تاريخ الدولة البيزنطية

تاريخ الدولة البيزنطية

في الواقع يعنينا دراسة الدولة البيزنطية لشدة احتكاكها بمناطق العالم العربي والإسلامي في آسيا و إفريقيا قبل وبعد ظهور الإسلام ؛ و للصراع المستمر مع الدول الإسلامية المتعاقبة منذ القرن السابع الميلادي و حتى سقوطها على يد العثمانيين في القرن الخامس عشر .

الإمبراطورية البيزنطية أو الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو بيزنطة دولة مسيحية امتدّت من العصور القديمة المتأخرة وحتى نهاية العصور الوسطى وتمركزت في العاصمة القسطنطينية التى أنشأها قسطنطين الأكبر مكان المدينة القديمة التى كانت تعرف ببيزنطة وأطلق عليها بداية روما الجديدة .

عرفها سكانها وجيرانها باسم الإمبراطورية الرومانية ، وكانت استمرارًا مباشرًا للإمبراطورية الرومانية القديمة في روما وحافظت على تقاليدها .

نشأت الإمبراطورية البيزنطية نتيجة انقسام الإمبراطورية الرومانية القديمة ، إلى قسم شرقي عاصمته القسطنطينية و قسم غربي في روما .

وفي حين سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس، استمرّت الدولة البيزنطية لأكثر من ألف سنة أخرى حتى سقطت بيد الدولة العثمانية عام 1453م.

والواقع أن التاريخ البيزنطى ليس إلا مرحلة جديدة من التاريخ الروماني ،كما أن الدولة البيزنطية ليست إلا امتدادا للإمبراطورية الرومانية ، ولم تكن لفظة “بيزنطی” ، إلا تعبيرا أو مصطلحا جرى إطلاقه حديثا ، ولم يكن معروفا عند الذين نسميهم بيزنطيين ، إذ أن هؤلاء كانوا ينعتون أنفسهم
بأنهم : رومان ، واعتبر الإمبراطور نفسه حاكما رومانيا ، وخليفة القياصرة الرومان ووريثهم في ملكهم ، وظل البيزنطيون بحرصون على الاحتفاظ باسم روما، طالما عاشت إمبراطوريتهم .

ونظرا لأن الدولة البيزنطية اعتبرت نفسها وارثة الإمبراطورية الرومانية ،فإنها كانت تأمل في أن تكون الإمبراطورية الوحيدة ، فزعمت لنفسها السيطرة على جميع ما كان يخضع للإمبراطورية الرومانية من أملاك ،وأضحت تؤلف شطرا من العالم المسيحي .

وعلى الرغم من أن هذا الزعم لا يتفق مع الواقع ، فإن ما أقامه المتبربرون من ممالك على أنقاض الإمبراطورية الرومانية الغربية ، لا تعتبر مساوية في المكانة للإمبراطورية البيزنطية .

وترتب على ذلك ؛ أن أضحي حاكم بيزنطة ، إمبراطورا رومانيا ، وزعيما للعالم المسيحي .

وفي أوائل العصر البيزنطي ، تركزت السياسة الإمبراطورية ،
في محاولة المحافظة على السيادة المباشرة على أملاك الدولة الرومانية ، ثم تطورت هذه السياسة في الفترتين المتوسطة والمتأخرة من العصر البيزنطي ، فأضحى اهتمامها موجها إلى الاحتفاظ بالسيادة الاسمية .

و مهما حرصت الدولة البيزنطية على صلتها بروما القديمة ، وازداد تعلقها بالتراث الروماني ، فالواقع أن الدولة البيزنطية أخذت تبتعد بالتدريج ، وبمضى الزمن ، عما كان للعالم الروماني من خصائص ومميزات .

إذ تغلبت في الدولة البيزنطية الحضارة و اللغة اليونانية ، وازداد تأثير الكنيسة اليونانية في الحياةالبيزنطية . وما حدث من تطور اقتصادی و اجتماعی و سیاسی ، أدى إلى ظهور بناء إقتصادی اجتماعی جدید .

