أحكي لك هذه القصة التي أوردها هتشكوك في مجموعات مختاراته، وهي تلخص كل شيء.. أحيانًا يبلغ الاستفزاز درجة لا يمكن تصورها إلا بمعايشتها. الليل حار رطب، بينما المحاسب سهران حتي هذه الساعة المتأخرة يجمع مصفوفة طويلة من الأرقام.. كلما قارب النهاية أخطأ فعاد يبدأ من الأول، والسبب هو ذلك النفير اللعين.. نفير سيارة تحت نافذته لا يتوقف لحظة. خرج أكثر من مرة وصاح طالبًا من سائق السيارة أن يكف.. توسل.. هدد.. تكلم بالعقل.. لكن سائق السيارة – وهو فتي متأنق سمج يلمع شعره بالفازلين – ينظر له ثم يضغط علي النفير أكثر ويضحك..
هنا تأتي اللحظة.. يثب المحاسب إلي مكتبه فيلتقط مزهرية ثقيلة ضخمة، ومن دون أن يعرف ما يفعله يقذف بها بأقصي قوة نحو رأس الفتي الواقف جوار سيارته.. طبعًا لتتحول رأس الفتي إلي كتلة دموية ويموت فورًا..
تبدأ محاكمة القاتل، وبما أننا في بلدة أمريكية فهم يعملون بنظام المحلفين الذين يجتمعون في فندق لا يخرجون منه ويقضون وقتهم في مناقشة وقائع القضية. يأتي يوم النطق بالحكم فينتظر المحاسب في رعب معرفة مصيره.. يقول رئيس المحلفين المرهق منتفخ العينين: «لقد توصلنا إلي أن المتهم ليس مذنبًا!».
يغادر المحاسب المحكمة وسط التهاني، ويبحث عن زوجته طويلًا لأنه كان يتوقع أنها تنتظره.. في النهاية تلحق به بالسيارة وتعتذر له بشدة.. كان عليها أن تشحن بطارية السيارة التي نفدت. ولماذا نفدت؟.. تقول في خبث: «ظللت طيلة الليل أدق النفير تحت نافذة الفندق الذي يسهر فيه المحلفون لاتخاذ قرارهم!». لقد وضعتهم بالضبط في الحالة المهيئة للقتل التي كان زوجها فيها ليلة الجريمة. في بعض جرائم القتل يكون هناك قدر لا بأس به من اللوم علي الضحية.
التعليقات مغلقة.