ذُكِرَ أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة مكثَ في تفسيرِ سورة نوح وحدها فقط أكثر من 52 مجلساً أسبوعياً استمرّ لسنةٍ
- وقد ذُكِرَ أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة مكثَ في تفسيرِ سورة نوح وحدها فقط أكثر من 52 مجلساً أسبوعياً استمرّ لسنةٍ ، ولو نُظِر في أطول تفاسير اليومِ ؛ فإنّها ما بلغَ فيها الطول الذي بلغه ابنُ تيمية في تفسيره ، وذلكَ لا يكونُ عجيباً ؛ فالاستنباط من السورةِ على وجوهٍ كثيرة ، ويشمل :
1- اختلاف العلماء في طريقةِ عدّ آيها ؛ بحسب المدني ، والمكي ، والبصري ، والشامي ، والحمصي ، وتأثيرُ ذلك في التفسير والمعنى ، واختلافهم في عدّ حروفها وكلماتها ، وذلك يحتاجُ إلى مقدمةٍ في علمّ عد الآي ، ومصادره ، وكتبه ، ورجاله ، وأسباب اختلافه ، وأثر الاختلاف في التفسير .
2- ذكرُ الأحاديثِ الواردةِ في نوحٍ ، وفضله ، ومدّة إرساله ، مع بسط أسانيدِ المرويات ، وتراجم الرواةِ ، وتفنيدِ الضعيف ، وترجيح الصحيح ، والاستدراك على النقلِ بالتحقيق ، وذلك يحتاجُ إلى مقدمةٍ في علم أصول الحديث لأجل تحقيق هذه المهمّة ، وبيان أنواع الحديث ، وصوره ، وعلله ، وأمثلته .
3- ذكر القراءاتِ المتواترة والشاذة في هذه السورة ، مع توجيهِ الأصول ، وتعليل الفروش ، وبسط ذلك من كلام العرب ، وشواهدهم ، وشعرهم ، وأمثالهم ، وتأثير اختلافِ القراءاتِ في التفسير والمعنى ، وذلك يحتاجُ إلى مقدمةٍ في علم القراءات ، وبيان الأحرف السبعة ، والعرضة الأخيرة ، وبسط المرويات في ذلك ، مع تحقيقها على النحوِ الذي قرّبناهُ .
4- التطرّق لمذاهب الرّسم العثماني في السورة ، وطريقة ضبط التشكيل على مذاهب المشارقة والمغاربة ، مع ذكرِ الشواهدِ من المتونِ لكلِّ قولٍ فرعيٍّ منها ، وترجيح أحدها ، وتعليلِ الترجيح ، وتأويل الرسم لمعانيهِ وإثرائه للتفسير ، وذلك يحتاجُ إلى مقدمةٍ في علم رسم المصاحف ، وكتبه ، ورجاله ، وأسانيد هذا العلم ، وبسط خلافات المصاحف العثمانية ، والفرق بينها وبين الصحف البكرية .
5- معرفةُ غريب الآية ، أي بيان مفرداتها وكلماتها بحسب لغاتِ العرب، وتخريجها ، وتصريفاتها ، وأوزانها ، وشواهد كل ذلك من كلامهم ، وشعرهم ، ونثرهم ، وكُتبهم .
6- استيفاء أقوال الصحابة في تفسير آيات السورة ، ثم التابعين ، ثم الذين يلونهم ، مع بسط الأسانيد المُؤدّية إليهم ، وتصحيحُ ذلك وتضعيفه ، مع بيانِ علل الطريق الضعيفة ، وطرقها وشواهدها لتقويتها إن وُجدت .
7- الترجيح بين الأقوال على حسبِ قواعد الترجيح ، فيحتاج ذلك إلى بسطٍ إلى قواعد الترجيح ، وذكرِ أمثلتها ، وذكرِ العمل عند استواء المرجّحات ، وغير ذلك .
8- بيان الوجوه والنظائر في السورة ، وهو مجيء الكلمة في مواضع متفرّقة في القرآن ، يُراد من كل واحدة منها معنىً مُختلف عن صاحبتها ، وذلك يُحتاج فيه للرجوع لكلام العرب ، وشعرهم ، ونثرهم ، ومراجع العربية ، والمعاجم اللغوية ، ونسبة الأقوال إلى أصحابها .
9- بيان العام والخاصّ في الآيات ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن .
10- إعراب السورة كلمة كلمة ، مع بسطِ مذاهب البصريين والكوفيين فيها ، وامتناعاتهم ، وتخريجاتهم ، ثم تبيين الراجح والمختار ، وتفنيد القول المرجوح ، وكلّ ذلك بالرجوع للمصادر والمعاجم السابق ذكرها ، مع العزو المحقق لأصحابها .