🔹️ الإمبراطورية الرومانية القديمة

ينقسم تاريخ روما القديم إلى ثلاثة عصور تقليدية هي:
1▪︎- العصر الملكي ويشمل الفترة الأولى منذ 753 ق.م حتى عام 509 ق.م

2▪︎- العصر الجمهوری Respublica : وهو يستمر منذ قيام الجمهورية عام 509 ق.م حتى عام 44 ق.م وهو تاريخ اغتيال يوليوس قيصر آخر زعماء الجمهورية الرومانية .

3▪︎- العصر الإمبراطوري، وقد استمرت الجمهورية الرومانية نحو خمسة قرون، انتهت بسلسلة من الصراعات الحزبية والحروب الأهلية حتى وضع اوكتافيانوس حدا لها في عام 27ق.م وذلك باستحداث نظام دستوری وسیاسی جدید عرف بالنظام الرئاسي حيث استمرار الأنتخابات لجميع مناصب الحكم والابقاء على المجالس التشريعية

إلا أنه اتخذ لنفسه منصبا جديدا يبعد تماما عن الهيكل الجمهوري، وهو منصب المواطن الأول أو رئيس الدولة Princeps Civitatis ولذا فقد اصطلح على تسمية نظام اوكتافيانوس بالنظام الرئاسي .

  • وفي واقع الأمر أصبح اوكتافيانوس – الذي لقب بأوغسطس Augustus فيما بعد – هو الحاكم الفعلي المنصرف في شئون الدولة وجمع في يده كل سلطة سياسية وقضائية وعسكرية ، ونظرا لأن سلطة القيادة العسكرية المطلقة Imperator أصبحت أهم صفة ملازمة لشخصية رئيس الدولة، فقد غلب على المؤرخين تسمية هذا العصر الذي بدأه أغسطس بأسم الإمبراطورية الرومانية.. وقد استمر النظام الإمبراطوري منذ 17 ق.م حتى سقوط مدينة روما.في القرن الخامس أمام غزوات القبائل المتبربرة في الغرب، في حين استمرت الإمبراطورية الرومانية في الشرق في مدينة القسطنطينية التي بدأ سلطانها يتقلص عن معظم أملاكها في الشرق مع قيام الدولة العربية الاسلامية في القرن السابع الميلادي .

وتقسم إلى مرحلتين :
▪︎ الأولى من سنة 17 ق.م إلى سنة 284م التي تولى فيها الإمبراطور دقلديانوس .

▪︎ والثانية من 284م بداية حكم دقلديانوس (*أو 324م بداية حكم قسطنطين واعلان المسيحية دينا رسميا للدولة) إلى 1453م عام سقوطها

🔹️ قبل ظهور الدولة البيزنطية بقليل

اختلف الباحثون في تحديد سنة معينة لظهور الدولة البيزنطية فقد اشار الأستاذ أوستروجورسکی Ostrogersky … الى الرأي القائل بأن مفاهیم الرومان السياسية والثقافة اليونانية والديانة المسيحية كانت العوامل الرئيسية التي حددت نمو الصفة البيزنطية وتطورها ، وأن اقتران الثقافة الهلنستية بالديانة المسيحية داخل اطار الامبراطورية الرومانية هو الذي أدى إلى ما تعرفه باسم الدولة البيزنطية ،…

وأضاف الى ذلك أن هذا التطور حدث نتيجة زيادة اهتمام الامبراطورية الرومانية بالشرق بسبب أزمة القرن الثالث الميلادي ، وكان أول مظاهر هذا الاهتمام هو الاعتراف بالمسيحية ، وتشييد عاصمة جديدة على البوسفور ، وأن
هذين الحدثين انتصار المسيحية وانتقال المركز السياسي للامبراطورية الرومانية الى الشرق الهلنستي ، يمثلان بداية العصر البيزنطي .

وأتخذ الأستاذ فازیلیف Vasiliev في كتابه تاریخ الامبراطورية البيزنطية ، والأستاذة هسي Hussey في كتابها العالم البيزنطي؛ اتخذا سنة 324 م باعتبارها السيئة التي بدأت فيها الدولة البيزنطية تأخذ طابعها الخاص .

