(قصة سعد بن أبي وقاص )
ذاك الصحابي الجليل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سعد خالي فليرني امرؤ خاله ” ، فقد كان أميراً علي الكوفة زماناً حتى أرسل رجلا شكاه إلى عمر يشكو سعداً فقال ثلاثة
أشياء علي القافية : ” إن سعداً لا يسير بالسرية ولا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية ” ، فأرسل إليه عمر أن ائتني حتى يسأله عن الصلاة كيف تصلي ،
فقال له : “يا أمير المؤمنين إني لم أخرم بهم صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وإني أركد في الأولين وفي الرواية الثانية أمد في الأولين وأحذف في الآخرين ” ، فقال له عمر : ذلك الظن يا أبا إسحاق .
فلم يشفع لسعد عند أمير المؤمنين هو ربع الإسلام حيث كان رقم أربعة في الإسلام فلم يكن في الدنيا مسلم إلا هؤلاء الأربعة آنذاك ، وهو أشبه الناس صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ثم أرسل عمر بن الخطاب وفداً من الشرطة يتتبعون مساجد الكوفة يسألون عن سعد وسيرته فأثنى كل الناس خيراً حتي أتوا مسجد لبني
عبس ،فأثنى أهل المسجد خيراً كلهم علي سعد عدا واحد فقط ، قال : أما إذا نشدتنا فإن سعدا لايسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية .
وهنا نرى مدى تحري واحتياط أمير المؤمنين فهو تأكد من أن سعدا لم يخرم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكنه أرسل وفداً من الشرطة للتحري بين المسلمين وقد كانت المساجد هي مجتمعات الناس آنذاك ،
والجميع أثنى خيراً علي سعد باستثناء واحد فقط وقد افترى عليه بأنه لا يجيش الجيوش ومتقاعس عن الجهاد والفتوحات ولا يعدل وظالم ومتحابي .
فقال سعد : اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن .
وهنا نرى تأدب سعد وتحرزه فقد احتاط لنفسه في دعوه ووضع شرطاً
( إن كان عبدك هذا أقام مقام رياء وسمعة ) ،لذلك فلا تطعن علي أحد ، إن بلغك سوء عن أحد فقل إن كان يقصد كذا مايقول أو كان للكلام تتمة وإن كان هذا فهذا كذا وكذا وكذا ..
فالله تبارك وتعالى يزن الأعمال بالذرة ومثقال الذرة ، الذرة التي لا تري بالعين المجردة ومثقال الذرة الذي لا يري من باب أولى .
وبالرغم من هذا فقد عزل عمر سعد عن الكوفة ، وأرسل ثلاثة مكان سعد منهم ابن مسعود لبيت المال وعمار للصلاة إلي آخره ..
وكان من قول عمر بن الخطاب قبل موته لتبرئة سعد ، حيث قال لمجلس الشورى الذي انتدبهم واختارهم : إن أصابت الإمرة سعداً فذاك نعم الرأي ، وإلا فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة،
وقد قال عبدالملك بن عمير عن جابر بن سمرة رضي الله عنه : لقد رأيت هذا الرجل – الذي شكا سعدا إلى عمر – وقد سقط حاجباه من الكبر، فإذا قيل له كيف أصبحت ، يقول عبد فقير مفتون أصابته
دعوة سعد ، ويقول عبدالملك أيضاً : ولقد رأيته يتعرض للجواري في الطرقات يتغمزهن .
وهنا نرى أن عمر قد عزل سعد رغم ثبوت
براءته مما اُفتري عليه به وأنها كانت شكوى كيدية ، فلم يشفع له عنده أنه أول رجل رمى بسهم في الإسلام وأنه رابع أربعة في الإسلام ،
وذلك حتي لا يبث الريبة في الناس ، فقد يبلغ الناس التهمة ولا تبلغهم البراءة ،
وقد يقول أحدهم لما تُبقي على من قيل فيه كذا وعندك من الشرفاء كثر لم يقال عنهم شيئاً ..
كما أن عمر عند موته لم ينص على أحداً من مجلس الشورى والذي اختارهم بنفسه ولكنه خص سعداً لتبرئته .
التعليقات مغلقة.