حق الكد والسعايه وما شروطه

سؤال وجواب ومناقشة

((حق الكد والسعاية))

يقول السائل الكريم:
ما حق المرأة في الكد والسعاية؟
قلتُ: ما المراد بهذا؟
قال: حق الزوجة في ثروة الزوج التي ساعدته في جمعها.
قلتُ: تقصد أن المرأة التي تشارك زوجها في الأعمال الخارجة عن إطار المنزل كمن تشاركه في الزراعة أو التجارة أو تربية المواشي، يحق لها أخذ جزء من ثروة الزوج؛ لأنها اجتهدت معه وشاركته في جمع هذه الثروة؟
قال: نعم، هذا ما أقصده تمامًا.
قلتُ: هذا كلام حسن ومستقيم، ويسميه بعض الفقهاء حق الكد والسعاية=نظير جهدها وكدها وسعيها وبذلها وشقاها.
قال: هل من أدلة على هذه المسألة؟
قلتُ: عموم الأدلة الآمرة بإعطاء كل ذي حق حقه وعدم أكل حقوق الآخرين.
مثل قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
وقوله جل ذكره:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء: 29].


قلتُ: واستدلوا على ذلك أيضًا بواقعة رويت عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهي: ((أن حبيبة بنت زريق أو رزق -زوجة عامر بن الحارث-، جاءت إلى «الفاروق» عمر بن الخطاب، وهي نساجة طرازة ترقم الثياب والعمائم، بينما كان زوجها تاجرًا.


وفي نزاع حول حقها بعدما مات الزوج وترك أراضي ودورا وأموالا فأخذ ورثته مفاتيح المخازن ليقتسموا الورث؛ قامت عليهم حبيبة ونازعتهم لكون هذه الأموال بفضل «كدها وسعايتها» مع زوجها، فذهت رفقة المتنازعين إلى الخليفة ليحكم بينهم بالعدل.


اختصمت حبيبة بنت زريق، ورثة زوجها لدى عمر بن الخطاب، فقضى بينهما بالشركة نصفين فحكم لحبيبة بالنصف من جميع المال جزاء كدها سعايتها ثم بالربع من نصيب الزوج باعتبارها وارثة لأنه لم يترك ولدًا)).


وأجيب: بأن على هذه القصة بأجوبة:
أولاً: لم نقف لها على سند.
وأجيب عليه: بأن علماء المالكية ربما اطلعوا على سند لها ولكنه لم يصلنا!
ورُد عليه: بأننا لا نحكم إلا بما نشهد، فلا نحكم بالصحة على غائب، قال إخوة يوسف: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: 81].
وأيضًا: الذي أوصل لنا القصة لماذا حذف الإسناد إن كان صحيحًا؟!


وأيضًا: بهذه النظرية الفاسدة سنصحح كثيرًا من الأحاديث الضعيفة والباطل؟
لأن قائل قد يقول: لماذا تضعفون هذا الحديث، وتحكمون على هذا الحديث بالوضع، فربما كان له سند صحيح لم يصلنا؟!


وهذه والله مصيب كبرى!!
ثانيًا: هذه واقعة خاصة بامرأة شاركت زوجها، وكان ما أخذته حق لها من قبيل المشاركة والدَين.
ثالثًا: تعميم هذا الأمر مع كل زوجة مرفوض؛ لأن جميع الزوجات حالهن ليس كحال هذه المرأة=لا يشاركن الرجال في الأعمال.


قال: ما أقوال الفقهاء في هذه المسألة؟
قلتُ: قال: الميلود كعواس -مؤلف كتاب: حق الزوجة في الكد والسعاية – دراسة في التراث الفقهي المالكي، وهو كتاب يقع في (144) ورقة.
((إن اهتمام الغماريين والسوسيين بما تكابده نساؤهم من مشاق، وسعيهم إلى إقرار حقها في الكد والسعاية لم يكن محط اتفاق وائتلاف،

بل اختلف فقهاؤهم في ذلك على أقوال، حصرها الدكتور الحسن العبادي في قولين، فقال: اختلفوا حول طبيعة السعاية، فمنهم من يفتي بأن للزوجة الأجرة، فيأخذ السعاة لقاء كدهم أجرًا؛ أي جزاء عملهم، فيحملها على عقد الإجارة، ومنهم من يفتي بالنصاب المستفاد، فيحمل السعاية على الشركة.
قلتُ: وهناك قول ثالث يذهب إلى التفصيل في المسألة، ورابع يذهب إلى المنع والحرمان من الأجرة، ومن الشركة))اهـ.


قال: الرجاء توضيح ما سبق بعبارة سهلة.
قلتُ: من الفقهاء من قال: ننظر للمرأة التي سعت واجتهدت مع زوجها في جمع ثروته ونعطيها نظير عملها كأجرة للعمل مثل الموظف في شركة، ومن الفقهاء من قال: تكون الزوجة شريكة لزوجها في المال بقدر جهدها وعملها.


ومن الفقهاء من قال: لا شيء لها إلا الميراث، ومن الفقهاء من قال بالتفصيل.


