تاريخ الدولة العثمانية 3

تاريخ الدولة العثمانية 3

وفاء منا بوعدنا لكم : أننا كل فقرة نفسح المجال لأكثر من كاتب أو مؤرخ من شتى الإنتماءات للحديث عن هذا الموضوع ؛ و هذا بناء على التزامنا الحياد ؛ وفي الواقع لن يرضى هذا الأطراف المختلفين ؛ فهذا يريد أن نذم فقط و الآخر يريد أن نمدح فقط ؛ لكن مما لاشك فيه أن من كله عيوب لا بد له بعض المزايا ؛ و أن من كله محاسن لن يخلو أبدا من مفاسد .

يقول المستشرق الفرنسي روبرت مانتران في مقدمة كتابه تاريخ الإمبراطورية العثمانية :

{ جرى العرف، منذ زمن بعيد، على أن يكون عنوان هذا النوع من الكتب: تاريخ الامبراطورية العثمانية ، ولم نشأ الخروج على هذا العرف برغم أن تاريخ الدولة العثمانية بوجه خاص هو، إلى حد بعيد، ما حاولنا عرضه، مع الحرص على بيان أن هذا العالم ليس فقط عالم الفتوحات والسيطرة والتفوق العسكري وإنما هو أيضا عالم تنظيم داخلي وإدارة.

إن التصور السابق للعالم العثماني قد تأسس على مفاهيم تكونت في القرن التاسع عشر بوجه خاص مثل :

▪︎هذا النظام الاستبدادي الوحشي العنيف لايدين بسيطرته إلا لقوة جيشه، وللضغوط الدموية أحيانا التي مارستها حكومته .

▪︎أما السلاطين فهم إما انهم کائنات دموية لاتعرف الشفقة، تحركها غواية السلطة وتحكم عن طريق الإرهاب، أو انهم أشخاص بلا شخصية، يحيون في الفجور والفساد( لا يكاد يستثنى منهم في ذلك غير قليلين، كسليمان القانوني)..

▪︎ ولم يكن العالم العثماني يعرف نظام حکم .

▪︎أما الإدارة فهي معدومة أو تتميز بالإخلال بالواجبات والإسلام في هذا العالم كلي الجبروت وتشهد على صدارته الاتاوات، بل والمذابح، التي تستهدف المسيحيين .

وهذا التصور، الذي يستند إلى تفوق الغرب وتفوق الأفكار الغربية في القرن التاسع عشر، وإلى مبدأ القوميات، وإلى الدفاع عن أقليات معينة، والذي غالبا ما يعاود الظهور اليوم، وكثيرا ما دس في الكتب وفي النفوس فكرة و بال بل و فساد العالم الإسلامي بوجه عام، والعالم التركي بوجه خاص.

أما ما يسمى ب “المسألة الشرقية” ، فقد كان يدرس حتى وقت قريب من وجهة نظر معادية للعثمانيين، وذلك من منظور السعي إلى تفكيك الامبراطورية بهدف الاستيلاء على ثرواتها الاقتصادية وطرقها التجارية ومواقعها الاستراتيجية
مع الأمل أيضا في تحويل الشعوب المحررة من النير العثماني، إلى « عملاء».

وعلاوة على ذلك، فلم يول اهتمام كبير الجزء العربي من الامبراطورية، اللهم ، منذ أواخر القرن الثامن عشر وخاصة في القرن التاسع عشر، إلا من زاوية غايات اقتصادية أو سياسية “الاستعمار” أو استراتيجية الطريق إلى الهند والوصول إلى إفريقيا السوداء ؛ وبالاضافة إلى ذلك، لم يكن بالإمكان نسيان الاتهامات التي كالتها البلدان العربية للعثمانيين، الذين جرى تحميلهم المسئولية عن انحطاط شأن المسلمين وعن وصاية الغربيين على العالم العربي الإسلامي..

وهنا أيضا، فإن اللجوء إلى المصادر الشرقية، دون الاكتفاء باللجوء إلى المصادر الأوروبية التي من الواضح انها قد ركزت على عدم كفاءة العثمانيين وإهمالهم وضعفهم، إنما يسمح
بإصدار حكم مختلف إلى حد ما عند الانحطاط ، العثماني – الإسلامي.

فالواقع أن بإمكاننا أن نرصد منذ النشأة وجودا فعليا لدولة عثمانية لها مؤسساتها وقوانينها وإطاراتها السياسية والإدارية والعسكرية..

