من مذكرات بربروس كتبها بيده
عروج يدخل في خدمة سلطان مصر قنصوه الغوري
سمع سلطان مصر بشهرة أخي فدعاه للقدوم عليه، و عندما مثل بين يديه عرض عليه الدخول في خدمته. ذلك لأن السلطان كان يريد أن يبعث بأسطول إلى سواحل الهند. و إذ وافق عروج على عرض السلطان فإن هذا الأخير قد عينه قائداً للأسطول.
كتب السلطان مرسوما ملكيا إلى والي أضنة أمره فيه بأن يرسل إلى ميناء باياس بخليج الإسكندرون ما يكفي لصناعة أربعين قطعة بحرية من الأخشاب. فأعد والي أضنة الأخشاب المطلوبة و أرسلها إلى ميناء باياس ، فخرج عروج في ست عشرة سفينة إلى باياس لأخذ الأخشاب على أن يتجه بعدها إلى مصر.
علم الرودسيون بأن عروج قد صار قائدا لأسطول سلطان مصر فراحوا يترقبون الفرصة للقضاء عليه، و عندما بلغهم مجيؤه إلى باياس قاموا بالإغارة عليه بأسطول كبير. أدرك عروج رئيس خطورة موقفه فقام بسحب جميع سفنه إلى البر. و انسحب ببحارته إلى داخل الأراضي العثمانية، حيث صرفهم إلى بلدانهم، بينما عاد هو إلى أنطاليا، و هناك أمر بصناعة سفينة ذات ثمانية عشر مقعدا أغار بها على سواحل رودس ، و لم يعط الكافرين فرصة لالتقاط أنفاسهم.
عروج يخيف الملوك
قال الأستاذ الأعظم ( لقب كان يطلق على رئيس دولة رودس في ذلك العصر ) :
” لقد ظهر قرصان يدعى عروج رئيس يملك سفينة ذات ثمانية عشر مقعدا لا يكاد ينجو منه أحد. إنه يقوم بالاستيلاء على أموالنا و إحراق بلادنا، و كثيرا ما يأسر أطفالنا و يأخذهم إلى طرابلس الشام حيث يبيعهم في أسواقها، حتى صرنا لا نقدر على ركوب البحر خوفا من شره. لقد كنت حذرتكم و قلت لكم لا تخرجوا هذا التركي من الزنزانة من تحت الأرض، لكنكم لم تسمعوا قولي فأخرجتموه و جعلتموه جدافاً في السفينة. هيا اذهبوا و تخلصوا منه بسرعة”.
انطلق الرودسيون خلف عروج في خمس أو ست قطع بحرية و راحوا يبحثون عنه في كل مكان. و أخيرا عثروا على سفينته راسية في أحد المراسي ، فقاموا بإحراقها ، إلا أن أخي تمكن من النجاة بمن معه من البحارة و عاد إلى أنطاليا.
أُخذت سفينة عروج إلى ميناء رودس و شُهر بها على رؤوس الخلائق، إلا أن عدم تمكن الفرسان من أسره و اقتياده إلى رودس أثار سخط الأستاذ الأعظم الذي صرخ فيهم قائلاً:
“نعم هذه السفينة لعروج ، لكنه ليس موجوداً فيها ” !!.
مذكرات خير الدين بربروس
في يوم من الايام من عام 1543 فرض أسطول عثماني بقيادة خير الدين بربروس حصارا بحريا على شواطئ مدينة نيس الفرنسية في حرب ضد الإمبراطورية الرومانية المقدسة (إمبراطورية هابسبرغ) في وقت كان يحتل فيه اسم بربروس مكانة بارزة في البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا. فمن هو خير الدين بربروس؟
في جزيرة ليسبوس في بحر إيجة، وهي جزء من اليونان الحالية، وتحديدا في سبعينيات القرن الخامس عشر عندما كانت الجزيرة تحت السيادة العثمانية (خضعت الجزيرة للعثمانيين بين 1462 و1912) ولد واحد من أبرز أبطال الإمبراطورية العثمانية وهو “قرصان الجزائر” الذي تحول لاحقا إلى ملك البحار، خير الدين باشا بربروس، ويعني لقبه باللغة الإيطالية صاحب اللحية الحمراء، كما ولد هناك أيضا شقيقه عروج وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
مقاومة النفوذ الإسباني
وكان الأخوان بربروس يمارسان القرصنة بالفعل في البحر الأبيض المتوسط عندما بسطت إسبانيا سيطرتها على قرطبة عام 1492 لتهزم آخر دويلة إسلامية في شبه الجزيرة الأيبيرية، فانتقل السكان المسلمون إلى شمال إفريقيا.
