الدولة المرداسية في حلب

الدولة المرداسية في حلب

الدولة المرداسية دويلة عربية شيعية في العصر العباسي المتأخر ؛ حلت محل الدولة الحمدانية بعد وفاة سيف الدولة الحمداني , ..

وقد أسس الدولة المرداسية صالح بن مرداس على المذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشري, تأسست في حلب عام 417هـ,

وقد حكمها ستة أمراء غير صالح بن مرداس, وهم: نصر بن صالح وثمال بن صالح ومحمود بن نصر بن صالح وعطية بن صالح ونصر بن محمود بن نصر بن صالح و سابق بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس.

كانت الدولة المرداسية في حلب, دولة حدودية تتوسط العباسيين والفاطميين والبيزنطيين, ولذلك فقد تأثرت كثيراً بكل ما كان يجري في تلك الفترة من أحداث, ووقائع وحروب.

أدت الدولة المرداسية دوراً مهماً في محاربة البيزنطيين في مراحل قوتها, ولكنها حينما دب الضعف فيها، وصار حكامها لا همٌ لهم إلا الحفاظ على ما تحت أيديهم, صارت تابعة لكل من أراد لها أن تتبعه, وصارت تدفع الإتاوات للبيزنطيين والفاطميين، ومن بعدهم للسلاجقة حتى قضوا عليها.

🔹️نسب المرداسيين وأماكن استقرارهم

المرداسيون من قبائل كلاب البدوية المنحدرة من عامر بن صعصعة من عرب الشمال، كانت مساكنهم في الجاهلية الربذة (في جهات المدينة المنورة) وفدك والعوالي،…

ثم هاجر قسم منهم، واستقر على شواطئ الفرات الشامية، وفي بدايات القرن الرابع الهجري = العاشر الميلادي، وصلت موجة جديدة من قبائل عامر بن صعصعة فيها بنو عقيل الذين سكنوا منطقة الموصل، وقشير التي توطنت حول قلعة جعبر التي كانت تدعى قديمًا قلعة دوسر، ونمير التي وصلت إلى منطقة حران والرها.

وكان نصيب الكلابيين الاستقرار في شمالي الشام، وقد تسببت هذه الهجرة البدوية الجديدة في كثير من الفوضى والدمار، ولكن سيف الدولة الحمداني أمير حلب (333 – 356هـ) استطاع أن يضبط قبائل كلاب ضبطًا شديدًا إلا أنه كان يداريهم في الوقت نفسه؛ لكي يستفيد من طاقاتهم الحربية في حروبه مع البيزنطيين.

تكوين الإمارة المرداسية

وصل المرداسيون إلى السلطة بفضل الظروف التي كان يعيشها العالم الإسلامي، فالتنافس بين الخلافة العباسية والدولة الفاطمية في السيطرة على بلاد الشام وسعي كل منهما لرشوة القبائل العربية البدوية؛ لتعمل على مناصرتها، وضعف الدولة الحمدانية بعد وفاة سيف الدولة، وعدم استقرار الحكم الفاطمي في بلاد الشام، إضافة إلى أن سوء سياسة الفاطميين المتمثلة في ضرب القبائل العربية بعضها ببعض، جعل هذه القبائل تعمل على تحقيق مكاسب لها.

🚩 صالح بن مرداس بن إدريس الكلابي

كان من بين الذين استغلوا هذه الأوضاع صالح بن مرداس بن إدريس الكلابي الذي نجح بتأسيس الدولة المرداسية في حلب (415 – 474هـ)، ويرد أول ذكر له عام 399هـ = 1008م حينما استولى على الرحبة؛ وكانت بلدًا ذا أهمية تجارية بسبب صلتها بين الشام والعراق والبادية، ومدّ صالح المرداسي بعد ذلك أنظاره إلى حلب سنة 400هـ؛ وكان يحكمها المملوك الحمداني منصور بن لؤلؤ (مرتضى الدولة).

