— اصطياف —
- ظهرت في مصر ظاهرة الساحل الشمالي، الذي يذهب له الناس في الصيف ليمضوا بضعة أيام، وهذا بعد عصر العجمي وميامي.
في الماضي كان الناس يذهبون لشرم الشيخ – مع أنها مشتى – ثم لم يعد أحد يذهب هناك تقريباً.. ثم جاءت العين السخنة.. إلخ. ثم حدث تطور طبقي في المصايف، فمنذ فترة كانت مارينا هي مملكة الوزراء والمليونيرات.. مع الوقت لم يعد أحد يتكلم عن مارينا، ويبدو اليوم أن من يصطافون هناك هم طبقة من المكافحين محدودي الدخل الذين يحتاجون لصدقة.
قررت أن أجد شاليهًا في الساحل الشمالي لأسرتي من أجل الاصطياف لمدة سبعة أيام، وبدأت عملية الاتصال بالسماسرة.. كانت هناك فرص ممتازة جدًا.. الشاليه الأول أقرب لقصر مهراجا، وهو يطل على البحر بل يقف وسطه بأعمدة من بلور وكريستال، حتى ليذكرك بالقصر الذي بناه سيدنا سليمان لملكة سبأ، بينما تتواثب الحوريات وتضرب القيان على المعازف، وتغني الطواويس لو أن الطواويس تغني.. بينما يحملك العبيد على محفة وهم يروحون عنك بمراوح من ريش النعام. سعر هذا الشاليه هو أربعة آلاف في الليلة.. قلت للسمسار أن أربعة آلاف عند مثلي هي المهر.. لا بد من شيء أقل فخامة وسعراً.. طيب يا سيدي .. هناك قرية سياحية اسمها (هستيريا) على الكيلو 444 من الساحل الشمالي، وهناك شاليهات ممتازة تظل على البحر.. مكيفة مريحة. وجوه صبوح وجيران طيبون و.. سوف تدفع ألفي جنيه في الليلة.. ضحكت كاشفاً عن أسناني، وقلت للسمسار إن ألفي جنيه ليست بالضبط ملاليم. بعد أسبوع سأكتشف أنني أنفقت أربعة عشر ألف جنيه لمجرد أن أشاهد البحر وهو يشهق ويزفر. شيء ممل فعلاً.
لسمسار الثالث كان ذا ذوق شعبي وفهمني على الفور.. هناك شاليه فاخر له حديقة في قرية (انفلونزا) الساحلية على الكيلو 666.. هناك أشياء كثيرة رائعة لكنه سوف يكلفني 1500 جنيه في الليلة.. قلت له إن المبلغ بصراحة فادح، فهرش رأسه وقال: «السبب هو أنه يطل على البحر.. بل إن البحر يدخل الغرفة ليوقظك من النوم في الصباح. هناك بؤساء حملهم الموج بعيداً وهم نائمون فلم نرهم ثانية.. البحر غدار كما تعلم. لكن لدي حلولاً أفضل… ابتعد عن البحر صفين وسوف ينخفض السعر جداً»
- «لست راغباً في أن أنام فأصحو لأجد أنني جثة غريق.. كم السعر إذا ابتعدت عن البحر؟»
- «نحو ألف جنيه في الليلة»
بدا لي هذا معقولاً.. حتى إذا تكلم الولد قليل الأدب عن أن الشاليه بعيد عن البحر حملته من أذنيه لأضعه في الماء.
لن أدفع ثروة كي يتلذذ بالماء المالح وهو يبلل أرنبة انفه.. فكر السمسار قليلاً وتناول السيجارة التي يضعها خلف أذنه وقال:
- «هناك حل أفضل هو أن تأخذ شاليه عند مدخل القرية.. آخر صف.. هذا سيكون ثمنه 800 جنيه في الليلة»
بدا لي هذا أفضل.. ما هي المشكلة في المشي خمس دقائق للبحر؟
كدت أنهي الصفقة، لولا أن قال لي سمسار آخر:
- «الأمور كلها نفسية وليس شرطاً أن تقيم في القرية يا بك.. هناك قرية صغيرة جوارها. كل ما عليك هو أن تخرج بسيارتك صباحًا لتقصد قريتك المختارة.. وهذه القرية الصغيرة لن تكلفك أكثر من 500 جنيه في الليلة»
هذه هي القاعدة.. كلما ابتعدت عن البحر رخص السعر أكثر.. الاقتراب من البحر له ثمن فادح.
لهذا جمعت أسرتي وأخبرتهم بالحل الثوري الذي توصلت له:
- «هناك سمسار أعطاني فكرة ممتازة.. لن نذهب لأي مكان.. سوف نظل في بيتنا.. وبما أن هذا معناه أننا بعيدون عن البحر جدًا، فسعر الليلة لن يتجاوز 300 جنيه..».
هذا حل عبقري.. لا يوجد تعب.. لا حقائب.. لا تنقل..
فقط تدفع 300 جنيه وأنت مستريح في بيتك. وهذا ما قررت عمله على الرغم من نظرات الدهشة والكراهية التي أحاطتني من أهل الدار.
د.أحمد خالد توفيق الأب الروحي
التعليقات مغلقة.