وفي عام 1505 كان الإسبان والبرتغاليون يتطلعون إلى تحقيق توسع إقليمي في شمال إفريقيا، فشنوا هجمات على المدن الساحلية للمنطقه
وفي ذلك الوقت كان خير الدين وعروج يمارسان القرصنة بتوجيهات من كوركود، نجل السلطان العثماني بايزيد الثاني، فكانا يعطلان حركة الملاحة الإسبانية والبرتغالية في غرب البحر المتوسط.
وبموت بايزيد الثاني عام 1512 دب صراع بين ولديه سليم وأحمد، ومع هزيمة أحمد تدفق أنصاره إلى شمال إفريقيا.
وفي ذلك الوقت أعدم السلطان سليم أخيه كوركود الذي لم يكن يثق فيه، فهرب الشقيقان بربروس إلى شمال إفريقيا ليبتعدا عن حاكم من الواضح أنه معاد لهما، وانضما إلى جهود تلك المنطقة في مقاومة النفوذ الإسباني.
وفي خلال السنوات الثلاث التالية برز اسم الشقيقين بربروس في الحملات البحرية المناوئة للإسبان والبرتغاليين في غرب المتوسط.
دولة القراصنة
وفي عام 1516 شن الشقيقان هجوما على مدينة الجزائر التي بسط عروج سيطرته عليها.
وقد اعترف العثمانيون بهذه التطورات الجارية على الأرض في شمال إفريقيا وعرضوا الدعم المالي والسياسي على الأخوين الأمر الذي مكنهما من تعزيز مكاسبهما.
ثم عرضت الدولة العثمانية منصب حاكم الجزائر على عروج ومنصب أمير البحر في غرب المتوسط على خير الدين ولكن لم يكن اندماج الشقيقين تاما في الدولة العثمانية.
وفي عام 1518 لقي عروج حتفه في قتال الإسبان الذين استعادوا السيطرة على مدينة الجزائر، وفي ذلك الوقت تقدم خير الدين، الذي حمل لقب بربروس، لقتال الإسبان وطلب مساعدة العثمانيين ونجح في السيطرة مجددا على المدينة التي تحولت تدريجيا لأول دولة للقراصنة والتي تنامى استقلالها العسكري والسياسي بمرور الزمن عن الدولة العثمانية.
وكان العثمانيون قد استخدموا الجزائر في وقت لاحق كقاعدة عمليات متقدمة لهم في غرب البحر المتوسط، وفي ذلك الوقت ارتبط بربروس رسميا بالدولة العثمانية.
وفي عام 1522 استولى السلطان العثماني سليمان القانوني على جزيرة رودس ونصب بربروس حاكما عليها.
وبعد استيلاء بربروس وقواته على تونس عام 1531 جعله القانوني الأدميرال الأكبر (قبطان باشا) للدولة الثمانية وصار يعمل رئيسا لأركان حرب البحرية العثمانية.
وكانت أعظم معارك بربروس البحرية انتصاره في بريفيزا (اليونان) عام 1538 على أساطيل فينيسا وجنوة وإسبانيا والبرتغال ومالطة ودولة البابا.التعليق على الصورة،اشتهر القراصنة بتجارة العبيد
وكان سر انتصاره اعتماده على السفن ذات المجاديف بدلا من السفن الشراعية التي تعتمد على الرياح فتمتعت سفنه بقدرة أكبر على المناورة فنجح أسطوله الذي ضم 122 سفينة في هزيمة 300 سفينة للأساطيل المعادية.
