية التي كان يعتنقها إغريق الإسكندرية وقتئذ كانت عبادة الآلهة التي كانوا يعبدونها في وطنهم القديم، وكذلك بوجه خاص العبادات الباطنة الخاصة ببلاد الإغريق والشرق، وهي التي كانت منتشرة في ذلك الوقت في كل أنحاء العالم،..

و نقصد بذلك العبادة «الإليوزينية» Eleusinion التي أخذت عن أتيكا وأعني بذلك الشعائر الأورفية الخاصة بالآلهة «دیونیسوس زاجيروس» Dionysus Zagreus وهي عبادة عامة عند كل الإغريق بل في العالم كله، وقد وصفت شعائر عبادة «ديونيسوس» على لسان «تیوکریتوس» واحتفل بها بنفس الصيغ والشعائر في العهد البطلمي المبكر.

والواقع أن شعائر هذا الإله كانت تتمشى في معظمها مع عبادة الإله «سیرابیس» الجديد الذي أدخلت عبادته في عهد بطليموس الأول .

وفي اعتقادي أن السبب الذي حدا ببطليموس الأول إلى إدخال عبادة هذا الإله في «الإسكندرية» أن «ديونيسوس» قد
وحدت عبادته «بأوزير» وقد قلدت هذه العبادة عن مصر منذ القرن السادس قبل الميلاد.وألبست ثوبا إغريقيا باسم «ديونيسوس» الذي يرجع بدوره إلى أنه كان مثل «أوزير»
إنسانيا ثم إلها فيما بعد ..

وتدل الظواهر على أنه كان وجد في مصر إله يعبد في «منف»
ويدعى « أوزير أبيس » وهو الذي سماه الإغريق «سيرابيس».

وقد كان هذا هو المفتاح الذي وضع بطليموس الأول يده عليه ليكون نواة للديانة الجديدة التي كان يريد أن يتجمع حولها سكان مصر من إغريق ومصريين ..

ولا نزاع في أن المصريين عندما كانوا يتحدثون عن «سيرابيس» بلغتهم كانوا ينادونه باسم «أوزير حابي» و هو إله الآخرة عندهم ..

وقد صار «أوزير حابي» مع تغيير بسيط يدعى «أوزير أبيس ، الذي كان يعبد منذ زمن بعيد في «منف»، وكان معبد «سیرابیس» الذي أقامه البطالمة في «منف» مكان عبادة المصريين كالمعابد المصرية الأخرى المقامة في «طيبة» و«إدفو» وغيرهما، غير أن المعبود المصري قد.أصبح عزيزا لدى الإغريق الذين توطنوا في مصر، ولما نقلت عاصمة الملك إلى «الإسكندرية»ظأقيم له معبد في «الإسكندرية» وأصبح صاحب المكانة الأولى فيها.

والآن يتساءل المرء لماذا اخذ هذا الإله بالذات إلها مشترگا للإغريق والمصريين دون الآلهة الأخرى التي كانت معروفة لدى الإغريق في مصر؟

والجواب على ذلك قد يكون سهلا ميسورا عندما نعلم أن عبادة العجول كانت شائعة في مصر منذ فجر التاريخ واستمرت حتى نهاية عهد الرومان، فقد كان يعبد العجل «أبیس» في «منف» كما كان يعبد العجل «منفيس» في «عين شمس» وأخيرا العجل «بوخیس» في «أخميم»، وقد كان « نقطانب الثاني » أول من احتفل بعبادة العجل «بوخیس»..

فعبادة العجل إذن كانت عبادة منتشرة في مصر، وأقدمها عبادة العجل «أبيس» الذي كان يعبد في «منف» عاصمة الملك أحيانا في العصر المتأخر، ولما حضر «الإسكندر الأكبر»
إلى «منف» قدم له قربانا كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ..

ولا بد أن عبادة العجل في صورة «سیرابیس» كانت شائعة عند الإغريق في «منف» في هذه الفترة مما حدا ببطلیموس»
إلى نقلها إلى الإسكندرية» عاصمته الجديدة التي كان يسكنها إغريق ومصريون على السواء، وفي هذه العاصمة الجديدة أقام له «بطليموس» معبدا فخما، ثم أقيمت له معابد كثيرة في أنحاء القطر المصري ..

