- ” ثم صارت هناك ظاهرة فريدة هي أن كل شاب صار أديبا.. كلما قابلت أحدهم قال لي :
ـ « ”ألم تعرف أن مجموعتي القصصية الجديدة ستصدر قريبا ؟ »
وأنظر للشاب فأجد أن سنه لا تتجاوز الثالثة والعشرين، وهذا لا يعني شيئا بالطبع لأن الموهبة لا سن لها، وموتسارت كتب أولى سيمفونياته في سن السادسة، لكن الكتابة الأدبية نشاط بشري يختلف، لأنه يحتاج إلى أن – تصور هذا – تقرأ كثيرا جدا، وأن تمر بعدد من التجارب الإنسانية الطاحنة المريرة. ما هي نوعية التجارب التي يمكن أن يمر بها شاب في هذه السن أعنف من توبيخ المعلم أو حب ابنة الجيران ؟..
إنه كذلك يريد النشر، وهو ما وصفه ببراعة الساخر الأمريكي مارك توين عندما قال: ”حتى الإسكافي لا يعرض أول حذاء قام بتفصيله للبيع ولا يجرؤ، لكن الأديب الشاب يريد بحماس أن ينشر أول عمل له مهما كان، ويغضب جدا لو لم يسمح له أحد بذلك”..
لكنني أقرر أن الأمر يتوقف على العمل نفسه على كل حال، وآمل في كل مرة أن أكون حمارا وأن أفاجأ بتحفة فنية لا تقل روعة عما كان (أبو القاسم الشابي) يكتبه وهو في العشرين من عمره.. للأسف يتضح غالبا أنني لست الحمار الذي تمنيته وأن الشاب يدور فعلاً في فلك لوم المعلم وحب ابنة الجيران أو استنساخ عمل أكثر عمقا لكاتب كبير.. مثلاً قرأت لشاب من هؤلاء يصف آلام الشيخوخة وعذابها !.. “
(من مقال : نبيذ وفحم)
التعليقات مغلقة.