وفتح له هذا النصر الطريق لسيطرة العثمانيين على طرابلس وشرق البحر المتوسط.
وبعد ذلك شارك بربروس في عدة حملات عسكرية من بينها مساعدة الفرنسيين ضد الإمبراطورية الرومانية المقدسة (إمبراطورية هابسبرغ) عام 1543 الذي شهد حصار شواطئ مدينة نيس، وعام 1544.
أن تكون أنت والبحر والله ثالثكما، أن تكون ذي قرنين عصرك، أن تكون أمير البحار! موضوعنا ليس مقتبسًا من وحي الخيال، ولا من رواية عالمية، بل من وحي التاريخ الإسلامي، نبحر سويًا مع أميرنا – أمير البحار – إلى عالمه الذي كان فيه.
أمير البحار هو “خير الدين بربروس”، ابن لأحد البحارة الذي يدعى “يعقوب”، كان ليعقوب أربعة أبناء، خضر -وهو خير الدين- وإسحاق وإيلياس وعروج، وتعود أصول العائلة إلى ألبانيا، وفي بعض الروايات إلى تركيا.
ولد بربروس في عام 888 هـ، 1472 م، في جزيرة لسبوس في إسطنبول، اسمه الأصلي “خضر بن يعقوب“، لقبه السلطان سليم الأول بخير الدين باشا، وعرف عند الأوروبيين بـ “بارباروسا” أي ذي اللحية الشقراء، توفي رحمه الله عام 956 هـ، 1546 م.
من بحارة في التجارة إلى بحارة في سبيل الله
اشتغل خير الدين في مقتبل عمره مع والده وأخوته بالتجارة، حيث كان له سفينة يبحر بها بين سلانيك وأغريبوز، قبل أن يتحولوا إلى بحارة مجاهدين، في فترة ما بعد سقوط الأندلس وانتشار ذيول الهزيمة في المكان، وبعد كشف الإسبان عن مخالبهم بقيادة فارسهم “القديس يوحنا” في نية القضاء على كل أثر إسلامي في المنطقة.
إلا أن لله في أرضه خلفاء ومجاهدين عاهدوا الله على أن يبيعوا أنفسهم في سبيله بأن لهم الجنة، فكان بفضل الله الأخوان بربروسا – عمالقة البحرية الإسلامية – العقبة التي حالت بين الإسبان وبين تحقيق مناهم في تحقيق حلمهم بالقضاء على الدين والاستيلاء على بلاد المغرب العربي .
بداية الجهاد في سبيل الله
توجه عروج -بابا بربروس الأول كما أسموه الإسبان– برفقة أخيه “خير الدين” نحو جزيرة جربة في تونس سنة 1504م، وعقدا اتفاقًا مع أميرها “عبد الله محمد بن حسن” على أن يمنحهما ميناء حلق الوادي، ليجعلوا منه قاعدة لهم في مواجهة الإسبان على أن يأخذ خمس الغنائم التي يحوزان عليهما، والتحق بهما أخيهم “إسحاق”.
شرع “الأخوان بربروسا” يشنان غاراتهم على سواحل وسفن العدو، واشتركا في استعادة مدينة بجاية وحماية مدينتي الجزائر وجيجل، واستقرا في مدينة جيجل بعد أن اتخاذاها مقرًا لهم، ثم الجزائر في عام 1514م، واتخذا الجزائر دارًا ومركزًا للقوات العثمانية.