فالسلاطين العثمانيون الأوائل لايبدون ألبتة: برابرة بلا مباديء، ويمكن لإنضواء الوجهاء والأعيان البيزنطيين تحت رايتهم، ولغياب قهر واضطهاد المسيحيين (في دولتهم)أن يكون شاهدا على تعايش معين. وبمرور الوقت، يتطور النظام، ولا تتعرض سلطة السلطان للمنازعة ؛ ويجري التشديد على الطابع الإسلامي للدولة …

لكن نظاما (معينا) يأخذ في التبلور، منفتحا على تفهم لخصوصيات الولايات:

▪︎ فإلى جانب الشريعة الإسلامية، تظهر قواعد محددة، هي قواعد القانون نامه، التي تسمح بصون، وتكييف، بل و بتحسين العادات والتقاليد وأنماط الحياة و الأحوال الاجتماعية للرعايا المسلمين وغير المسلمين، وقد أدى هذا النظام في الولايات، خاصة في الولايات المسيحية إلى صون اللغات المحلية والديانات، بل والأطر السياسية والاجتماعية –

فلم يكن.القادة العثمانيون يريدون استيعاب الشعوب التي فتحوا بلادها، ولم تكن هناك عثمنة أو أسلمة قسرية : وإلا فكيف يمكننا تفسير استمرار اللغات اليونانية والبلغارية و الصربية أو غير ذلك من اللغات، واستمرار الديانات المسيحية والأعيان المحليين، أي كافة العناصر التي استخدمتها الدول العظمى، بدعة من أواخر القرن الثامن عشر وخاصة في القرن التاسع عشر، تحت ستار مبدأ القوميات وحماية الأقليات الإثنية أو الدينية ؟

وإذا كان صحيحا أنه قد حدثت، في ظروف عديدة إلى هذا الحد أو ذاك، مبرزة إلى هذا الحد أو ذاك، أعمال عنف بل و أعمال قهر للسكان غير المسلمين ( وهل هناك بلد سائد لم يمارس مثل هذه الاعمال ضدالمسودين؟) ، فإن حماية أهل الذمة، غير المسلمين، كانت القاعدة في الدولة العثمانية، مع هذا الاعتبار الذي يتمثل، كما في كل دولة إسلامية، في أن أهل الذمة هؤلاء كانوا يعتبرون رعايا ذوي مكانة أقل شأنا من مكانة الرعايا المسلمين، وأن الاضطلاع بمسئوليات معينة كان محظورا عليهم …

لكن نظام الديلشرمة قد سمح بإنهاء هذا الحظر، كما أن من المناسب ألا ننسى أن اليهود المطرودين من أسبانيا ومن أوروبا قد وجدوا لهم ملاذا في أرض عثمانية (سالونيك، اسطنبول).

وهذا الانفتاح و هذا التسامح الذي عرفه العالم العثماني، نجد تعبيرا عنهما في أخبار رحلات القرن السادس عشر ثم في القرن السابع عشر، وذلك قبل أن يؤدي التوسع الاقتصادي والثقافي والسياسي الأوروبي إلى تبديل تصورات الرحالة وإلى دفعهم إلى التركيز على مفاسد النظام.

وقد حاول القادة العثمانيون، في القرن التاسع عشر، الاضطلاع بإصلاحات، وتحديث الدولة، وصحيح أن هذه الإصلاحات غالبا ما كانت تطبق بشكل معيب، إلا ان من الصحيح أيضا أن دولا عظمى معينة لم تحتمل رؤية انبعاث دولة قوية، جبارة، منظمة، وأنها قد وقفت في وجه مساعي الحكومة العثمانية في هذا الصدد بجرها إلى صدامات عسكرية و بإثارتها للتمردات الصربية والبلغارية والأرمنية
واللبنانية؛ وباستيلائها على أراض لها أو بالتشجيع على انفصالها.

أما فكرة النير العثماني، التي استخدمت استخداما واسعة في القرن التاسع عشر، فلم تكن واردة إلا بالنسبة للولايات المسيحية من الامبراطورية، وليس بالنسبة للولايات الإسلامية اللهم إلا منذ بداية القرن العشرين حيث كانت انجلترا وفرنسا تسعيان إلى انفصال هذه الولايات وتراهنان علیه بالثورة العربية، في الشرق الأدنى وحده.

