السؤال:
قُتِل عندنا شاب كان يشارك في الثورة، وهو من الطائفة المسيحية، فحضرنا عزاءه، وأثناء ذلك اختلف الشباب في حكم قول:(الله يرحمه، أو يغفر له)؛ لأنه غير مسلم: فشباب يقولون لا يجوز، وآخرون يقولون: استشهد دفاعًا عن الوطن والحساب عند رب العالمين فندعو له بالرحمة، خاصة أنه لم يظهر منه سوء. ثم صار البعض يسأل عن حكم تعزية غير المسلم، فما رأيكم في ذلك؟
نأمل أن تجيبونا عن كل هذه الأمور، وتوضّحوا لنا: أليس من صفات الله أنه رحيم، ونحن ندعو له بالرحمة والله هو الذي يقبل الدعاء؟!
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد: فقد شارك عدد من غير المسلمين في الثورة السورية، تنديداً بطغيان النظام الفاجر، ووقوفاً مع نداءات المطالبة بالحق والعدل، وقد أصاب هؤلاء من هذا النظام ما أصاب باقي الشعب من صنوف العذاب والتنكيل والقتل، ومن أشكال النهب والسلب والتخريب.
هذا؛ وقد جاء في السؤال ثلاث مسائل:( تعزية غير المسلم، الترحم عليه، إطلاق مصطلح الشهادة في حقه)، والجواب وفق ما يلي:
أولاً: لا بأس بتعزية أقارب غير المسلم في فقيدهم؛ لما يلي:
القياس على زيارة المرضى؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يزور مرضى غير المسلمين كما في حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :”كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ , فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ : أَسْلِمْ ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْلَمَ”. رواه البخاري. ووجه الشبه بينهما مواساة المصاب والتخفيف عنه.
أن تعزية غير المسلمين تدخل في عموم البر في قوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
هذا، وعلى المعزّي أن يتخير من ألفاظ التعزية لأهل الميت ما يناسب حالهم، كحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه، كقول: عوّضكم الله خيرًا، أو أخلفكم خيرًا، أو جبر مصيبتكم، أو أحسن الله إليكم، ونحوها.
ثانياً: أما الدعاء لغير المسلم بالرحمة أو المغفرة فلا يصح؛ وذلك لما يلي:
نهي الله تبارك وتعالى عنه، قال الله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}[التوبة: 113]. ولقد جاء في سبب نزول هذه الآية: (أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب لما توفي على الشرك:”وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ”، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}) متفق عليه.
أن الله تبارك وتعالى لم يأذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لأمه؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) رواه مسلم.
وقد نقل العلماء الإجماع على أن الدعاء لغير المسلم بالمغفرة بعد موته غير جائز، قال النووي: “وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ ، وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ ، فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ “. والدعاء بالرحمة لغير المسلم لا يجوز كالدعاء بالمغفرة؛ لأن الرحمة أخص من المغفرة بتخفيف العذاب أو العفو عن السيئات، وكلاهما منفيٌّ عن غير المسلم، فيكون سؤالهما من التعدي في الدعاء، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء: 48]، وقال:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[العنكبوت: 23].
ثالثاً: أما تسمية من قُتل من غير المسلمين بالشهيد فهذا غير جائز:
وذلك لأن الشهادة مصطلحٌ شرعي له دلالته وأحكامه في الدنيا والآخرة، من: عدم تغسيله أو تكفينه أو الصلاة عليه، ومن: مغفرة الذنوب، وشفاعته في أهل بيته، وغيرها؛ لذلك لا يجوز إطلاقه على غير المسلم.
ولا بأس أن تطلق عليه ألفاظ أخرى كالمناضل، أو المقاوم، أو نحوها.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التعليقات مغلقة.