يمسكان بأيدي بعضهما البعض، يملأهما الخوف حتى أنهما يبكيان بحرقة، عيونهما غائرة ذات شكل لوزي، ملاحمهما طبيعية إلا أن بشرتهما لونها أخضر داكن، يرتديان ملابس من مادة غير معروفة، بدا على الطفل والطفلة الارتباك الشديد منذ خروجهم من أحد الكهوف في المنطقة الصخرية القريبة من قرية بانجوس الإسبانية واتجها إلى الفلاحين في أحد الحقول المجاورة للكهف.
طفلان من أبعاد أخرى قصة حقيقة..
ظهر الطفلان اللذان تكلما بلهجة غير معروفة في أغسطس عام 1887، عندما كان الفلاحون يأخذون قسطا من الراحة بعد تناولهم الغذاء، إلا أنهم سرعان ما اتجهوا نحوهما لا يصدقون أعينهم، نظرا لمظهرهما الغريب ولون جلدهما الأخضر الداكن، بينما حاول الطفلان الهرب لخوفهما الشديد، إلا أن المزارعين استطاعوا الإمساك بهما واقتيادهما إلى القرية.
اصطحب الفلاحون الطفلين إلى منزل “ريكاردو دي كالنو” القاضي وأكبر ملاك الأرض في القرية، بينما تجمع السكان حول النوافذ لرؤية الثنائي الغريب، وحاول قاضي القرية التحدث معهما دون جدوى، وظن أن اللون الأخضر عليهما نتيجة طلاء ما، فبدأ يمسح يد الطفلة جيدا إلا أن اللون ظل كما هو دون تغير، وابتعدت عنه وهي تبكي بشدة من الفزع، وفقا لما ذكره الكاتب راجي عنايت في كتابه أغرب من الخيال.
ولغرابة الأمر، حضر قس من برشلونة للتحقيق في تلك الواقعة، وبعد أن شاهد الطفلين وتحدث مع الشهود كتب قائلا: “لقد تدفقت علي شهادات العديد من الشهود الذين يعتد بقولهم، مما دفعني إلى قبول أقوالهم مع أن ما رأيته وسمعته يعتبر من الأمور التي لا تقبل التفسير، أو حتى مجرد القبول إذا ما أعملنا قوى الفكر”، كانت رحلته صعبة وكلما ازدادت المعلومات التي يجمعها كان من الصعب أكثر الوصول إلى تفسير عقلاني.
وعندما عرض “كالنو” قاضي القرية على الطفلين الطعام لم يتناولا منه شيئا، وأمسكا الخبز والفاكهة في حالة من الاندهاش دون أن يأكلا، فبدأ القاضي بالتدقيق في ملاحمهما التي كانت تميل إلى النمط الزنجي، وقضى الثنائي في منزله خمسة أيام رافضين تناول الطعام حتى ظهر عليهما الضعف الشديد، ولم يستطيع “كالنو” الوصول إلى نوع الأكل المقبول لديهما.
ويقول راجي عنايت في كتابه، إنه في يوم جاء المزارعون إلى المنزل حاملين معهم نبات الفاصوليا منتزعا بسيقانه، فاندفع الطفلان على النبات يمسكان به وركز كلاهما على السيقان يبحثون بداخله عن الثمار، إلا إنهما لم يجدا شيئا، الأمر الذي جعلهم يبكون، ففتح بعض من الفلاحين قرون الفاصوليا وقدموا لهما الحب، وسرعان ما تناول الثنائي بشراهة الحبوب وهما في حالة من السعادة، ولم يقبلا بعدها أي نوع من الطعام، فقط الحبوب.
ورغم إقبال الصبي على الحبوب إلا أنه توفى بعد شهر بسبب ضعفه وتم دفنه في مقبرة القرية، بينما استمرت القتاة في منزل القاضي تعمل كخادمة وتكبر مع مرور الوقت، ليتحول لون بشرتها من الأخضر الداكن إلى أخضر حائل، حتى أصبح وجودها أقل أثارة للفضول في القرية، كما بدأت تتعلم بعض الكلمات التي تتردد حولها وتستوعبها ما جعلها تتمكن على الأقل من قول بعض الألغاز التي جعلتها تأتي إلى القرية.
ولكنها أضافت ألغازا جديدة إلى الألغاز القديمة، بقولها إنها جاءت من “أرض لا تشرق عليها الشمس.. مضاءة بنور الغسق الدائم”، وأشارت إلى ما أطلقت عليه أرض النور التي كانوا يشاهدونها من مكانهم، ويفصلها عنهم نهر عريض جدا، وأوضحت عن وصولها للقرية بكلمات بسيطة “كانت هناك ضوضاء هائلة.. واندفعنا نلحق بالروح، فوجدنا أنفسنا في ذلك الحقل…”.
وتوفيت الفتاة بعد مكوثها خمس أعوام في منزل القاضي ودفنت بجانب شقيقها.
اعتبر البعض هذه الواقعة ذات دلالة هامة على وجود ما يسمونه بالعالم الموازي في وجوده لعالمنا المادي، والذي يلازمنا جنبا إلى جنب دون أن ندركه أو نشعر به، واعتقد بعضهم أن هذا الثنائي سقطا خطأ من ذلك العالم الضبابي بطريقة غير معروفة إلى عالمنا.
تعددت التفسيرات بسبب عدم وجود تطور تكنولوجي كاف لمعرفة السبب، فالبعض طرح فكرة العالم الموازي، وآخرون قالوا إن الطفلين جاءوا من كوكب المريخ والبعض الآخر فسر الأمر على أنهما قدما من باطن الأرض، وأن هذا هو السبب في لونهما الأخصر الداكن، إلا أن قصة الطفلين رغم كثرة التفسيرات ظلت لغزا محيرا حتى يومنا هذا.
التعليقات مغلقة.