أما فيما يتعلق بالمشكلة الأرمنية، فإذا كانه حلها، قد عزي إلى العثمانيين فإنه لم يجر بحث أسبابها إلا من جهتها التركية وحدها . ( هنا يلمح الكاتب إلى دور روسيا في تأليب الأرمن و مدهم بالسلاح للثورة على الحكم و ارتكاب الجرائم )

أما أن التصور الذي قدمه الغربيون عن الدولة العثمانية كان سلبيا في الغالب فذلك أمر لامراء فيه، وكان بالإمكان، عند الضرورة، تبريره، ولا يعني هذا أن العثمانيين لا بد وأن يخرجوا بالضرورة مبرئين من زاوية دراسة تاريخية انتقادية.

واذا كانوا قد اضطروا إلى مكابدة قانون الأوروبيين، فإن الذنب في ذلك لايرجع برمته إلى الأوروبيين: فقد أظهر العثمانيون، في مناسبات كثيرة، دلائل على التراخي وانعدام الكفاءة وعدم القدرة على التكيف، متأثرين في ذلك بعقدة التفوق التي حالت بينهم وبين رؤية حقائق الواقع والحكم عليها بالشكل الواجب.

إن المعلومات المتوافرة لدينا اليوم تسمح بالتحرر من مفاهيم القرن التاسع عشر وبمحاولة الاضطلاع بعمل تاریخی متحرر حقا من المؤثرات السياسية أيا كانت، دون تحيز ودون هوي.

وقد رأينا أن من المفيد أيضا تخصيص مكان للأدب التاريخي، ولكن أيضا للأدب بوجه عام وللفن، وهما عنصران غالبا ما جرى إخراجهما من البحث التاريخي أو تهميشهما في حين أنهما يمثلان هما أيضا تجليات إما لسلطة سياسية، أو للطابع العميق لأمة من الأمم، أو أيضا لاستيعاب ثقافات أخرى؛…

وفي هذا المجال، فإن الفن العثماني يتميز بأهمية تمثيلية بالغة بحيث يتعذر تنحيته جانبا؛ وقد خلف شواهد ما تزال ملء البصر.

والخلاصة أن ما اعتزمناه إنما يتمثل في اكتشاف عالم لم يفهم جيدا وأسيء فهمه واتهم كثيرا بكافة العيوب وبكافة المساوىء ، صورته الماثلة هي صور ة “رجل أوروبا المريض” الذي كان الأطباء أكثر مسارعة إلى قتله لا إلى رعايته.

وشأنها في ذلك شأن جميع الإمبراطوريات، فقد انتهت الإمبراطورية العثمانية إلى الزوال غير انها أخذت مكانها في تاريخ العالم القديم الذي كانت القوة الأولى فيه على مدار
قرون، وهو ما يفسر أشكال الغيرة والحقد وحركات الانتقام وزعزعة الاستقرار ثم التدمير الذي كانت هي هدفا له.

ولن يكون بالإمكان رسم تاريخ لأوروبا وتاريخ العالم

وبلدان حوض البحر المتوسط يتميز بالكمال، إذا ما نسينا الامبراطورية العثمانية. } التوقيع روبرت مانتران (*1)

🔹️ و عن الدول التي أسسها الأتراك عبر التاريخ يضيف لنا الدكتور سید محمد السيد محمود .أستاذ التاريخ والحضارة العثمانية المساعد كلية الآداب – جامعة الإسكندرية معلومات شاملة رائعة فيقول :

أسس الترك دولا كثيرة على مدى تاريخهم الطويل . وقد حصرت بعض المصادر التاريخية تلك الدول التي أسسها الترك ما بين ۱۱۳ إلى ۱۸۰ دولة ؛ شملت آسيا وقسم كبير من أوروبا والقسم الشمالي من أفريقيا .

والحقيقة أن كل هذه الدول لم تكن ذات تأثير مباشر في السياسة العالمية ، إلا أن المؤرخين المتخصصين راحوا يسلطون الضوء على نحو ست عشرة دولة تركية استطاعت تحقیق سطوة ونفوذ عالمي عظيم ، حتى أطلق عليها اسم ” الدول التركية الكبرى “.

وقد ذكر أحد الباحثين هذه الدول على النحو التالي :

🚩 1▪︎ دولة الهون الكبرى : وقد شملت مناطق شاسعة من آسيا ، فامتدت من بحر اليابان وحتي بحر الخزر ، في الفترة ما بين 250- 216 قبل الميلاد .