11- بيان أسلوب القرآن في الخطاب والالتفات في هذه السورة ، مع تخريجِ ذلك ، وذكر تأثيره في المعنى ، وذكر جواز خلافهِ في العربية ، والانتصار لبلاغةِ القرآن بذكرِ الحجج اللغوية .
12- بيان لغات السورة ، واللهجات المنزّل عليها ، وتمييز الكلمات العربية عن المستعربة ، وبسطُ خلافِ ( هل يوجد في القرآن كلمات أعجمية ؟ ) ، وذكر مذاهب القوم في ذلك ، وبيان أدلتهم ، ونصوصهم ، مع عزو ذلك لمصادرهم ، ثم الترجيح بينهما ، ثم تطبيق المرجَّح على السورة .
13- بيان الإضاءات الدعوية والتعليمية من قصّة نوح ، وصفات الداعي ، وتضرعه إلى الله ، وعدم مقابلة السيئة بالسيئة ، وتنويع وسائل الدعوة ، من بسط الترغيب والترهيب ، وكل ذلك ببسط أمثلةٍ من السيرة النبوية العطرة ، ودعم ذلك بالمشاهد النبوية .
14- التطرق إلى المسائل العلمية والكونيّة في سورة نوح ، وبيان وجه الاستدلال على علم الله وقدرته بأحوال الآيات الكونية ، وبأنّ هذا العالم محدَث وُجِد على هيئة مخصوصة ، وأنّ هذه الهيئة إما أن تتولّد عن هيئة قبلها فيلزم منه التسلسل ، وإما عن لزوم الماهيّة فيقتضي تساوي الهيئات كلّها ، وإما عن ترجيحٍ بلا مرجح وهو محال ، وإما عن ترجيح فاعلٍ مُختار وهو المطلوب ، والتطويل في علم الكلام في هذا الباب .
15- استنباط المسائل الفقهية من السورة ؛ من ذكرِ أنَّ دعوةَ نوح جعلته سبباً لتوقّفه عن شفاعته للخلق ، فيبسط في ذلك مسائل الشفاعة وتعريفها وأركانها وحالاتها وشروطها ، ثم حكم الدعاء على الكافرين المخصصين ، وتتفرّع عنهم مسألة لعنِ المعيّن واختلاف المذاهب الستة في ذلك ، مع بسط أقوالهم ، وحجة الفرق ، وترجيح الأقوال ، ودعم الترجيح بالأدلة .
16- ثمّ يفتحُ مسائل الاستغفارِ الذي دعا له نوح ؛ فيذكر كيفيته ، وشروطه ، وصوره ، وفضائله ، وآثاره ، وحكمه ، ووقته ، وبسط الأحاديث والآيات الدالة عليه ، مع تفسيرها على جميعِ النحو الذي قدمناه أعلاه ، ثم بسطِ آثار السلف فيه ، مع ذكر الصحيح والضعيف منها .
17- مقارنة ما جاء في القرآن مع ما جاء في التّوراة من قصّة نوح ، وبيان مواضعِ التحريفِ والزّيغ ، ثمّ بيان اختلاف نسخ التوراة في روايتها ( التوراة العبرانية ، والتوراة السامرية ، والتوراة اليونانية ) .
18- ذكرُ التأويل الإشاري في السورة ، وما ذكرهُ ابنُ عربي الصّوفي وغيره فيها ، مع بيانِ المقبولِ منها والمردود ، وذلك يحتاج لمقدمةٍ في بسطِ أنواع التفسير الإشاري ، وشروطه ، وكتبه ، وأمثلته .
19- بسطُ أقوال الفرق المخالفةِ في تفسير هذه السورة ؛ كتفاسير الإمامية ، والأباضية ، والخوارج ، والمعتزلة ، مع بيان ما وقعَ في تفاسيرهم من لغطٍ ، وغلطٍ ، وسهوٍ ، وخطأٍ ، واستدراك ذلك ، وتصحيحه على مذهبِ أهل السنة والجماعة ، وذلك يحتاج إلى مقدمةٍ في علم أصول الكلام والعقيدة .
20- بسطُ أقوال المفسّرين بالمعقول ؛ وبيان ما خرجوا فيه عن المنقولِ ، وتصحيحُ ذلك أو تضعيفه ، وذلك يحتاجُ لمقدمةٍ في بسط أنواع التفسير ، ومذاهبه ، وحكم التفسير بالمعقول ، وشروطه ، وأمثلته ، وقواعده .
- فإن تعبتَ من مجرّد قراءتِك لما عنْوَنتُه لك من رؤوس عناوين لا غير ؛ لما استعظمتَ طولَ الكلام عن هذه السورة ، بل ربّما تستغربُ سرعة تفسيره لها في 52 مجلساً ، وأنّه كان يلزمُ من ذلك أكثر !
التعليقات مغلقة.