ولكن أبا الهيجاء حفيد سيف الدولة تحداه، وأراد أن ينزع حلب منه بدعوة من أهالي حلب وبدعم من الدولة المروانية، وأدخل أبو الهيجاء الكلابيين في خدمته؛ إلا أنهم تحولوا عنه إلى ابن لؤلؤ الذي وعدهم بإقطاع من الأرض، وعندما طالب الكلابيون ابن لؤلؤ بما اتفقوا عليه أخذ يماطلهم ولجأ إلى الخديعة، فقتل بعضهم، وأوقع الباقين في الأسر، ومن بينهم صالح الذي ظل ثلاث سنوات حتى استطاع الهرب سنة 405هـ = 1014م.

وفي سنة 415هـ اتفق صالح بن مرداس مع القوى البدوية الأخرى في الشام على اقتسام البلاد؛ فتكون حلب والشمال لبني كلاب، ودمشق ووسط الشام لسنان بن عليان زعيم قبائل كلب، وفلسطين لحسان بن المفرج بن الجراح الطائي شيخ قبيلة طيء.

وإذا كان الفاطميون قد هزموا ابن الجراح في الجنوب، ولم يستطع ابن عليان أن يستقر في وسط الشام؛ فإن المرداسيين وحدهم استقروا في حلب بعد أن احتلوها، وأقاموا الحكم المرداسي فيها، وأخرجوا الفاطميين من منبج وغيرها في الشمال، ومن بعض مدن الوسط والساحل، حمص، وبعلبك، وصيدا، وحصن ابن عكار.

لم يهنأ ابن مرداس بانتصاره طويلًا؛ لأنه وجد نفسه بين دولتين شديدتي الرغبة في السيطرة على حلب؛ هما الدولة البيزنطية والدولة الفاطمية، وقد لقي ابن مرداس مصرعه وهو يقاتل الفاطميين مع حلفائه البدو عند طبرية بفلسطين سنة 420هـ = 1029م في معركة الأقحوانة.

🚩 نصر شبل الدولة المرداسي

وخسر المرداسيون أملاكهم في الشام، لكن حلب بقيت بيد أبناء صالح: نصر (شبل الدولة) في المدينة، وثمال (معز الدولة) في القلعة؛ إلا أن نصرًا تمكّن من استخلاص القلعة أيضًا من أخيه مستنجدًا بالبيزنطيين، ودفع لهم الجزية السنوية؛ ليضمن الحماية لنفسه بسبب خلافه مع أخيه ثمال ونزاعه مع الفاطميين؛ علمًا أنه اعترف بالتبعية للخليفة الفاطمي الظاهر (411 – 427هـ)، وتبادل معه الهدايا.

زنتيجة للوشايات والتنافس، دبّ الخلاف بين نصر من جهة، والدزبري أمير جيوش الفاطميين في الشام ووالي حمص من جهة أخرى، فجرت معركة قرب حماة (تل فاس)، قتل فيها نصر وهو يقاوم الفاطميين 429هـ / 1038م زمن المستنصر.

🚩 ثمال معز الدولة المرداسي

وجاء ثمال؛ ليسيطر على حلب التي أقرّه المستنصر عليها؛ إلا أن تسارع التطورات والأحداث التي حصلت في الشام، والتنافس بين الدزبري والوزير أبي القاسم الجرجرائي في البلاط الفاطمي، وحركة البساسيري في بغداد لم تعط لثمال فرصة الاستقرار في حلب، فقد عزل، وأعيد إلى حكمها أربع مرات حتى وفاته 454هـ = 1062م في عهد المستنصر، بعد أن سلّم السلطة لأخيه عطية الذي نازعه عليها ابن أخيه محمود بن نصر (رشيد الدولة).

🚩 محمود بن نصر رشيد الدولة المرداسي

بسبب الأزمة التي عاشتها الخلافة الفاطمية (457 – 463هـ / 1064 – 1070م)، وبسبب ازدياد قوة السلطان السلجوقي ألب أرسلان متولي أمور الخلافة العباسية؛ خاف محمود على سلطته، وتذبذب في ولائه بين الفاطميين والعباسيين؛ إلا أنه في النهاية أعلن الخطبة للخليفة العباسي القائم، وبدأ بتنفيذ أوامر ألب أرسلان في السيطرة على الشام إلى أن تُوفِّي 467هـ / 1075م.