ومن المعروف أنه في تلك السنة بالذات انفرد قسطنطين الكبير بحكم الامبراطورية الرومانية ، وفيها اختار مكان مستوطنة بيزنطة اليونانية على البوسفور مركزا لتأسيس عاصمة جديدة للامبراطورية في الشرق •

ومن المعروف أن الامبراطورية الرومانية بلغت الذروة في القرن الثاني الميلادي عندما أصبح البحر المتوسط بحيرة رومانية . غير أن هذه الامبراطورية واجهت في القرن الثالث الميلادي ثلاث أزمات تمخض عنها ظهور (الدولةالبيزنطية) أو (الأمبراطورية الرومانية الشرقية) ، أو (دولة الروم) ..

وهذه الأزمات هي
▪︎- عدم الاستقرار السياسي والاضطراب الاقتصادي الذي
تعرضت له الامبراطورية الرومانية .
▪︎- غارات القبائل الجرمانية والفرس •
▪︎ – قصور الوثنية وعدم قدرتها على ملء حاجات الناس النفسية وغيرها .

وخلال القرن الثالث وفي خضم تلك الأزمات فقدت الامبراطورية الرومانية مظهرها وطابعها اللاتيني الوثنى ، وبدأت بالتدريج تأخذ شكلا يونانيا مسيحيا •

ولاشك أن عدم الاستقرار السياسي وما واكبه من مثالب النظمالاجتماعية للامبراطورية ومؤسساتها الثقافية ، أضعف الإمبراطوريةوهددها وعرضها للدمار . فقد بدأ عدم الاستقرار السياسي منذ مقتل الإمبراطور کاراجلا سنة 217م عندما بدأت سلسلة من الاغتيالات ، فلم يعد هناك نظام معين لاختيار الأباطرة ، ولم يعد لمجلس الستاتو أي دور في ذلك ،

ولعب قادة الفرق العسكرية في ولايات الامبراطورية دورا كبيرا في تعيين وعزل الأباطرة ، فشاعت بذلك الحروب الأهلية .

والمتتبع لتاريخ الامبراطورية الرومانية خلال الخمسين سنة
السابقة لحكم الامبراطور دقلديانوس ، أي خلال الفترة ما بين سنتی( 235م-285م) يلاحظ أنه أدعى عرش الامبراطورية اكثر من ستةوعشرين امبراطورا ، أغتيل معظمهم قبل الوصول الى العرش .

وكان المنهزمون من هؤلاء الأدعياء يلقبون (طغاة) والمنتصرون يلقبون (أباطرة) وكان المنتصر دائما يستأصل معارضيه ومناوئيه ، كما كان معظم.المتنازعين للوصول الى عرش الامبراطورية من خيرة القادة العسكريين وأكفئهم •

وأدى عدم الاستقرار السياسي وكثرة الحروب الداخلية واغارات قبائل الجرمان والهون الى اضرار خطيرة ومدمرة للأحوال والنظلم الاقتصادية للإمبراطورية الرومانية ..

،فقد عانت الإمبراطورية في القرن الثالث من فقدان التوازن التجاري مع السعر ، وقلة التحميلات الضرائبية ، وزيادة نفقات الدولة ، وانتشار الأوبئة والطواعين نتيجةالفقر والضعف وسوء التغذية ، مما أدى الى قلة عدد السكان ونقص.القوى البشرية خاصة مجال الزراعة ..

واضطر الأباطرة الى غش العملات النقدية بزيادة نسبة النحاس والمعادن الرخيصة الأخرى ،فانخفضت قيمة العملات واختفت العملات الذهبية ، وحلت العملات.النحاسية بدلا من الفضية ، فارتفعت الأسعار ، واهتزت الثقة في العملة
الرومانية، وأدى هذا كله الى تضخم نقدي ، وبدأ أفراد المجتمع يعتمدون اعتمادا كبيرا على نظام المقايضة نتيجة غش وتزييف العملات النقدية •

