( وقفة تفسيرية مع آية سورة الأحقاف ) :
- المسألة الأولى : قرأ الكوفيُّون : [ إِحْسَاناً ] ، والمعنى : ( وَصَّيْناهُ أن يُحسِنَ إِحساناً ) ، وقرأ الحجازيّون والبصريّون والشّامي : [ حُسْنًا ] ، والمعنى : ( وصَّيناهُ أن يفْعلَ حُسناً ) ، وكلاهما قريب ، فأنتَ على أيِّهما قرأتَ في الصلاة وخارجها فمصيب .
- المسألة الثانية : رُسِمت هذه الكلمة في المَصَاحف الكُوفية بألف قبل الحاء وبعد السين : [ احـسـاىـا ] ، ورُسِمَتْ فِي بقيّة المصاحف العثمانية بحذفِ الألفين : [ حـسـىـا ] ، نصّ على ذلك الدّاني ، وأبو داود ، وابن وثيق الأموي ، والصفاقسي ، والعوفي ، والبنا الدمياطي ، وابن عاشر ، صرّحوا بالرّسمينِ فقط ، إلّا أنّ مصاحفنا المشرقيّة ( برواية حفص الكوفيِّ ) قد رُسِمَتْ برسمٍ آخر ؛ بحذْفِ الألفِ الثَّانية فقط : [ احـسـىـا ] ؛ وهْو خِلافُ المَنصُوص عليه ، إلّا أن يُعمَل بإطلاق البَلنسي في حذف ألف [ إِحْسَاناً ] حيث جاءت في القرآن ، فيكون العملُ فيها على القياس مع مخالفة الأصلِ العُثماني .
- المسألة الثالثة : في الآيةِ دليلٌ على أنّ متَابعَتهم في المعصيةِ لا يجوز ، وتقريرُ ذلك ؛ أنّ الإحسانَ لهما وجبَ بأمر الله ، فلو عصى العبدُ ربَّه بقولِ والديه ؛ لكان تاركاً لطاعة الله ، فلا يكونُ منقاداً لما وصّاه به ، فلا يُحسن إلى الوالدين ، إذ اتّباع العبدِ أبويه لأجل الإحسان إليهم يُفضي إلى ترك الإحسان إليهما ، وما يُفضي وجودُه إلى عدمه فهْو باطل ، فالاتّباع في المعصية باطل ، وأما إذا امتنع من متابعتها في المعصية ، فيكونُ باقياً على الطاعة ، والإحسان إليهما من الطّاعة ؛ فيأتي بالإحسان المأمور به ، فترك الإحسان باتّباعهما في المعصية يُفضي إلى الإحسان حقيقة .
- المسألة الرابعة : لقائلٍ أن يقول : الوالدانِ إنّما طلبا تحصيل لذّة الجنس في الجماع لأنفسهما ، فلزم منه دخولُ الولدِ في عالمِ الآفَّات والمخافات ، فأين إنعام الأبوين على الولد حينئذٍ ؟! فنقول : إنْ سلَّمنا أنّهما طلبا لذّة الوقاع لأنفسهما في البداية ؛ إلّا أنّ الاهتمامَ بالتربية والنّشأةِ والنفقةِ والتعليمِ من أوّل دخول المولود إلى الوجود إلى لحظة بلوغه ومواجهته لآفّات الحياة هوَ كفيلٌ بإيجابِ ردِّ المعروفِ والإحسان إليهما ، وعليهِ فالإشكالُ زائلٌ ، وبس .
التعليقات مغلقة.