🚩 نصر بن محمود جلال الدولة المرداسي

تولى بعده ابنه نصر بن محمود (جلال الدولة)، ولكنه قتل في العام التالي، وتنازع أخواه سابق ووثاب على الملك، فاستنجد وثاب بملكشاه السلجوقي الذي أرسل مسلم بن قريش العقيلي صاحب الموصل 471هـ / 1079م، حيث تمكن من السيطرة على حلب وإقامة إمارة العقيليين.

🔹️السياسة الخارجية للمرداسيين

لم يكن لدى المرداسيين على الأغلب سياسة خارجية ثابتة، ربما يكون سبب ذلك أن دولتهم قبلية حدودية، تحيط بها الأطماع الدولية، وهذا فرض عليها تركيز جهودها على تأمين مصالحها الخاصة لتوفير الاستمرار والاستقلال لنفسها، وعليه فقد كان لديهم ردات فعل تجاه الأحداث وقت وقوعها؛ كما كان هناك مواقف سياسية فردية ارتبطت بكل حاكم من الحكام.

فعلى الرغم من اعتناقهم المذهب الشيعي، كانوا يعترفون بالتبعية للفاطميين تارة، ويسعون لإرضاء البيزنطيين، ويدفعون لهم الجزية السنوية، ويعقدون معهم الصداقات تارة أخرى؛ علمًا أن كلًا من الفاطميين والبيزنطيين لم يوفروا الفرص التي تسمح لهم بالتخلي عنهم؛ وحتى غزوهم لقاء اعتبارات ومكاسب خاصة لمصالحهم، ولهذا كانوا ينحازون إلى السلاجقة، ويستنجدون بهم عندما ظهرت قوتهم على مسرح الأحداث.

🔹️ سقوط الدولة المرداسية

يعد القرن الخامس الهجري حقبة شهدت ذروة النشاط والقوة للمرداسيين (الكلابيين) وفي الوقت نفسه انهيارهم المفاجئ نتيجة لهجرة التركمان، الذين بدؤوا بعد وفاة ثمال بالانسياح في بلاد الشام، وتمكنوا من تدميرها، وسيطر الجيش الذي قاده ملكشاه عليها، وألحقها بالسلطة السلجوقية تحت إدارات لامركزية متعددة.

وكان من أسباب سقوط حكم الأسرة المرداسية أن بني كلاب كانوا لا يدينون لأمير منهم يجمع كلمتهم، وكان التمزق وضعف الروابط القبلية من سماتهم، ولو أنهم انقادوا لأمير منهم يجمع كلمتهم لم يبق لأحد من العرب بهم طاقة.

صورة حضارية

توحي النصوص بأن النشاط التجاري كان له أثر كبير في ازدهار حلب وثرائها، فقد كانت تمر بها التجارة من جميع الجهات وإليها، وضرب المرداسيون نقودًا خاصة بهم منذ حكم صالح بن مرداس.

كانت الدولة المرداسية دولة بدوية، لكنها طبعت بالمفهوم العربي البدوي للحكم، وقد عاش في ظل المرداسيين شعراء متميزون مثل: المعري وابن سنان الخفاجي وابن أبي حصينة وابن حيوس، ويبدو من المصادر أن المرأة المرداسية تمتعت عمومًا بقسط وافر من المساواة مع الرجل، وقد تميز العديد من النساء، وحظين بمكانة سامية.


المصدر: المرداسيون، الموسوعة العربية العالمية، المجلد الثامن عشر، ص354.

  • مراجع للاستزادة
  • ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري (دار الكتاب العربي، د.ت).
  • ابن العديم، زبدة الحلب من تاريخ حلب، تحقيق: سامي الدهان (دار سعد الدين، حلب 1427هـ/ 2006م).
  • ابن القلانسي، تاريخ دمشق، تحقيق: سهيل زكار (دار حسان، دمشق 1983م).
  • أمينة بيطار، موقف أمراء العرب في الشام والعراق من الفاطميين (القاهرة 1971).
  • سهيل زكار، إمارة حلب (دار الكتاب العربي، دمشق د.ت).

التعليقات مغلقة.