ونظم خير الدين بربروسا غاراته على سواحل وسفن إسبانيا والبندقية والباباوية وجنوة، بالإضافة إلى تعرضه للسفن التجارية والبحرية التابعة لكافة الدول الأوروبية التي لا تربطها معاهدة سلام مع الدوله العثمانيه أو غيرها من الدول الإسلامية، فحاز “القائد بربروسا” على غنائم هائلة، واستطاع أن يفك أسر الآلاف من المسلمين من قبضة الصليبيين، وكان يبحر إلى مدن الاندلس ويخلص المسلمين من الأسر والتعذيب ويعود بهم إلى سواحل شمال إفريقيا، وقد وصل عدد المسلمين الذي استطاع أن ينقلهم إلى 70 ألف أو يزيد ما بين 1504م و1510م، وأثار الرعب في سائر بلدان البحر المتوسط.
في عام 1516م أعلن القائد البحري عروج نفسه سلطانًا على الجزائر، وأخذا الأخوان بربروسا يزرعان الاستقرار في المنطقة، وسيطرا على عدة مدن من مدن الجزائر من قبضة السلطان الزياني الذي كان رأسًا للخيانة وشريكًا مع الإسبان في احتلال بلاده، فكان بذلك الأخوين واضعين لأسس بناء الجزائر العثمانية، التي قدر الله لها أن تعمر ما يجاوز الثلاثمئة سنة، ثم تخلى عروج عن لقب السلطان لصالح الخلافة العثمانية بأن تكون الجزائر تابعة لها، وبعث للسلطان سليم الأول الذي وافق على ذلك وضم الجزائر للدولة العثمانية، ووعد بأن يبعث جيشًا من الإنكشارية لمساندتهم.
قضى الأخوان بربروسا سنوات عدة في مواجهة العدو الإسباني والأوروبي، واستشهد الأخ إلياس، واستطاع الإسبان أن يأسروا القائد عروج، إلا أن ذو اللحية الحمراء القائد خير الدين بربروسا استطاع أن يفك أسر أخيه من قبضتهم، وواصلا جهادهما ضد أعداء الله.
ورحل عروج
وفي 1518م قضى قائدنا البحري العظيم “عروج” بعد أن صدق الله فيما عاهده عليه في معركة قرب تلمسان وأسر أخيه إسحاق، وحزن عليه من حزن ممن آواهم ونصرهم من ظلم ملوكهم، وممن هم تحت ولايته وشاهدوا على عدله. رحل وقد أغرق من سفن الإسبان ما أغرق وأسر من أساطيلهم ما أسر، رحل وبقيت سيرته شاهدةً عليه لا ينكرها أحد.
وبعض العارِ لا يمحوه ماحٍ
ما زال الصليبيين إلى الآن يصورون بابا بربروسا -كما أسموه– في أفلامهم بأنه زعيم العصابة، شبح القراصنة، ويصورون القائد خير الدين بأنه القرصان ذي اللحية الحمراء والشعر الأحمر، ذو قدم واحدة وعين مغطاة، حاولوا تشويه صورهم، لكن التاريخ ما زال شاهدًا على عظمة القادة الذين حالوا بين الصليبيين وبين تحقيق حلمهم بالقضاء على الدين والاستيلاء على البلاد، انتقل القائد عروج إلى الرفيق الأعلى وترك خلفه تاريخًا مضيئًا، وقائدًا عظيمًا تسلم الراية من بعده.
تسلم أمير البحار خير الدين بربروس الراية
القائد البحري خضر الذي أطلق عليه الأندلسيون –خير الدين-، وقيل أن السلطان سليم الأول هو من سماه خير الدين، ولقبه الأوروبيين بـ بربروسا “ذو اللحية الحمراء”، تعددت أسمائه لكن فعله واحد لم يتغير، أكمل المسير، وتسلم الراية بعد أخيه عام 1518، وشعر بأنه بحاجة إلى دعم أكثر من قبل الدولة العثمانية، فأرسل أهل الجزائر وفدًا لإسطنبول برئاسة أحد العلماء وهو “حاجي حسين” في أكتوبر 1519م يطالبون بجعل خير الدين واليًا على الجزائر وجعل الجزائر إيالة عثمانية.
