«ڤاسا».. جوهرة البحرية السويدية التى التهمها البلطيق بعد إبحارها بميل واحد
وهي السفينة الوحيدة العملاقة الباقية فى العالم من القرن السابع عشر، ومع أكثر من 95% من قطعها الأصلية المحتفظ بها والمزخرفة بمئات من النقوش المنحوتة، وهو ما يجعلها كنزا فنيا فريدا من نوعه، وواحدة من أبرز القطع البحرية التاريخية فى العالم.
و لهذه السفينة قصة تحمل معنى التراجيديا فى أوسع تجلياتها، فقد بنيت فى عامى «1626 ــ 1628»، بناء على أوامر الملك «جوستاف أدولفوس» ملك السويد الذى كان يسعى للسيطرة على بحر البلطيق فى هذه الفترة، ولذلك أراد تصميم سفينة حربية ذات كفاءة قتالية عالية جدا، وتحتفظ فى الوقت نفسه بشكل ملكى من الخارج، وهو ما استلزم ترصيعها بزخارف وأعمال فنية غاية فى الروعة والجمال، لكن هذا التصميم الفريد الذى يجمع بين القدرة القتالية وروعة التصميم جعل الملك يتدخل بشكل أو بآخر فى تصميمها بطريقة عبثية، لاسيما وأنه أراد وضع عدد أكبر من المعتاد من المدافع على متن السفينة، وبلغ ارتفاعها خمسة أدوار وطولها 100 متر.
و فى العاشر من أغسطس عام 1628 أبحر عدد من السفن الحربية الملكية من ميناء ستوكهولم، وكانت أكبرها سفينة «فاسا»، التى أطلق عليها اسم السلالة الحاكمة. ولتمييز المناسبة الجليلة كانت تطلق التحية لها من المدافع التى تنطلق من موانئ واقعة بطول جوانبها، وأثناء قيام السفينة الضخمة بتحديد طريقها ببطء تجاه مدخل الميناء فقد هبت فجأة عاصفة تمخض عنها ميل السفينة، ولكن أصلحت وضعها مرة أخرى. وهبت عصفة ريح ثانية أدت إلى قلبها على جانبها، وانسكبت المياه عبر منافذ المدافع المفتوحة، وغطست السفينة بالقاع آخذة معها على الأقل 30 وربما أكثر من 50 فردا من واقع 150 فردا من طاقمها. وكان ذلك بنحو 333 سنة قبل أن تبرز السفينة مرة أخرى إلى وضح النهار.
وفى عام 1961 جرت عملية انتشال السفينة الغارقة بعد 333 عاما على غرقها، كانت عملية من نوع خاص، مغامرة كبرى فى رفع هيكل مترهل من اعماق القاع، لتستقر على الشاطئ بالقرب من مكان غرقها، وبنى حولها متحف «فاسا» الذى صممم بناء على حجم السفينة.
تقول المادة الفلمية التى توثق بشكل دقيق مراحل اكتشاف السفينة وانتشالها إن «فريق العمل بقى لمدة 17 عاما يرش على السفينة مواد شمعية، فقط من أجل ان تحافظ على تماسكها، فى صيف عام 1990 افتتح المتحف، وبعده بمدة قصيرة تحول إلى مقصد سياحى يزوره سنويا قرابة المليون سائح، وهو ما جعله أكثر المتاحف جذبا للسياح فى كل الدول الدول الاسكندنافية، وفى عام 2011 احتفل السويديون بمرور خمسين عاما على انتشال السفينة فاسا.
وجد المنقذون عدد ستة أشرعة التى لم تنصب فى وقت وقوع الكارثة. وكانت أقدم أشرعة باقية فى العالم، وكانت أيضا هشة كشبكة العنكبوت قبيل الإنقاذ. ومازال البحث جاريا للعثور على ما يتم اكتشافه وانتشاله.
وقد عرضت العديد من الأشياء الفريدة من نوعها فى معارض المتحف التى أعادت للحياة عصرا مضى وأناسه.
لم تكن السفن الحربية فى القرن السابع عشر مجرد محركات حربية، فهى كانت قصورا طافية على سطح البحر. وقد حملت قطع النحت التى تم إنقاذها آثار الطلاء بالذهب والدهانات. وتوضح التحاليل الحديثة أنها قد طليت بألوان صارخة على خلفية حمراء. وتمثل النقوش أسودا، وأبطالا توراتيين، وأباطرة رومان، ومخلوقات بحرية وآلهة يونانيين والعديد العديد. وكان غرضهم الكامن وراء ذلك هو تعظيم الملك السويدى وإعطاء تعبير لقوته وثقافته وطموحاته السياسي…
التعليقات مغلقة.