يقول الراحل جمال حمدان:
د. جمال حمدان – إستراتيجية الاستعمار والتحرير – مذكرات في الجغرافيا والسياسة.
“الأتـراك كانوا وبالًا على الدولة العباسية، وسبب ضعفها وسقوطها في النهاية. انقلب الأتـراك السـلاجقة على الحكم العربي في بغداد ودمشق، حتى امتد سلطانهم إلى الشام والأراضي المقدسة، لكن قوة السلاجقة لم تلبث أن تضعضعت تحت طرقات المغول في القرن الـ 13 على يد جنكيز خان، وفي الوقت الذي كان العالم الإسـلامي يواجه خطر الحروب الصـليبيـة، خرج تيمورلنك من عاصمته سمرقند ليكتسح فارس والعراق وشمال سـورية حتى دمشق، ولكنه عجز في التقدم جنوبا بفضل المقاومة المصرية”….
“كانت الموجة الغزنوية التـركية أول ما وصل المنطقة العربية من بـرابرة العالم الإسلامي، في القرن الـ11، وانتزعت فارس وما جاورها، ثم بدأت قوة الأتـراك السلاجقة الوافدة من آسيا تتسلل وتظهر في الدولة العباسية، حتى استطاعوا أن يقتطعوا منها أجزاء كثيرة في غرب آسيا، فأقاموا قاعدتهم في كرمان وهمدان ثم في آسيا الصغرى”.
“الأتـراك قوم همـج، لم يتحدوا في دولة متحضرة، فهم يحاربون بعضهم من أجل الكلأ والمراعي، وفي مطلع القرن الخامس عشر أظهر الأتـراك بربريتهم وغباءهم السياسي، حينما اتجه تيمورلنك إلى الأناضول لمحاربة العثـمانيين، وانتصر تيمورلنك على العثـمانيين في معركة أنقرة عام 1402، حين انكسرت قوات بايزيد الأول وسقط في الأسر”…
“نوايا الأتـراك السيئة تجاه البلاد العربية الإسلاميـة تأكدت في القرن السادس عشر، حينما اتجهت الدولة العثـمانيـة إلى الشرق العربي، واتجه الزحف التـركي إلى مصر رأسًا، عن طريق سورية التابعة للدولة المملوكية المصرية، التي أصبحت مفتاح المنطقة العربية، خاصة بعد أن انتقل ثقل الدولة العربية الإسلامية كاملًا ونهائياً إلى مصر بعد تدميـر العراق على يد المغول”…
“كانت قوات سليم الأول أضعف من أن تنتصر على المماليك في معركتي مرج دابق والريدانية، لكنهم استخدموا طريقتهم التـركيـة الأصيلة، فعن طريق الرشوة والخيانة استطاعوا استمالة خاير بك وجان بردي الغزالي، وسقطت مصر في عام 1517 في يد رعاع الاستبس”.
“الدول العربية انتهت على يد الغزو التـركي، وليس الغزو الصليبي، بعدما جاءوا للبلاد العربية في مسوح الدين الإسلامي وتحت قناعه، فهو نوع من الاستعمار الديني، ولولاه.. لعد مماثلا للغزو المغولي الوثني الذي سبقه”.
“كل مظاهر الاستعمار الاستغلالي الابتزازي لا تنقص الدولة العثـمانية، فقد كانت تـركيا دولة استعمارية تعتصر موارد وخيرات الولايات بلا مواربة، لتحشدها في خزانة السلطان، الذي ينفق منها على نزواته الشاذة”.
“طبقوا في حكمهم السياسي طريقتهم الاستبسية في معاملة الحيوان، هم انتقلوا من رعي قطعان الحيوان إلى رعي قطعان البشر، فكما يفصل الراعي بين أنواع القطعان، فصل الأتـراك بين الأمم والأجناس المختلفة، عملا بمبدأ فرق تسد، وكما يسوس الراعي قطيعه بالكلاب، كانت الإنكشارية كلاب صيد الدولة العثـمانية، وكما يحلب الراعي ماشيته، كانت الإمبراطورية بقرة كبرى عند الأتـراك للحلب فقط”.
“تـركيا تمثل قمة الضياع الحضاري، ويظهر ذلك واضحًا في تغيير جلدها أكثر من مرة، الشكل العربي استعارته ثم بدلته باللاتيني، والمظهر الحضاري الآسيوي نبذته، وادعت الوجهة الأوروبية، هي كغراب يقلد مشية الطاووس، وعلى النقيض تمامًا من مصر، ذات التاريخ العريق والأصالة والحضارة”.
“مصر ظلت وستظل تمثل للأتـراك كل العُقد، وليس عقدة وحيدة، فهي الدولة التي يحتسب عمرها بعمر هذا الكون، بينما تـركيا بلا تاريخ أو هوية، ويرجع تاريخ العداء التـركي لمصر منذ القرن الثالث عشر، وبعد احتلال مصر عام 1517، اتبعت الدولة العثـمانية سياسات قمعية تجاه الشعب، تعويضا لعقدة النقص التي يشعر بها الأتـراك تجاه المصريين”.
“جيش مصر العظيم يمثل أبرز العقد للأتـراك، فقد أعطى دروسا قوية في الفنون العسكرية للجيش التـركي، وسحقه أكثر من مرة في معارك ضروس، والبداية كانت عندما سحق الظاهر بيبرس الأتـراك المتحالفين مع المغول في الأناضول، في معركة الأبلستين عام 1277، وتجدد الصدام في عام 1488 عندما أمر السلطان قايتباي جيوشه وهزم السلطان بايزيد الثاني في معركة أضنة”.
“قرر محمد علي باشا ضم الشام إلى الأراضي المصرية في عام 1831، وزحف الجيش المصري وحاصر عكا، المحصنة بأسوارها العالية، ونجح في كسر جيوش السلطان محمود الثاني، وسيطر على فلسطين ودمشق، ثم التقى بالجيش العثـماني من جديد عند أسوار مدينة حمص ولقنه درسًا قاسيًا، واستولى على حمص، وباقي المدن السورية”.
“ولن ينسى الأتـراك ما فعله الجيش المصري بجيوش السلطان محمود الثاني في معركة نصيبين عام 1839، عندما لقن نظيره التـركي درسا في فنون الحروب الحديثة، مستخدما قوته المفرطة، حينما أفنى الجنود المصريون كل الجيش العثـماني في تلك المعركة، وأسروا 15 ألف جندي وضابط، واستولوا على كل الأسلحة والمؤن”.
“وعندما بلغ السلطان العثـماني أمر الهزيمة المنكرة، وفناء جيشه، مات حزنًا، ولم يكتفِ الجيش المصري بسحق العثـمانيين، وإنما حاصر إسطنبول، واستسلم الأسطول التـركي لمصر في الإسكندرية، وأصبحت الدولة العثـمانية بلا سلطان أو جيش أو حتى أسطول.
ولولا التدخل الأوروبي، لكانت تـركيا من بين ممتلكات مصر”.
“إسـرائيل ليست دولة سامية، وسكانها ليسوا يـهودًا، ولكنهم متهودون، أصولهم من التـرك الرعاع، والإمبراطورية العثـمانية كانت آخر طبعة خزرية استعمارية، خرجت من رحم الدولة السلجوقية التي أسسها يـهود الخزر”.
د. جمال حمدان – إستراتيجية الاستعمار والتحرير – مذكرات في الجغرافيا والسياسة.
التعليقات مغلقة.