وقد كان من الضروري أن يظهر هذا الإله الجديد بعد أن وطدت عبادته في.الإسكندرية على يد «بطليموس» بمظاهره الإغريقية التي كان يتصف بها آلهة الإغريق الذين اتحد بهم، فقد وحد «بأسكليبيوس» بوصفه الإله الشافي، فقد كان يذهب إليه المرض.وينامون في معبده حيث يملي عليهم هذا الإله في نومهم ما يجب عمله لشفاء كل مرض ..

وقد كشف لنا معبد «السرابيوم» الذي أقيم في «دیلوس» Delos أن الثالوث الذي أثر على المدينة الهيلينية لم يكن «إيزيس» و«سيرابيس» وابنهما «حور» (حربوخرات) بل كان
يتألف من «إزيس» و«سيرابيس» و«أنوبيس» والأخير هو الإله الذي يقود الأرواح إلى عالم الحياة الأبدية.

وعلى الرغم من أن الإغريق صوروا «سیرابیس» في شكل رجل إغريقي وشوهوا عبادته بعناصر هيلانية فإن صورته المصرية كانت دائما ظاهرة بارزة، حتى عندما قلت عبادته فيما وراء البحار مع الآلهة المصريين الحقيقيين؛ أي مع «إيزيس»، و«أنوبيس» و«حور» والعجل «أبيس».

ويقول«فلكن»: إن الآلهة المصريين الذين كانوا يرافقون «سيرابيس» هم نفس الآلهة الذين رافقوا «أوزير-حابي» في معبد «سرابيوم منف» .

وكان الناس يتطلعون في كل مكان إلى «سیرابیس» و« إيزيس» لأنهما الإلهان المخلصان، ولا بد أنه بحلول القرن الأول قبل الميلاد كانت عبادتهما تعتبر الديانة العالمية؛
فقد انتشرت عبادتهما انتشارا شاسعا حتى إن قوة انتشارهما قد جعل «إيزيس» وحدها تدخل بلدة «أوروك» في بابل وتعرف هناك، في حين أن «سيرابيس» وصل بلاد الهند ..

والواقع أن «سيرابيس» الذي أظهره «بطلیموس» الى عالم الوجود بعد تفكير ، كان عبارة عن «أوزیر» يظهر في ثوب «أبیس» محلی بعناصر إغريقية، وكان الغرض منه التوحيد بين الإغريق والمصريين في عبادة واحدة مشتركة غير أن المصريين كما يقال لم يقبلوه، فإنه أصبح الإله الإغريقي للإسكندرية ..

هذا وكانت الآلهة «زيوس» و«هاریس» و«سكليبيوس» وغيرهم من العناصر التي تتألف منها طبيعة «سيرابيس»، ولا غرابة في ذلك فإنه من خصائص الديانة المصرية القديمة أن الآلهة فيها في عهد الدولة الحديثة وما بعدها بوجه خاص، كانت عندما يرتفع شأن الواحد منها يطغى على صفات الآلهة الآخرين، وعلى مميزاتهم وينسبها لنفسه ؛

و مما يطيب ذكره هنا أنه توجد دعاية قوية للإله «سیرابیس» في محيط مدن مصر، هذا وقد انتشرت عبادته بسرعة في العالم «الأيوني» وأحيانا نجد أنه قد دخلت عبادته
معبد أقدم «لإيزيس» التي كانت عبادتها قد مهدت غالبا لعبادته كما حدث في «أثينا»، وقد كانت عبادته في بادئ الأمر مثل عبادة «إزيس» قاصرة على مجتمعات خاصة، ولكنها
أصبحت رسمية كما حدث في أثينا»، و«دیمتریاس» Demetrias و«لندوس» Lendus و«دیلوس» وغيرها،

ففي «دیلوس» مثلا نجد أن كاهنا مصريا يدعى «أبولونیوس» قد أدخل عبادته قبل عام ۳۰۰ ق.م، وبعد أن استوطن هذا الإله مدة جيلين هناك بني له حفيد «أبولونیوس» هذا معبدا، وفي عام 166 ق.م، كان له ثلاثة معابد استولت المدينة على واحد منها، وقد وسع هذا «السرابيوم»، الرسمي فيما بعد، وفي مصر كان للإله «سیرابیس» اثنان وأربعون معبدا غير أن معابده الرئيسية كانت في الإسكندرية» و«منف».