🚩 2▪︎ إمبراطورية الهون الغربية في بلاد التركستان .

🚩 3▪︎ دولة الهون الغربية في أوروبا في الفترة ما بين 434 – 469 م .والمعروفة بزعيمها أتيلا الهوني .

🚩 4▪︎ دولة الهون البيض في خراسان وأفغانستان وإيران ، خلال الفترة ما بين( 350 – 557 م ).

🚩 5▪︎ دولة الگوکتورك في آسيا الوسطى في الفترة ما بين (552 – 744م) .

🚩 6▪︎خانية الأيغور ، وامتدت حتى السهول جنوبي بحيرة بايكال في الفترة ما بين (744- 840م ).

🚩 7▪︎ دولة آوار في بلاد المحار ، تفككت خلال القرن التاسع الميلادي

🚩 8▪︎ دولة الخزر ، تأسست في القرن السابع في أوروبا الشرقية .

🚩 9▪︎ دولة القراخانيين في أواسط أسيا في الفترة ما بين (840- 1212م)

🚩 19▪︎ الدولة الغزنوية في بلاد الأفغان والهند ، وهي معاصرة لدولة القراخانيين .

🚩 11▪︎ دولة السلاجقة الكبري ، وسيطرت على شرق العالم الإسلامي في الفترة ما بين (1040- 1157 م)

🚩 12▪︎ دولة الخوارزمشاه ، وهي معاصرة للسلاجقة تأسست جنوبي بحيرة آرال ، وحكمت خلال الفترة ما بين (1097-1231م)

🚩 13▪︎ دولة التيموريين في المناطق الممتدة من بحر إيجه وحي وسط آسيا والمحيط الهندي في الفترة مابين (1370- 1507م).

🚩 14▪︎ دولة البابور في بلاد الهند خلال الفترة ما بين ( 1556- 1858م) .

🚩 15▪︎ خانية ألتون أوردو في المنطقة ما بين البحر الأسود وبحر الخزر في الفترة ما بين ( 1227- 1502م) .

🚩 16▪︎ الدولة العثمانية ، وهي دولة عالمية ، تأسست في سكود بالقرب من بورصه، وشملت مناطق شاسعة في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا ، ووصلت إلى أقصي اتساع لها في أوائل القرن السابع عشر الميلادي فشملت :
( الأناضول ، قفقاسيا ، القرم ، جنوب أوكرانيا ، المناطق التي تشملها اليوم دول رومانيا ، يوغسلافيا ، بلغاريا ، اليونان ، المجر سوريا ، الأردن ، لبنان ، فلسطين ، العراق ، المملكة العربية السعودية ، اليمن ، دول وإمارات الخليج العربي ، مصر ، تونس ، ليبيا ، الجزائر ، وجزر البحر المتوسط ) ،

و استمرت حتي سقطت عام 1922م . (*2)

نعود لإكمال تاريخ السلاجقة الذين مهدوا لمولد الدولة العثمانية و قد تكلمنا سابقا عن :
🔸أصل الأتراك وموطنهم

في منطقة ماوراء النهر والتى نسميها اليوم تركستان والتى تمتد من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقا الى بحر قزوين غربا، ومن سهول سيبيرا شمالاً الى شبه القارة الهندية وفارس جنوبا، استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أوالأتراك.

ثم تحركت هذه القبائل فى النصف الثانى من القرن السادس الميلادي،و بدأت في الإنتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى (الأناضول) في هجرات ضخمة .

وذكر المؤرخون مجموعة من الأسباب التى ساهت فى هجرتهم؛ فالبعضيرى أن ذلك بسبب عوامل اقتصادية ، فالجدب الشديد وكثرة النسل،جعلت هذه القبائل تضيق ذرعا بمواطنها الأصلية، فهاجرت بحثا عن الكلء والمراعي والعيش الرغيد. ..

🔸 قيام الدولة السلجوقية

أسس السلاجقة دولة تركية كبيرة ظهرت فى القرن الخامس للهجرة -الحادي عشر الميلادي، لتشمل خراسان وما وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى الأناضول.

وكانت مدينتا الري فى إيران ثم بغداد فى العراق مقرا للسلطنة السلجوقية، بينما قامت دويلات سلجوقية فى خراسان وما وراء النهر ( سلاجقة كرمان) وبلاد الشام (سلاجقة الشام) وآسيا الصغرى (سلاجقة الروم)،
وكانت تتبع السلطان السلجوقي في إيران والعراق .

وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية فى بغداد ونصروا مذهبها السنّي بعد أن أوشكت على الإنهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق ،والنفوذ العبيدي الفاطمي في مصر والشام .و قد وصل الأمر إلى خطف الخليفة العباسي و حبسه !!
فقضى السلاجقة على النفوذالبويهي تماما وتصدوا للخلافة العبيدية الفاطمية …

لقد استطاع طغرل بك الزعيم السلجوقي أن يسقط الدولة البويهية فى عام 447هـ في بغداد وأن يقضي على الفتنة .

ومنذ ذلك الحين حل السلاجقة محل البويهيين في السيطرة على الأمر فى بغداد .

وتوطيدا للروابط بي الخليفة العباسي القائم بأمر الله، وبين زعيم الدولة السلجوقية طغرلبك، فإن الخليفة تزوج من أبنة جفري بك الأخت الكبيرة لطغربك، وذلك ف عام 448هـ/1059م .. ثم في شعبان عام 454هـ/1062م تزوج طغربك من أبنة الخليفة العباسي القائم بالله .

🔸 السلطان ألب أرسلان (أي الأسد الشجاع)

تولى ألب أرسلان زمام السلطة فى البلاد بعد وفاة عمه طغرلبك، وكانت قد حدثت بعض المنازعات حول تولى السلطة ف البلد، لكن ألب أرسلان استطاع أن يتغلب عليها.

وقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسع خارجي.

وعندما أطمأن على استتباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة فى جميع الأقاليم والبلدان الخاضعة له، أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية العبيدية في مصر،وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنيّة ونفوذ السلاجقة … (*3)

فأعد جيشا كبيرا إتجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا، فافتتحها وضمها الى مملكته، كما عمل على نشر الاسلام فى تلك المناطق…. (*4)

وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية فى حلب، والتى أسسها صالح بن مرداس على الذهبى الشيعي سنة 414هـ/1023م

وأجبر أميرها محمود بن صالح بن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي بدلاً من الخليفة الفاطمي العبيدي سنة 462هـ/1070م … (*5)

ثم أرسل قائده التركي أتنسز بن أوق الوارزمي في حملة إلى جنوب الشام فأنتزع الرملة وبيت المقدس من يد الفاطميين العبيديين ولم يستطيع الإستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول الى مصر، وبذلك أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة الفاطمي العبيدي بالقاهرة … (*6)

وف سنة 462هـ ورد رسول أمير مكة محمد بن أبي هاشم الى السلطان ألب يخبره بأنه أقام الخطبة للخليفة القائم بالله العباسي وللسلطان السلجوقي ألب أرسلان وأنه أسقط خطبة صاحب مصر الخليفة الفاطمي العبيدي وترك الأذان بـحي على خير العمل فأعطاه السطان ثلاثين ألف دينار وقال له : إذا فعل أمير المدينة كذلك أعطيناه عشرين ألف دينار…..(*7)

🔸معركة ملاذ كرد الخالدة

وقد أغضبت فتوحات ألب أرسلان دومانوس ديوجينس إمبراطور الروم،( *رومانوس).

فصمم على القيام بحركة مضادة للدفاع عن إمبراطوريته. ودخلت قواته في مناوشات ومعارك عديدة مع قوات السلاجقة، وكان أهمها معركة ملاذكرد في عام 463هـ الموافق أغسطس عام 1070م…(*8)

قال ابن كثير مُتحدثًا عن هذه الوقعة: ……. (*9)

“وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، ومعه مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، …

وكان من عزمه قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله، وقد أقطع
بطارقته البلاد حتى بغداد، واستوصى نائبها بالخليفة خيرا، فقال له : ارفق بذلك الشيخ فانه صاحبنا،

ثم إذا استوثقت لهم ممالك العراق وخراسان مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة، فاستعادوه من أيدي المسلمين ، والقدر يقول: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون.”