وفي القرن الثالث نما أيضا نظام الضياع الكبيرة (Latitundium) في أنحاء الامبراطورية ، وهو نظام اعتمد في الدرجة الأولى على(العبيد)المعدمين وكان ذلك على حساب صغار الملاك الذين تصرفوا – لكثرة الأعباء الضرائبية – في ملكيتهم الصغيرة بالرهن والبيع لأصحاب الضياع الكبيرة ، وخضعوا لهم مما أدى إلى اختفاء الطبقةالوسطى.البورجوازية، وأصبحت هناك مساحات من الأراضي غير صالحة للزراعة بعد أن هجرها أصحابها إلى مناطق القلاع والحصون طلبا للحماية ۰

أما عن اغارات القبائل الجرمانية فقد توغلت هذه القبائل في
أوروبا داخل خطوط دفاع الإمبراطورية الرومانية على طول نهری الراين و الدانوب ، وتحدث المؤرخ تاکیتوس Tacitus في كتابه الشهير جرمانيا Germani وهي قبائل وشعوب كثيرة لا حصر لها ، ذكر تاكیتوس عددا كبيرا من أسمائها ، كان موطنها الأصلي البلاد المحيطة بالبحر البلطى(البلطيق) ، وكانت بلادهم كئيبة بالغة القسوة ، مليئة بالغابات والأحراش والمستنقعات .

وكان الجرمان يسكنون في أكواخ مشيدة من الأغصان والطمي ويفضلون الحرب والقتال على زراعة الأرض . واذا لم يشغلوا في أعمال حربيةانصرفوا الى الصيد والراحة والدعة وموائد الخمر ، تاركين مسئوليةالمنزل والأرض الى النساء وكبار السن ، أما المحاربون فيركنون الى الاسترخاء والبطالة •

وانتهزت القبائل الجرمانية ما حل بالامبراطورية الرومانية من
انهيار وضعف ، وتحركت جنوبا في المناطق الواقعة بين نهري الألب والراين ، وأصبح نهر الراين منذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد نقطة حدود طبيعية تفصل بين الجرمان البرابرة وبين العالم الروماني .

وفي عهد الإمبراطور اليكساندر سيفيروس (222م – 235م) أغار الجرمان في أعداد قليلة على أقاليم الإمبراطورية على طول نهری الراين والدانوب في بداية الأمر ، ثم زادت أعدادهم بنسبة كبيرة في منتصف القرن الثالث الميلادي .

وفي سنة 256 م عبر الفرنجة Franks نهر الراين الأدنی و عبرت قبائل الألمان Alemanni نهر الراين في الجنوب ووصلوا حتى شمال إيطاليا قبل أن تستطيع قوات الامبراطورية الوقوف أمام هذا الغزو ،

وكان القوط Goths أقوي القبائل الجرمانية قد قتلوا سنة 251م الإمبراطور دکوس Decaus ، وتوسعوا في قلب البلقان ، وأغاروا على سواحل بحر مرمرة وبحر ايجه و البحر الأسود .

ورغم أن الامبراطور كاوديوس القوطی Caudius Gothieus (270-268م) نجح في ايقاف اغارات القوط جنوب الدانوب ، وذلك عن طريق مسالمة بعض القبائل القوطية واستخدامها في خدمة الامبراطورية ، واستيطانها في الأراضي المهجورة عند أطراف الامبراطورية ،

إلا أن الامبراطور أورليان Aurlian سحب سنة 270م
آخر فرقة رومانية من ولاية داكيا Dacia وذلك بعد أن أدرك هذا الامبراطور أنه لا فائدة من الاحتفاظ بهذه الولاية لضعف تحصيناتها وكثرة نفقات حمايتها ، واستولى القوط على ما وراء ذاك ۰

وتعرضت الإمبراطورية الرومانية لخطر جديد من الشرق ، فدولة.البارثيين أو الدولة الإشكانية التي نشأت على أنقاض مملكة السلوقيين،انقسمت الى دويلات منفصلة ،

ونشأت في جنوب بلاد فارس أسرة من عبدة النار هزمت في 224-226م ارتابانوس الخامس ۷ Artabianus
( أردوان الخامس ) كبير ملوك الأشكانيين وقضت على دولتهم .

وفي سنة 226م توج أردشير الأول Arduislie – من أسرة ساسان – شاهنشاه وقامت الدولة الساسانية في بلاد الفرس ، ورغب ملوك الساسانيين في إحياء الامبراطورية الشرقية (الفارسية)التي قضى عليها الإسكندر الأكبر وقادته ..