وافق السلطان سليم على ذلك وبعث إلى خير الدين بالخلعة السلطانية، والراية مع 2000 جندي من الانكشارية، وأذن بأن يجمع ما يشاء من المتطوعين من سكان الأناضول لإيفادهم إلى الجزائر وتحقق ذلك. وبهذا كانت الجزائر أول إيالة تابعة للخلافة العثمانية في شمال إفريقيا، وقرأت الخطبة باسم السلطان العثماني سليم الأول. وازدهرت بلاد الجزائر في عهده خاصة من المهاجرين الأندلسيين الذين تم نقلهم إلى شمال إفريقيا، فنقلوا لها فنونهم ومهاراتهم وصناعاتهم.
تصدى خير الدين للحملة العسكرية على الجزائر التي قادها ملك صقلية في سنة 1519م، وتمكن من الاستيلاء على مدينة القل وبونة -عنابة- وقسنطينة، لكنه اضطر إلى مغادرة الجزائر سنة 1542م بعد الثورة التي قادها “ابن القاضي” بتحريض من سلطان تونس “الحفصي” الموالي للإسبان، فلجأ إلى مدينة جيجل، وتمكن من استعادة الجزائر مرة أخرى بعد ثلاث سنوات، عيّنه السلطان “سليمان القانوني” عام 1534م قبطان داريا، وبيلرباي على الجزائر، فقام بإصلاح دار بناء السفن في إسطنبول وأعد أسطولًا كبيرًا، وأغار بثمانين قطعة منه على روجيو وسبيرلونكا وفودي وغيرها من المدن الممتدة على شواطئ الساحل الإيطالي الجنوبي، ثم استولى على تونس بعد فرار سلطانها مولاي الحسن، إلا أن الإمبراطور الإسباني شرلكمان تمكن من احتلالها وإعادة السلطان مولاي حسن إلى العرش.
في عام 1538م استولى أمير البحار على 20 جزيرة من الجزر الواقعة على بحر إيجة بأمر من السلطان سليمان القانوني وإلحاقها بالدولة العثمانية، أثارت الغارات التي يشنها أمير البحار الرعب في نفوس المماليك الأوروبيين، فعقد “شارلكان” هدنة مع فرنسا، وتنادت الممالك لعقد تحالف صليبي كبير اشتركت فيه كل من إسبانيا والبابا والبندقية والبرتغال، وأعدوا حملة مكونة من 600 سفينة حربية وسفينة دعم، وتسلمت قيادتها أندوريا دوريا، فاستعد الأمير خير الدين لمواجهة التحالف، وأعد أسطول مكون من 122 سفينة، ثم اشتبك مع قوات التحالف في معركة كبيرة في خليج بروزة، انتهت بهزيمة ثقيلة للتحالف الصليبي، واستيلاء خير الدين على 36 سفينـة، و 2175 أسير، فكان من أهم نتائج هذه المعركة سيطرة العثمانيين على البحر المتوسط.
في عام 1541م، قاد الإمبراطور شرلكان بنفسه حملة كبرى على الجزائر لكنها منيت بالهزيمة كعادتها أمام أمير البحار، فقد فيها الإسبان معظم قطع أسطولهم، وعندما شن شارلكان هجمات على فرنسا طلب الملك الفرنسي “فرانسوا الأول” من الدولة العثمانية التدخل إلى جانبها في حربها ضد أسبانيا، فأرسل السلطان العثماني القائد خير الدين عام 1543م لمواجهة الهجوم الإسباني مقابل تنازل الفرنسيين للعثمانيين عن مارسيليا ﻟﻤﺪﺓ 5 ﺃﻋﻮﺍﻡ، وقاد أسطولًا مكونًا من 110 سفينة، استولى به على مدينة نيس في أغسطس من السنة نفسها، ومني شارلكان بالهزيمة مرة أخرى، وبعد أن عقد شارلكمان مع فرنسا معاهدة تصالح عاد خير الدين إلى بلاده.
وفاة أمير البحار
بقي ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺠﺎﻫﺪًﺍ حتى ﺁﺧﺮ لحظة في حياته، حتى وافته المنية في قصره المطل على مضيق البوسفور عام 956 هـ، 1546م عن عمر يناهز 65 عامًا، وخلفه ابنه “حسن آغا” في حكم الجزائر، وما زال قبره ماثلًا للعيان في إسطنبول.