كان عدد جيش المسلمين في هذا الحين قليل جدًا وخاصةً أمام هذا الكم الهائل من الجنود والعُدّة التي أعدها أرمانوس، ولم يكن هناك وقت كافي لطلب وإستدعاء ألب أرسلان لمدد من المناطق التابعة له، فأخذ قرار المباغتة -أي أن يحقق أي إنتصار خاطف يجعله قادرًا على المفاوضة وطلب الهُدنة من الإمبراطور البيزنطي-

وبدأ بتنفيذ هذا فهجم على مقدمة جيش الروم وحقق النصر الخاطف عليهم ثم ارتدّ سريعًا وبعث رسولًا يطلب الهُدنة، ولكن أرمانوس -الإمبراطور البيزنطي- رفض ذلك وقال: هيهات ! لا هدنةَ ولا رجوع إلاَّ بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم،

وجاء في رواية أخرى: الصلح لن يتمَّ إلاَّ في مدينة الري عاصمة السلاجقة. ويقصد بذلك أن يكون تم إنهاء دولة السلاجقة وقتل السلطان ألب أرسلان نفسه.

وهُنا أدرك ألب أرسلان أنه لا مفر من القتال والمواجهة، فتوجه إلى الله واحتسب نفسه عنده، فبثّ في جنوده روح الجهاد في سبيل الله، ولكنه مازال قلقًا من مواجهة جيش الروم الهائل بهذا الجيش القليل، فأخذ مشورة أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري، وعمل بها.

” فأشار عليه الفقيه… بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حي يكون الخطباء يدعون للمجاهدين ، فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان ، فنزل السطان عن فرسه وسجد لله عز وجل ، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله
واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم اكتافهم فقتلوا منهم خلقا كثيرا،

وأسر ملكهم ارمانوس، أسره غلام رومي، فلما أوقف بي يدي الملكألب أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال : لو ُ كنت أنا الأسير بين يديكماكنت تفعل؟ قال : كل قبيح، !

قال فما ظنك بي؟ فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلدك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني.

قال : ماعزمت على غير العفو والفداء. فأفتدى منه بألف ألف دينار وخسمائة ألف دينار.

فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض الى جهة الخليفة العباسي إجلالًا وإكراما، وأطلق له الملك عشرة ألاف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخا، وأرسل معه جيشا يخفرونه الى بلده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله،….”
.
لقد كان نصر ألب أرسلان بجيشه القليل على جيش الإمبراطور دومانوس الذي بلغ مائتي ألف، حدثا كبيرا، ونقطةتحول فى التاريخ الإسلامي فقد أدى إلى اضعاف نفوذ الروم في معظم أقاليم آسيا الصغرى، وهي المناطق المهمة التى هي من ركائز وأعمدة الإمباطورية البيزنطية.

وهذا ساعد تدريجيا في القضاء على الدولة البيزنطية على يد العثمانيين بعد قرنين من الزمان .

كما أن ملاذكرد كانت سببا رئيسيا لدعوة الكنيسة لكل أوربا للتجمع والهجوم على العالم الإسلامي بالحملات الصليبية فبدأت الحروب الصليبية بعد ذلك التاريخ ب 26 عاما فقط !

(☆)

(*1) تاريخ الإمبراطورية العثمانية Robert MANTRAN
HISTOIRE DE L’EMPIRE OTTOMAN
Publié avec le concours duCentre national des lettres FAYARD© Librairie Arthème Fayard 1989.
ترجمه إلى العربية بشير السباعي إنظر ج1 ص11 – 17

(*2) تاريخ الدولة العثمانية النشأة والازدهار ص 15-18
“وفق المصادر العثمانية المعاصرة والدراسات التركية الحديثة” دكتور/ سید محمد السيد محمود .أستاذ التاريخ والحضارة العثمانية المساعد كلية الآداب – جامعة الإسكندرية
الناشر مكتبة الأداب 42 ميدان الأوبرا ، القاهرة

(3) انظر: قيام الدولة العثمانية ، ص 20. (4)انظر: قيام الدولة العثمانية، ص 20.
(5) انظر: السلاطين في الشرق العربي ، د.عصام محمد ، ص 25. (6) انظر: مرآة الزمان لسبط بن الوزي، ص 161.
(7) انظر: أيعيد التاريخ نفسه، محمد العبده ، ص 68. (8)المصدر السابق نفسه، ص 20.
(*9) البداية والنهاية ابن كثير 12/108

(☆) الجزء الأخير : الدولة العثمانية عوامل النهوض و أسباب السقوط .. الفصل الأول د. علي الصلابي

التاريخ كما يجب ان يكون

التعليقات مغلقة.