وادعى الساسانيون بأحقيتهم في الاستيلاء على مصر و آسيا الصغرى – واصطدمت جيوش الدولة الساسانية بالرومان عند أطراف أقاليم نهري دجلة والفرات والشام وأرمينية ، وفي سنة 290م و هزم شابورالأول ” shupur l ” الجيوش الرومانية وأسر الامبراطور فاليريان Valerian .

وهكذا انتهز الجرمان والفرس فرصة ضعف الإمبراطورية الرومانية وأزمتها في القرن الثالث الميلادي وقاموا باغارات مستمرة على أطرافها .

وفي وسط تلك الأزمات الطاغية التي واجهت الامبراطورية في القرن الثالث وجد الرومان أن الوثنية لم تحقق لهم الا القليل من الراحة والأمان والطمأنينة .

وتطلع سكان الأمبراطورية الى الديانات الشرقية لما تمنحه للإنسان من قوى روحية وراحة نفسية وجزاء في الحياة الأخرى ، وساد الامبراطورية صراع نفسي نتيجة للافلاس
الروحي والفكري ، يضاف إلى ذلك أن الديانات الشرقية نافست.الوثنية ليس فقط في النواحي الروحية والدينية، وانما في المستوى.العالي لطقوسها أيضا .

وبالتالي انتشرت في انحاء الامبراطورية في القرن الثالث، دیانات مثل مثراس الفارسية Mihra وسیبل Cybele
والمسيحية واليهودية و إيزيس وأوزریس .

وبالتالي يوضح أنتصار المسيحية في القرن الرابع ظاهرة انتشار مثل هذه الديانات الشرقية في القرن الثالث ووقوف المثقفين المسيحيين في وجه الديانات المنافسة للمسيحية ۰

🚩 الإمبراطور دقلديانوس 284-305 م

وفي تلك الأوقات الصعبة التي مرت بالامبراطورية الرومانية
في القرن الثالث ، وفي ذروة عملية المخاض التي انتهت بظهور الدولةالبيزنطية تولى عرش الامبراطورية دقلديانوس Deocletian الذي عرف كإداری قدير أكثر من جندی شجاع .

وتدرج دقلديانوس في عدة مناصب ادارية من القاعدة حتى القمة رغم أنه كان ريفي الأصل من أقليم إيليريا المطل على البحر الأدرياتي ، وشاهد دقلديانوس المشكلات والأزمات التي أخذت تنخر في عظام الإمبراطورية في القرن الثالث ، وازداد خېرة لتوليه وظائف متعددة أهلته ليصبح من المصلحين الناجحين ..

ما أن توای دقلديانوس عرش الامبراطوريةسنة 284م إلا وأدرك أن هذه الامبراطورية العظيمة التي تعاني من.مشکلات داخلية و غزوات الفرس والجرمان لا يمكن أدارتها بواسطة حاكم واحد وبوسائل إدارية تقليدية ، لهذا أخذ على عاتقه ، القيام باصلاحات تميزت بإقامة سلطة مركزية حازمة مع فصل تام بین السلطتين المدنية والعسكرية .

وفي سنة 284م بدأ دقلديانوس أصلاحه الاداري بأن جعل السلطة العليا في الامبراطورية في يد أمبراطورين كل منهما بلقب بلقب أغسطس Augustus يحكم أحدهما الشطر الشرقي من الإمبراطورية ويقوم الآخر بحكم الشطر الغربي منها .

وفي سنة 293م قرر دقلديانوس أن يعين مساعدا لكل من الامبراطورين ويكون نائبا عنه واتخذ له لقب قيصرCaesar
يحل محل الأغسطس بعد وفاته أو أستعفائه ..

واستقر دقلديانوس في الولايات الآسيوية ومصر وجعل مدينة نيقوميديا مركزا له ، وعين رفيق سلاح قديم له إسمه ماکسیمیان Maximian أغسطس على الغرب يحكم ايطاليا وافريقية وأسبانيا ومقره مدينة ميلان .