ترك الأمير خير الدين بعد وفاته الكثير من الأموال والسفن والعبيد، وصى ببعضها للدولة وبعضها لابنه حسن آغا بربروس، وترك من أمواله لعبيده ورجاله ما يؤمن حياتهم، بقي معاهدًا على الخير والعطاء حيًا وميتًا، رحل أمير البحار الذي خلف أخيه القائد عروج، قضى نحبه بعد أن صدق بإذن الله في جهاده في سبيل الله، تاركًا لنا مثلًا يحتذى به على مر الزمان، وها نحن ننتظر أمير للبحار ليظهر في زماننا ليتسلم راية الجهاد ويكون خلفًا لمن صدقوا وسبقوا ورحلوا، ليصدق الله فيما عاهده عليه كأميرنا امير البحار خير الدين بارباروسا
“ذو اللحية الحمراء” رحمه الله تعالى وألحقنا به على خير.
بارباروسا في الإسلام
اتجه الإسبان بعد سقوط الأندلس في أيديهم إلى شمال إفريقيا، متطلعين إلى بسط أيديهم على تلك المناطق، فاحتلوا “المرسى” الكبير في غرب الجزائر سنة (911هـ = 1505م)، واستولوا على مدن: مليلة، والجزائر، وبجاية، وطرابلس، ووهران، وغيرها من المدن الساحلية، وكان ذلك خطرًا داهمًا هدد المسلمين في شمال إفريقيا، ولم تكن هناك قوى منظمة يمكنها دفع هؤلاء الغزاة الجدد. وأثار هذا الخطر عددًا من البحارة المسلمين من سكان تلك المناطق، فتحركت في نفوسهم نوازع الجهاد والغيرة على بيضة الإسلام، وكانوا قد خدموا من قبل في الأسطول العثماني، فتكونت لديهم خبرة جيدة بالبحر وبفنون القتال، فتعاهدوا على مواجهة الغزاة الجدد، واتخذوا من جزيرة “جربة”، التونسية مركزًا للقيام بعملياتهم الحربية في البحر المتوسط، وكان يقوم على هذه العمليات الأخَوَان “عروج” و”خير الدين بارباروسا”. وقد أثمرت سياسة هؤلاء البحارة في مهاجمة سفن الإسبان، فتوقفوا عن مهاجمة الثغور الإسلامية، وأحجمت الدول الأوروبية التي كانت تنوي انتهاج هذه السياسة. وتوج الأخوان جهودهما باستعادة ميناء “بجاية” الجزائري من الإسبان سنة (921 هـ = 1515م) ونقل عروج قاعدة عملياته البحرية إلى ميناء “حيجل” الجزائري؛ ليتمكن من توجيه ضربات موجعة للإسبان. استطاع عروج أن يقيم حكومة قوية في الجزائر، وأن يطرد الإسبان من السواحل التي احتلوها، ويوسع من نطاق دولته حتى بلغت “تلمسان”. وفي هذه الأثناء اتصل بالسلطان العثماني “سليم الأول“، وكان قد تمكن من ضم مصر إلى دولته، وأعلن طاعته وولاءه للدولة العثمانية، غير أن إسبانيا هالها ما يفعله “عروج” ورجاله، ورأت في ذلك خطرًا يهدد سياستها التوسعية، ويقضي على أحلامها ما لم تنهض لقمع هذه الدولة الفتية، فأعدت حملة عظيمة بلغت خمسة عشر ألف مقاتل، تمكنت من التوغل في الجزائر ومحاصرة تلمسان، ووقع عروج أسيرًا في أيديهم، وقتلوه في (شعبان 924 هـ = أغسطس 1518م). ولاية خير الدين على الجزائر خلف “خير الدين بارباروسا” أخاه في جهاده ضد الإسبان، ولم تكن قواته تكفي لمواجهة خطر الإسبان، فاستنجد بالدولة العثمانية طالبًا العون منها والمدد، فلبّى السلطان “سليم الأول” طلبه، وبعث إليه قوة من سلاح المدفعية، وأمده بألفين من جنوده