تملك النساء أعصاباً أقوى من الرجال بكثير

أعتقد أن النساء أقوى أعصاباً من الرجال وأشد بأساً. هذه حقيقة يحاول الرجال تجاهلها، لكنها تطفو على السطح بلا توقف، وقد رأيت مشاجرات كثيرة، يكون فيها الرجال أقرب إلى التسامح والهدوء، لكن النساء هن من يشعلن الموقف.. يقمن بالتسخين بطريقة (كيف تسمح له بأن يقول كذا؟) أو تشتم الطرف الآخر فيشتمها .. هكذا تشتعل دماء زوجها، وهكذا تقف المرأة تراقب في استمتاع الدماء وهي تتطاير، ولا بأس بصرخة هستيرية من حين لآخر حتى لا ننسى أنها أنثى رقيقة ..

أعصاب المرأة قوية في أمور عديدة، لكن الموقف الذي يجمد الدم في عروق معظم الرجال ولا يجسرون على تصوره هو عملية الشراء .. لا أعتقد أن عنترة بن شداد الذي صارع الأسود في الوديان المقفرة بيده العارية، كان يجسر على القيام بهذا النشاط الأنثوي المعتاد: الدخول إلى محل لمشاهدة كل شيء واستعراض كل شيء والسؤال عن كل شيء، بينما هو لا ينوي الشراء وجيبه خاو تماماً.

رأيت الكثيرات يفعلن هذا العمل البطولي، بينما أعترف لك بأنني اشتريت أشياء كثيرة جدًا في حياتي لمجرد أنني خجلت من البائع. يحكي أنيس منصور في كتاب (200 يوم حول العالم) أنه كان في سنغافورة يستمتع بمشاهدة التنسيق البديع في محل للخضراوات والفاكهة، هنا اقتنصه بائع .. ووجد أنيس نفسه يغادر المحل وهو يحمل ثياباً داخلية باعها له الرجل دون أن يطلبها منه، ولا يعرف سبب وجودها في محل للفاكهة!

كلما تقدمت السيدة في السن ازدادت ثبات أعصاب ولم تعد تشعر بالحرج على الإطلاق. عرفت سيدة من هذا الطراز تذهب لشراء شيء .. تعرف أن ثمنه مئة جنيه … أقول لها وأنا أهرع خارجاً من باب المتجر:

ـ «انتهى الأمر .. هيا بنا ..»

فمهما خفضت السعر سيظل عالياً ..

لكنها تقف في ثبات وتنظر لي منذرة كي أصمت .. هذه معركتها وقد احتشد الأدرينالين في دمها حتى ليوشك على أن يسيل من أنفها.

تقول للبائع في ثبات:

ـ «عشرون جنيهاً!»

أوشك على الفرار لكنها تطبق على معصمي بقوة .. انتظر ولا تكن رعديداً .. البائع يضحك في سخرية ويقسم بقبر أمه أن ثمن هذا الشيء 85 جنيهاً .. مكسبه خمسة جنيهات لا أكثر .. لكنها تبدو مصممة، وفي النهاية تقترح ثلاثين جنيهاً ..

يدور الفصال المرهق الذي يستمر ساعات عدة .. البائع يقسم بقبر أمه ألف مرة .. صحيح أن السيدة المسنة الجالسة هناك هي أمه، لكنك تقبل هذا باعتباره من آليات التسويق..

في النهاية تظفر السيدة التي أرافقها بسعر لا يوصف .. أربعون جنيهاً … لكنها غير راضية .. تشعر بحسرة لأن هذا يعني أنه كان بوسعها أن تصل لسعر أقل ..

أربعون جنيهاً … هذا نصر مؤزر ..

تخرج من حقيبتها عشرين جنيهاً وتؤكد:

ـ «ليس معي سوى هذه .. يمكنك أن تعوضها في المرة القادمة ..»

لكن البائع يكون قد بلغ درجة البله المغولي .. لا يعرف ما يقول ولا ما يشعر به. يريد الخلاص منها بأي ثمن لذا يوافق .. هنا تناوله المال وتطلب منه:

ـ «سأقترض منك خمسة جنيهات لأنك لم تترك لي نقوداً أعود بها لداري»

أمد يدي لجيبي لكنها تباغتني بنظرة مرعبة .. لا تفسد كل شيء علي .. يا لك من غبي ..

يناولها البائع خمسة جنيهات وهو زائغ العينين لا يعرف ما يدور من حوله، فلو طلبت منه مفاتيح بيته أو رقم حسابه في المصرف لأعطاها بكل سرور .. الحياة بالنسبة له تنقسم إلى ما قبل لقاء هذه السيدة وهو مرحلة سعيدة، وما بعد لقائها وهو جحيم ..

في النهاية نغادر المتجر حاملين الشيء الذي كان سعره مئة جنيه فصار خمسة عشر .. تقول لي في حسرة:

ـ«ربما لو بذلت مجهوداً أكبر لصار بعشرة جنيهات»

ـ «لو بذلت مجهوداً أكبر لأعطانا البائع مالاً أو أهدانا المتجر كله ليتخلص منا»

ـ «لا أحب أن يخدعني أحد»

ولأنها لا تحب أن يخدعها أحد فهي تحطم أعصاب الباعة وعقولهم في كل مكان. كما قلت لك تملك النساء أعصاباً أقوى من الرجال بكثير، ولا يمكن أن نحلم أن نكون مثلهن تحت أي ظروف.
__

أحمد خالد توفيق

التعليقات مغلقة.