أما القيصران الذين عينهما نائبين هما :
1▪︎ جاليريوس الذي حكم شبه جزيرة البلقان وولايات
الدانوب المجاورة، ومركزه مدينة صارمیوم Sirinium
وهو قیصر لدقلديانوس نفسه ،

2▪︎ قسطنطينوس خلوروس والد قسطنطين الكبير الذي حكم غاليا(فرنسا وما حولها) وبريطانيا ومركزه في مدينة تریفیس Treves ومدينة يورك York وكان قیصرا لماكسيميان .

ويلاحظ أن الغرض الأساسي مما قام به دقلديانوس هو منع قيام الجند بتنصيب الأباطرة وعزلهم ، واعتبر هؤلاء الحكام الأربعة أنهم يحكمون امبراطورية رومانية واحدة غير منقسمة ، وكل المراسيم و الأوامر القرارات الامبراطورية تصدر بأسماء الأربعة ،

وتجدر الإشارة إلى أن الامبراطورية أدركت ضمنيا – وقتذاك – بوادر الاختلاف بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني ، وأن ادارة الامبراطورية.لا يمكن أن تتم بواسطة حاكم واحد.

وحقق هذا الإصلاح الاداري في عصر دقلديانوس النجاح ، وأمد الامبراطورية بحكومة قوية استطاعت أن تقف في وجه الغزوات الخارجية ضد الامبراطورية ، ولكن الى حين .

وقام دقلديانوس – بالفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية بأن قام بحرمان حكام الولايات من السجلات العسكرية ومن قيادة الجيوش داخل ولاياتهم مما أدى الى زيادة سلطة الحكومة المركزية .

وأبعد أعضاء مجلس السناتو( الشيوخ ) من النبلاء عن تولى وظائف كبيرة في الجيش ، وعين في الوظائف العسكرية رجالا من الفرسان أي من الطبقة الوسطى الذين أهلتهم كفاءاتهم لتولي هذه المناصب

أما عن مشكلة الدفاع عن الامبراطورية ضد أغارات الفرس
والجرمان فقد قام دقلديانوس باتخاذ اجراءات عسكرية هامة اذ أنه قام باصلاح قلاع الحدود القديمة ، وشيد تلاعا جديدة ، وأصلح اسوار المدن ، وحشد فرقة عسكرية جديدة للدفاع عن الامبراطورية وحماية سلطة الأمبراطور من الطغاة المغتصبين سميت باسم قوات رفاق الامبراطور أو الحرس الخاص Comitatetimes .

وجهز دقلديانوس جيشا آخر لحماية حدود الإمبراطورية سمي باسم حرس الحدود Limilanet ليرابط على الراين و الدانوب و الفرات .

وتم توزيع الأراضي الواقعة عند حدي طورية على حرس الحدود لزراعتها مقابل الخدمة الحربية والدفاع عنها ، فتكونت طبقة الجند المزارعين التي لعبت دورا هاما في تاريخ الدولة البيزنطية .

ولما كانت هذه الاجراءات غير كافية لمواجهة غارات الجرمان ، جهز دقلدیانوس جيوشا ميدانية خفيفة متحركة. tail lations ترابط في قلب الولايات في المدن الهامة ، ومنها تنتقل بسرعة الي ميادين القتال ، ولم تعد للفرقة
القديمة الثقيلة المسماه Legio قيمة كبيرة ،

ورابطت هذه الجيوش الخفيفة في آسيا الصغرى ووسط البلقان لحماية ولايات الامبراطورية من غارات البرابرة اذا اخترقوا الحدود ، وفي عاصمة الامبراطوريةأضيفت قوات جديدة الى القوات التي تصاحب الامبراطور •

غير أن أصلاحات دقلديانوس وزيادة أعداد العسكريين والمدنيين أدت الى زيادة كبيرة في نفقات الدولة ، فاعادة تنظيم وادارة ولايات الامبراطورية زاد من عدد كبار الموظفين ذوي الرواتب الكبيرة مما أرهق الدولة ، ولم تغض هذه الاصلاحات على مشكلة غش العملات النقدية وزيادة التضخم النقدي وزيادة الأسعار ونفقات المعيشة .

