طالَما المرتدّ لمْ يجهر بردّته: لا يُقتل!
ثانيًا: نقول لك: ما دليلك على هذا التقيّد؛ أيّ: لا يُقتل المرتدّ إلّا بالمجاهرة؟
ثالثًا: النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (مَن بدّل دينَه فاقتلوه)؛ الحديث.
وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: ( لا يحلّ دمّ امريءٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاثٍ؛ منهم: (التّارك لدينِه المفارق للجماعة)؛ الحديث.
فالنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- علّق قتل المرتدّ بسبب ردّته، لا لكونه لا يجهر بردّته.
فالمرتدّ يُقتل سيّان: جهر بردته أو لمْ يجهر.
وهنا شيخ الإسلام ابن تيميّة -رضي الله عنه وأرضاه- وهو يتكلّم عن أقسام الرّدّة، ووجوب قتل كلاهما:
حول حد الردة
هناك مفاهيم خاطئة تتردد حول حد الردة، ويستغلها الملاحدة لتشكيك المسلمين ومحاولة إحراجهم. وسنلقي الضوء هنا على جوانب الشبهة المختلفة لإزالة أي لبس حول هذا الموضوع.
مصادر الإشكال
لا نسبية للحق
أصل الإشكال في قيام الشبهة حول حد الردة هو توهم المساواة بين الإيمان والكفر، وسبب هذا التوهم هو الاعتقاد بنسبية المعتقد، أي أنه يمكن أن تكون كل الأديان على حق، وهذا لا يستقيم عند من يعرف أبجديات المنطق. إذ أنه من القواعد المنطقية أن أي متناقضين ليس لهما إلا حالتان، إما أن يكونا باطلين معا، أو أن يكون أحدهما باطل والآخر حق، ولكن لا يمكن منطقيا أن يكون كلاهما على حق. وهذه قاعدة ثابتة أينما تم تطبيقها. وعلى ذلك فلا يصح أن نعتبر عقيدتين متناقضتين على حق معا.. ومن البديهي أن الإيمان يناقض الإلحاد والكفر، ولهذا فإن المسلم يجد أن القول بنسبية الحق هو غفلة وبلاهة منطقية.
ليس كل كافر مرتد
غالبا ما يحصل الخلط- بقصد أو بغير قصد- بين الكافر والمرتد. فيظن الملحد أن الإسلام يقيم حد الردة على الكافر، بينما الصحيح هو أن الكافر إذا كان معاهدا وغير محارب لا يجوز قتله، ويجري التشديد على ذلك في حق الكافر الذمي. أما المرتد فهو الذي كان مسلما ثم ارتد.
الحد بعد الاستتابة
يظن البعض أن المسلم إذا ارتكب الكفر فينفذ فيه الحد مباشرة، والصحيح أن هناك أعذار قد تحول دون تكفيره أصلا، كالجهل والتأويل والإكراه والخطأ، ولهذا فإن أكثر أهل العلم على استتابة المرتد لاحتمال التباسه في معرفة الحق كما ذكر ابن قدامة في المغني، ويستثنى من الاستتابة المرتد المحارب على قول ابن تيمية.
المرتد ضرره متعدّ
ليس صحيحا أن ضرر المرتد المعلن ردته لازم لنفسه، وإنما الصحيح أن ضرره متعد للمجتمع المسلم. وهناك من الملاحدة من يدعي ضعف عقيدة المسلم، وأنها لو كانت قوية لما كان هناك حاجة لحد الردة.. والصحيح أن المرتد لا خطر منه على المتمكنين من دينهم ويقينهم ولكن ليس كل عامة المسلمين لديهم مناعة عن التأثر، بل إن من الناس من لديه نزعة انقيادية، ومنهم من لديه قابلية للإيحاء، ومنهم من لديه جهل في بعض الجوانب، وهؤلاء يسهل التأثير عليهم كما نرى بقليل من التأمل، ولا شك أن الدين هو أحد الضرورات الخمس التي سعت الشريعة لحفظها، والتعدي عليه جريمة شنيعة، ولذا لزم على الحاكم حماية المجتمع المسلم من المرتدين المجرمين.
حد الردة وقاية
حد الردة يقطع الطريق على محاربة الدين بتشكيك المؤمنين به، فلولا حد الردة لكان من السهل على الكفار إعلان إيمانهم ثم ردتهم ثم إيمانهم.. الخ. هذه حيلة قديمة ذكرها القرآن الكريم عن اليهود، حيث كان هدفهم هو تشكيك المسلمين بإيمانهم، والمسلمون كما أسلفنا مجتمع كبير وطيف واسع منهم من يفتتن بما يرى ويسمع. قال تعالى: ﴿وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون﴾. وحماية المجتمع نفسه من الضرر هو حق لأي مجتمع.
فقط المرتد المجاهر
الملاحدة والمرتدون يعلمون جيدا أنهم إذا لم يجاهروا بردتهم فإنهم لا يقعون تحت طائلة حد الردة أبدا، لكنهم يطالبون المجتمع المسلم أن يفتح المجال لهم فينشرون كفرهم واستهزاءهم بالله ورسوله ﷺ وكتابه دون محاسبة.. هذه وقاحة عجيبة.
وطالما أن المرتد لم يجاهر بالردة فلا يقام عليه الحد، والمنافقون في عصر النبوة مثال واضح للمرتد غير المجاهر، فكان المسلمون يعاملونهم معاملة المسلم، ولهم كل حقوق المسلمين، رغم أن النبي ﷺ كان يعرفهم، وقد أخبر حذيفة بأسمائهم.
لا إكراه في الدين
يحتج البعض بآية “لا إكراه في الدين” على أنها تعطي الحرية بالردة عن الإسلام، وهذا غير صحيح، فإجماع المسلمين على أن الآية لا يقصد بها المسلمون وإنما هي خاصة بغير المسلمين، وسياق الآية يوضح أن الخيار لمن هو كافر في الأصل، فلا تنطبق الآية على المسلم إذ كيف يتحول إلى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله وهو مسلم أصلا: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”.
المولود مسلما
هناك من يحتج بأن المولود من أبوين مسلمين لا يكون مسلما إلا بعد البلوغ، فكيف يحكم عليه بالردة لو كفر؟ وكيف يختار دينه؟ والصحيح هو أن المسلم المولود لأبوين مسلمين هو أصلا يعتبر مسلما ولو لم يبلغ، فتجري عليه أحكام الإسلام من الميراث وغيره، وثبت في البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.. الحديث”. وهناك دلائل علمية تطابقت نتائجها مع مضمون هذا الحديث مثل كلام هذا المتخصص، وأيضا هذا البحث العلمي، وهنا رد للداعية ميلر يثبته من جهة أخرى. فالمسلم أصلا وُلد مسلما ثم كبر وهو مسلم، أي أنه لم يخرج من الإسلام، ولهذا فلا معنى للاختيار هنا، لأنه إما أن يكفر فيكون مرتدا أو يبقى على إسلامه، بينما الكافر يمكنه أن يبقى على كفره دون حد أو يسلم.
الخلاصة
لا يقام حد الردة إلا على المرتد المجاهر بالردة، فلا يقام على المرتد سرا ما دامت عقيدته بينه وبين نفسه
. فإذا تعدى خطره إلى غيره قام عليه الحد لقطع الطريق عليه وحفظ أهم الضرورات الخمس لأفراد المجتمع المسلم وهو الدين.
التعليقات مغلقة.