وتدل أقوال المؤرخين القدامى على أن مبنى «السرابيوم» كان موجودا قبل عهد البطالمة، وقد قال المؤرخ تاكيتوس Tacitus إنه كان يوجد معبد يتناسب مع عظمة الإسكندرية وأقيم في حي «راقودة» حيث كان يوجد من قبل معبد صغير للإله «سیرابیس» والإلهة إزيس ،..

ويذكر كذلك المؤرخ «أريان» الذي عاش في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد أن.الإسكندر الأكبر قد وضع أساسا لمعبد للإلهة «إيزيس» في الحي الوطني أي «راقودة»، وكذلك يؤكد العالم البليغ «أفثونیوس» Aphthonius الأنطاكي الذي زار الإسكندرية.في عام ۳۱٥م أنه زار «السرابيوم» وقد أشار إليه باسم «أكروبوليس» Acropolis، وأن «الإسكندر» هو الذي أسسه،

وفضلا عن ذلك يقول المؤرخ البيزنطي مالالاس Malalas
إن «الإسكندر» أقام معبد «السيرابيوم» في «الإسكندرية»، ولا غرابة في ذلك ؛ فإنه كان يوجد معبد قدیم صغير قبل عهد البطالمة، كما ذكر «تاسیتوس»، ولا أدل على ذلك من وجود قرابين قدمت لهذا الإله قبل عهد «بطليموس الثالث»، فقد برهنت على ذلك الحفائر الحديثة التي عملت في الإسكندرية عام 1943م وعلى أن هذا الملك هو الذي أقام هذا المعبد، وقد قدم هذه القرابين «أسكليبيودوروس» Asclipiodros و«إيبولوس» Eubolos

هذا بالإضافة إلى مائدة قربان تذكارية قيل إنها قدمت على شرف «بطليموس الثاني» وزوجته أرسنوي وقد وجدت هذه المائدة منذ زمن بعيد في حرم مقدس صغير يقع شمال عمود بومباي ..

ويقول «تاسیتوس» في كلامه إن معبد «سیرابیس» الجديد بناه «بطليموس الأول، بعد أن أحضر إلى الإسكندرية» من سينوبي Sinopu تمثال الإله «بلوتو» Pluto وهو عند الإغريق إله العالم الآخر مثل أوزير ،

وكذلك يشير «بلوتارخ» إلى نقل التمثال من «سينوبي» الواقعة على البحر الأسود.إلى الإسكندرية، ويقول إنه عند وصوله وحد بتمثال «سيرابيس» وهو الاسم الذي أطلقه المصريون على «بلوتو».

ومن الجائز أن «بطليموس الأول» أحضر التمثال من «سينوبي» ووضعه فعلا في محراب صغير كان موجودا من قبل للإلهين «سيرابيس» و«إزيس» في «راقودة» حيث أقام
فيما بعد حفيده «بطليموس الثالث» معبد «سیرابیس» الفخم ليحتفل بعظمة «سیرابیس» وببهاء الإسكندرية،

ويقول «تزتسس» Tztzes الذي عاش في القرن الثاني عشر بعد الميلاد إن «بطليموس الثاني» قد أسس المكتبة الثانية في «السرابيوم»، غير أنه من الممكن أن يكون قد خلط بينه وبين «بطليموس الثالث». … (*2)


(*1) *بتصرف : تاريخ مصر في عصري البطالمة و الرومان / د. أبو اليسر فرح كلية آداب عين شمس مصر / الطبعة الأولى / عين للدراسات.. ٢٠٠٢ / ص٤٢-٤٩ ..
——‐———-

  • الإضافات :
    (2) بتصرف : سليم حسن موسوعة مصر القديمة الجزء 14 ص 203 – 216

التعليقات مغلقة.