وتدل لائحة الأسعار التي صدرت سنة 301م على مدى اهتمام الحكومة بهذه المشكلات الاقتصادية ، وكذلك على فشلها في وضع حد لزيادة نفقات المعيشة ، واحتوت لائحة الأسعار مذه على أسعار السلع المختلفة مثل القمح والشعير و اللحوم والخضروات والفواكه المختلفة والسمك وأنواع
المنسوجات وأدوات الكتابة وخلافه فضلا عن أجور الحرفيين .

وتم تنفذ هذه اللائحة بكل دقة ، لأن الدولة لم تكن المنتجة للسلع حتى تستطيع التحكم في أسعارها ومصادر انتاجها بالاضافة إلى التغيير الذي حدث لقيمة النقود . ..

وعندها تأكد دقلديانوس من الأم متحصلات الضرائب النقدية الواردة لخزانة الامبراطورية ، أعاد فرض الضريبة القديمة التي كانت تجبی نوعا من الضرائب تسمى Amnona أي ضريبة القمح . وأصبحت هذه الضريبة تجبى على شكل محصولات زراعية أو منتجات حيوانية .

وقد قصدت الدولة باعادة هذه الضريبة القديمة القضاء على غش العملات النقدية وتثبيت الأسعار، وضمان التصاق المزارعين بالأراضي لزراعتها .

وحرص الإمبراطور على ضرورة تقدير ضريبة الأراضي الزراعيةوتحديد أنواع المحاصيل وساعد ذلك الحكومة على تقدير ميزانية سنوية معتمدة على الانتاج الزراعي للامبراطورية .

أما التجار والحرفيون في المدن لم يدفعوا ضريبة الأنونا ، بل كانوا يدفعون ضريبة نقدية كل خمس سنوات عرفت باسم Chrysargyron .

ولم يستطع دقلديانوس – الذي ظل وثنيا – أن يحل مشكلة
قصور الوثنية وما تبع ذلك من عدم شغل الحاجات النفسية لسكان الإمبراطورية .

ومنذ نهاية القرن الأول الميلادي وحتي اعتراف قسطنطين الكبير بالمسيحية كان الموت ينتظر كل من اعتنق المسيحية .

ورغم هذا التهديد الا أن المسيحية انتشرت بين طبقات المجتمع ووجد بعض الأباطرة في المسيحية خطرا يهدد كيان الامبراطورية ، وعملوا على طمس معالم المسيحية
واستئصالها والقضاء على أتباعها قبل أن تتأصل جذورها في الأرض وبدات بسلسلة من الاضطهادات ضد المسيحيين ..

أما الأمبراطور دقلديانوس فقد حرص في معظم سنوات حكمه على اتباع سياسة تسامح ديني مع المسيحيين . وكان القيصر Galerius جالريوس نائب دقلديانوس في الشرق — معارضا – للمسيحية ومن ألد أعدائها ، وبذل جهده لدفع دقلديانوس على اضطهاد المسيحيين .

وفيما بين سنتی 302-303م أصدر دقلديانوس وجالريوس أربعة مراسيم تحث على اضطهاد المسيحيين ، بما في ذلك حرق الأناجيل والكتب الدينية ، ومنع المسيحيين من التجمع ، وتحريم القيام بأی صلوات أو طقوس دينية و اعتبارهم خارجين عن القانون ، وقتل كل الرجال والنساء والأولاد الذين رفضوا تقديم القرابين للآلهة الوثنية .

وكان وقع الاضطهاد شديدا على الأقباط في مصر لدرجة
أنهم اتخذوا من سنة 284 م ، وهو تاريخ تولية دقلديانوس الحکم ، بداية للتقويم القبطی •

المنشور خاص بجواهر صفحة (التاريخ) #بيزنطة_جواهر

المصادر :
*الدولة البيزنطية د. السيد الباز العريني

  • الإمبراطورية الرومانية من النشأة إلى الإنهيار د. حسين أحمد الشيخ
  • دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية د. حسين محمد ربيع
  • الإمبراطورية البيزنطية و حضارتها د. محمود سعيد عمران
    *الإمبراطورية البيزنطية نورمان بينز تعريب د.حسين مؤنس ود محمود يوسف زايد
    *الحضارة البيزنطية رنسيمان ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد

التعليقات مغلقة.