قال: كيف هذا التفصيل؟
قلتُ: قالوا: أحيانا يُحكم لها بالأجرة، وأحيانا يحكم لها بالشراكة، وأحيانا لا يُحكم لها بشيء.
قال: وأي هذه الأقوال أرجح لديك؟
قلتُ: أقول بأحقية المرأة في مسألة الكد والسعاية ولكن أختار التفصيل في المسألة فأقول وبالله التوفيق:


ليس لك امرأة حق في مال زوجها إلا إذا كان هناك سبب لأجله تستحق هذا المال، كأن تكون مثلاً موظفة أو لها دخل شهري خاص وهي تنفق هذا المال في بيت زوجها على نفسها وزوجها وأولادها في احتياجات تجب على الزوج، أو تكون المرأة قد ساعدت الزوج في أمور لا تجب عليها، كمعاونته في الزراعة أو تربية البهائم أو إدارة المشروعات.


وبالجملة: كل عمل تعمله المرأة لصالح زوجها وبيتها وأولادها، ولا يجب هذا العمل عليها، تستحق عليه أجرة المثل، وأجرة المثل هذه يقدرها أهل التخصص، وإذا شاركت الزوجة زوجها بمال في مشروع أو أرض أو غير ذلك، فلها النسبة التي شاركت بها، ولها نظير جهدها.


قال: هناك أعمال اختلف فيها الفقهاء، هل تستحق المرأة عليه أجرة أم لا، فعند التنازع بماذا نفتي؟
قلتُ: أذكر أمثلة لهذه الأمور.
قال: مِثل الرضاع، والخدمة، فالمرأة -عند بعض الفقهاء-


لا يجب عليها خدمة زوجها ولا إرضاع أطفالها.
قلتُ: المفتى به عندنا وجوب خدمة المرأة لزوجها بالمعروف وقدر طاقتها وبما جرى عليه عرف مثيلاتها، وكذلك المفتى به عندنا أنه يجب على المرأة إرضاع أطفال بدون أجرة ما دامت في عصمة زوجها، فإذا طُلقت صار لها الحق في المطالبة بأجرة للرضاع؛ لأن الزوج لا ينفق عليها.


قال: ما معنى قولك: وبما جرى عليه عرف مثيلاتها؟
قلتُ: كل مجتمع ووسط وطبقة لها وضعها الخاص بها، فهناك مجتمعات لا تخدم فيها المرأة، وإنما يأتيها الزوج بخادمة؛ لغناه، أو لأن مستوى المرأة يفيد هذا، فهنا على الزوج جلب خادمة لها، ولا يلزمها خدمته.


قال: وما العمل إذا تمسكت الزوجة بقول بعض الفقهاء وطلبت أجرة على خدمتها لزوجها؟
قلتُ: نقول لها: الفقهاء الذين لم يوجبوا خدمة المرأة لزوجها هم أنفسهم لم يوجبوا علاج الرجل لزوجته، فإذن كانت المرأة تريد أجرة نظير خدمتها لزوجها، فلا تطالبه بعلاجها إذا مرضت!
وأيضًا: للعرف تدخل في هذا الصدد.


قال: كيف ذلك؟
قلتُ: جرى العُرف في أكثر بلادنا أن الزوجة تخدم زوجها فإذا قررت امرأة الشذوذ ومخالفة هذا العرف، فعليها أن تبين ذلك للزوج عند عقد الزواج، حتى يكون على بصيرة من أمره.
ومثل هذا يقال للزوج الذي يرفض علاج زوجته، ويستند لقول الفقهاء!!


قال: أليس من الأولى العمل بالأعراف التي استقر عليها الناس في هذا المقام، بدلاً من إثارة هذه الموضوعات؟
قلتُ: أرى ذلك.


قال: إذن ما الخلاصة في الختام؟
قلتُ: للمرأة المكافحة التي تعاونت مع زوجها بجهدها أو مالها أو بهما الحق في أخذ نصيبها من الزوج قبل الميراث، مع الوضع في الاعتبار أن تأخذ حقها في كل عمل تعمله وهو غير واجب عليها،

فعليها الغسل والطبخ والكنس وإرضاع الأطفال وتربيتهم ويعاونها الزوج في تربيتهم، ويُلزم الزوج بالإنفاق عليها من طعام وشراب وكساء وعلاج، فإذا ساعدت في وظيفته أو أرضه أو دواره أو شركته أو أي عمل غير أعمالها المنزلية فلها الحق في الأجرة=أجرة المِثل، ولا يصح بحال تعميم مسألة الكد والسعاية كما يشاع، فقد سمعنا من يقولون:

للمرأة نصف مال زوجها؛ لمجرد الزواج ومجرد أنها بقيت معه 10 سنوات أو 15 سنة أو 25 سنة!
وهذا محض كذب وافتراء وظلم وأكل لأموال الناس بالباطل، فالمرأة التي لها حق في مال زوجها غير الميراث، هي تلك المرأة العاملة المكافحة التي عاونت زوجها وساعدت في جمع ماله، أما التي اكتفت بشؤون منزلها فقط، فمشكورة مأجورة جزاها الله كل خير، لكن ليس لها إلا الميراث،

ويستحب للزوج أن يكفأها من باب قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237].
قال: بارك الله فيك، وزادك الله علمًا وحلمًا وإخلاصًا، ورحم الله أمك، وشفى الله ولدك وزوجك.
قلتُ: اللهم آمين، رضي الله عنك وحفظ وشكر لك.

التعليقات مغلقة.