الإنكشاريةالأشداء، ثم واصل السلطان “سليمان القانوني” هذه السياسة، ووقف خلف خير الدين يمده بالرجال والسلاح. ولم يكن خير الدين أقل حماسة وغَيْرة من أخيه، فواصل حركة الجهاد، وتابع عملياته البحرية حتى تمكن من طرد الإسبان من الجيوب التي أقاموها على ساحل الجزائر، وضمّ إلى دولته مناطق جديدة، وقادته رغبته الجامحة في مطاردة الإسبان إلى غزو السواحل الإسبانية، الأمر الذي أفزع الغزاة، وألقى الهلع في قلوبهم، ثم قام خير الدين بعمل من جلائل الأعمال؛ حيث أنقذ سبعين ألف مسلم أندلسي من قبضة الإسبان الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب، فنقلهم في سنة (936هـ = 1529م) على سفنه إلى شمالي إفريقيا. خير الدين في إسطنبول قام السلطان سليمان القانوني باستدعاء خير الدين بارباروسا إليه في إسطنبول، وعهد إليه بإعادة تنظيم الأسطول، والإشراف على بناء عدد من سفنه، ثم وكل إليه مهمة ضم تونس إلى الدولة العثمانية، قبل أن يتمكن السلطان الإسباني “شارل الخامس” من الاستيلاء عليها، وكانت ذات أهمية كبيرة لموقعها المتوسط في السيطرة على الملاحة في حوض البحر المتوسط. غادر خير الدين العاصمة العثمانية على رأس ثمانين سفينة وثمانية آلاف جندي، واتجه إلى تونس، ونجح في القضاء على الدولة الحفصية التي كانت تحكم تونس، وأعلن تبعيتها للدولة العثمانية سنة (941 هـ = 1534م). أثار هذا النصر شارل الخامس وزاده حنقًا، ورأى فيه تهديدًا للمواصلات البحرية التي تربط بين إيطاليا وإسبانيا، وانتصارًا للإسلام، وتشجيعًا لمجاهدي شمال إفريقيا على مواصلة الهجوم على السواحل الإسبانية واستنقاذ المسلمين الأندلسيين؛ ولهذا تحرك على الفور، وقاد حملة جرارة على تونس، تمكنت من الاستيلاء عليها في السنة نفسها، ورد خير الدين على هذا الانتصار بغارة مفاجئة على جزر البليار في البحر المتوسط، فأسر ستة آلاف من الإسبان، وعاد بهم إلى قاعدته في الجزائر، ووصلت أنباء هذه الغارة إلى “روما” وسط احتفالات البابوية بانتزاع تونس من المسلمين. قادة الأسطول العثماني أراد السلطان سليمان القانوني مكافأة خير الدين على جهوده وخدماته للإسلام، فعيّنه قائدًا عامًّا للأسطول العثماني، وجعل في منصبه بالجزائر ابنه “حسن باشا”، الذي واصل جهود أبيه في مهاجمة الإسبانيين في غرب البحر المتوسط. وقاد “خير الدين بارباروسا” عدة حملات بحرية موفقة، كان من أشهرها فوزه العظيم في معركة “بروزة” بالبحر المتوسط. كانت معركة هائلة تداعت لها أوربا؛ استجابة لنداء البابا في روما، فتكوّن تحالف صليبي من 600 سفينة تحمل نحو ستين ألف جندي، ويقوده قائد بحري من أعظم قادة البحر في أوربا هو “أندريا دوريا”، وتألفت القوات العثمانية من 122 سفينة تحمل اثنين وعشرين ألف جندي، والتقى الأسطولان في بروزة في (4 من جمادى الأولى 945 هـ = 28 من سبتمبر 1538م)، وفاجأ “خير الدين” خصمه قبل أن يأخذ أهبته للقتال، فتفرقت سفنه من هول الصدمة، وهرب القائد