معركة اليس نهر الدم

معركة اليس نهر الدم

كان لصدى انتصار المسلمين في معركة الولجة على الفُرس ومن عاونهم من نصارى العرب في العراق أثر بالغ في نفوس نصارى العراق في الولجة؛ خاصة أنه كان بين قتلى الولجة ابني زعيمين كبيرين منهما، وهما ابني جابر بن بجير وعبد الأسود العجلي، وعندما قررا الانتقام لما جرى لهم

فاجتمعت نصارى عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة، واستغاثوا بكسرى، وطلبوا منه الإمدادات؛ فانتعشت آمال كسرى، وفرح بكتاب النصارى من أليس وكتب لقائده الكبير بهمن جاذويه ـ وكان لا يزال في المنطقة بعد هزيمة الولجة وغلطته العسكرية التي أبعدته وجيشه عن ميدان القتال ـ فأمره كسرى أن ينضم للنصارى في أليس – وهي إحدى قرى الأنبار على الفرات – للصدام مع جيش المسلمين.

توجه بهمن جاذويه إلى أليس، وفي الطريق يعود بهمن للمدائن لأمر هام، ويترك قيادة الجيوش للقائد جابان

كانت الإمدادات الفارسية أقرب إلى منطقة أليس من جيوش المسلمين، واصطف أمام جنود التحالف الساساني الصليبي العربي، وصادف وصول خالد وجيشه أن الجيوش الفارسية قد أعدا طعام الغذاء وجلسوا للطعام، وعندها أمرهم القائد العام ‘جابان’ بأن يتركوا الطعام ويستعدوا للصدام مع المسلمين، ولكن الغرور والكبر داخلهم؛ لأن تعدادهم كان يفوق المائة والخمسين ألفًا! وخالفوا أمر قائدهم الأعلى، ثم خالفوه مرة أخرى عندما أمرهم بأن يضعوا السم في الطعام؛ فإذا ما انتصر المسلمون وأكلوا من هذا الطعام ماتوا! ولكنهم اغتروا وتكبروا وظنوا أنهم لا يُغلبوا

عندما رأى خالد بن الوليد وجنوده هذا الغرور والكبر من جنود التحالف، وقف وأمر بحط الأثقال، ثم توجه إليهم وقد وكل من يحمي ظهره من المسلمين، ثم ندر أمام الصف فنادى: «”أين ابن أبجر ؟ أين عبد الأسود؟ أين مالك بن قيس؟”» فلم يردوا عليه إلا مالكا برز له فقتله خالد

فصد المجوس عن طعامهم. فنادى الجيش بالهجوم، وبدأ القتال الذي صار ينتقل من حال إلى أشد منه قوة وكذلك صبر الفُرس، طمعًا في وصول القائد بهمن جاذويه بالإمدادات من المدائن، ولقي المسلمون مقاومة عنيفة منهم، وعندها نذر خالد لله فقال: «”اللهم إن لك عليَّ إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدًا قدرنا عليه حتى أ جري نهرهم بدمائهم!”»

وازدادت قوة المسلمين في القتال، خاصة مسلمي بكر بن وائل؛ حيث كانوا أشد الناس على نصارى قبيلتهم، ولم يطل الأمر حتى انتصر المسلمون، فأمر خالد بإمساك الأسرى، وأخذهم عند نهر أليس، وسد عنه الماء، ومكث لمدة يوم وليلة يضرب أعناقهم حتى يجري النهر بدمائهم كما نذر لله، وعندما لم يجر النهر بدمائهم قال القعقاع بن عمرو التميمي لخالد: «”لو أنك قتلت أهل الأرض جميعًا لم تجر دماؤهم! فأرسل الماء على الدماء فيجري النهر بدمائهم”» ففعل خالد ذلك، فسمي النهر يومها بـ ‘نهر الدم’، وقتل يومها أكثر من سبعة آلاف من جند المجوس.

وصل الخبر للخليفة أبو بكر، فقال كلمته الشهيرة: «”يا معشر قريش! عدا أسدكم [يعني خالدًا] على أسدهم [يعني كسرى والفرس] فغلبه على لحمه [أي على فريسته]؛ عقمْنّ النساء أن يلدن مثل خالد!”»

المصادر
تاريخ الرسل والملوك
ابن كثير
ابن الاثير
تاريخ الخلفاء
فتوح البلدان

من لم يعرف التاريخ لا يستطيع صناعة المستقبل

عزالدين_علي

التعليقات مغلقة.