وفي الخامسة عصراً يبدأ توافد الطلبة الذين جاءوا للدرس الخصوصي نعم فأنا مدرس تقولى لى

وفي الخامسة عصراً يبدأ توافد الطلبة الذين جاءوا للدرس الخصوصي نعم فأنا مدرس تقولى لى
إن هذه ظاهرة غير صحية وما إلى ذلك فأقول لك إنني بشر بحاجة إلى أن أنفق لأعيش .. وراتبی ينتهي بعد ثلاثة أيام من صرفه لي .. ثم إن هذا لم يجعلني أقصر لحظة في أداء واجبي في المدرسة .. هؤلاء الطلبة راغبون في الاستزادة وأنا قادر على الزيادة .. فما هي المشكلة إذن ؟
حول المائدة الطويلة في غرفة الطعام يجلسون ويتهامسون ..
ثم أدخل أنا مرتدياً الروب وتحت إبطي الكتب فيصمتون .. وأبدأ في الكلام .. ويمر الوقت ..
وجوه تتبدل .. وجوه ناعمة طويلة الشعر ترتدی الفساتين .. ووجوه خشنة نصف حليقة ..
وتستمر المسرحية .. تستمر حتى العاشرة مساء .. فأنا كما ترى يا د. ( رفعت ) إنسان مشغول وناجح في عمله ..
فلا أملك الوقت مثلك كي أتساءل عن أسرار الطبيعة وما وراءها ..
وحين ينصرف آخر تلميذ من غرفة الدرس هذه ؛ أكون قد تحولت إلى نفاية عقل .. وتحشرج الصوت في حلقي ..
أخرج إلى امرأتي لأجدها عاكفة على إعداد العشاء في المطبخ ..
تقول لي وهي تهرس الفول بشوكة صغيرة :

  • « نحن بحاجة إلى تغيير .. هذه الحياة المملة ذات الوتيرة الواحدة تقتلنا ببطء .. »
    فأقول وأنا أخرج زجاجة الماء من الثلاجة لأجرع منها :
  • « لا حيلة لنا .. هذا هو مصدر رزقنا الأساسي والوحيد .. وليس من حق العناكب أن تسأم البقاء في بيوتها بانتظار الذباب .. »
  • « أبقى وحيدة طيلة النهار والليل .. »
  • « الوحدة خير من الفاقة .. وعلى كل حال أنا لا أتركك وحيدة کی أذهب إلى دور اللهو .. إنني لا أحب ما أقوم به كثيراً .. »
    تقول وهي تسكب الزيت على القول :
  • « و أنا بحاجة إلى عمل .. إلى وظيفة .. »
  • « أنت بحاجة إلى طفل .. »
    فتهدأ قليلاً .. وتدفن وجهها فيما تقوم به .. وهي حيلة لا بأس بها أمارسها معها كثيراً .. التظاهر بأنها قد جرحت كبريائي .. فأنا لا أنجب .. وهي تعلم ذلك .. ولأنها رقيقة فإنها تتجنب أي تلميح إلى هذا الموضوع .. لهذا أجدها وسيلة فعالة في أية مشاجرة أن أعلن لها أن مشكلتها هي الحاجة إلى الأمومة .. من ثم تغير الموضوع فوراً وتكف عن لجاجتها ..
    لقد عرضت عليها الانفصال مراراً لكنها بكرم نفسي غير مفتعل تأبى ذلك وأنا أمقت أن يضحي أحد بعود ثقاب من أجلي .. لهذا لم تسعدني تضحيتها هذه .. بل وجعلتني غير کثیر الميل إليها ..
    إننا لا نحب لقاء دائنينا أربع وعشرين ساعة كل يوم .. وزوجتي دائنة .. دائنة من طراز خاص لا يمكن تحمله ..! “
    __
    ( هـ ) من أسطورة آخر الليل – العدد 28 من سلسلة ما وراء الطبيعة
    د. أحمد خالد توفيق

التعليقات مغلقة.