الأوروبي من ميدان المعركة التي لم تستمر أكثر من خمس ساعات، تمكن في نهايتها خير الدين من حسم المعركة لصالحه. وقد أثار هذا النصرُ الفزعَ والهلعَ في أوربا، وأعاد للبحرية العثمانية هيبتها في البحر المتوسط، في الوقت الذي استقبل فيه السلطان سليمان القانوني أنباء النصر بفرحة غامرة، وأمر بإقامة الاحتفالات في جميع أنحاء دولته. خير الدين يغزو فرنسا كانت فرنسا ترتبط بعلاقات وثيقة مع الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني؛ ولذلك لم يتأخر السلطان عن تقديم المساعدات الحربية التي طلبها منه “فرانسوا الأول” ملك فرنسا في أثناء الحرب التي اشتعلت من جديد بينه وبين الإمبراطور شارل الخامس حول “دوقية ميلان” شمال إيطاليا. كلّف السلطان القانوني قائده الباسل خير الدين بقيادة الحملة، وكانت آخر مرة يقود فيها إحدى حملاته المظفرة، فغادر إسطنبول في (23 من صفر 950 هـ = 28 من مايو 1543م) على رأس قوة بحرية كبيرة، استولت وهي في طريقها إلى فرنسا على مدينتي “مسينة” التابعة لصقلية و”ريجيو” الإيطالية دون مقاومة، ثم استولت على ميناء “أوستيا” الإيطالي، وواصلت سيرها حتى دخلت ميناء طولون قاعدة البحرية الفرنسية في البحر المتوسط، ورفعت السفينة الفرنسية الأعلام العثمانية، وأطلقت مدافعها تحية لها، ودخل الأسطول الفرنسي المكون من أربع وأربعين قطعة تحت إمرة خير الدين، وتحرك الأسطولان إلى ميناء “نيس”، ونجحا في استعادة الميناء الفرنسي في (21 من جمادى الأولى 950 هـ = 22 من أغسطس 1543م). ميناء طولون قاعدة إسلامية ونظرًا للعلاقة الحسنة التي كانت تربط السلطان سليمان القانوني بفرانسوا الأول، فقد تم عقد معاهدة بين الدولتين بعد استعادة ميناء “نيس” في (16 من جمادى الآخرة 950 هـ = 16 من سبتمبر 1543م) ، تنازلت فيها فرنسا عن ميناء طولون الفرنسي برضاها للإدارة العثمانية، وتحول الميناء الحربي لفرنسا إلى قاعدة حربية إسلامية للدولة العثمانية، التي كانت في حاجة ماسة إليه؛ حيث كان الأسطول العثماني يهاجم في غير هوادة الأهداف العسكرية الإسبانية التي كانت تهدد دول المغرب الإسلامي والملاحة في البحر المتوسط. وفي الفترة التي تم فيها تسليم ميناء طولون للدولة العثمانية أُخلي الثغر الفرنسي من جميع سكانه بأوامر من الحكومة الفرنسية، وتحول إلى مدينة إسلامية عثمانية، رُفع عليها العلم العثماني، وارتفع الأذان في جنبات المدينة، وظل العثمانيون ثمانية أشهر، شنوا خلالها هجمات بحرية ناجحة بقيادة خير الدين على سواحل إسبانيا وإيطاليا. وفاة خير الدين بارباروسا كانت هذه الحملة المظفرة هي آخر حملة يقودها خير الدين، فلم تطل به الحياة بعد عودته إلى إسطنبول، وتوفي في (5 من جمادى الأولى 953 هـ = 4 من يوليو 1546م)، مسطرًا صفحة مجيدة من صفحات التضحية والفداء والإخلاص للإسلام، وردع القوى الصليبية الباغية
ثم توفي خير الدين بربروس في القسطنطينية عام 1546. بحسب دائرة المعارف
التعليقات مغلقة.