جنكيز خان وغزو الصين
…مع توسع الامبراطورية وسقوط العديد من القبائل امام تقدم جيوش جنكيز خان الزاحفة. بدأت اطماع المغول تتوسع وبدأت انظارهم تتجه الى ما شرق مملكة شيا والتي كان يقطنها اكثر من 20 مليون نسمة وتتميز بأنها اكثر غنى وذات خيرات وفيرة. وهذه المنطقة التي تعرف اليوم بجزء من الصين كانت غنية بالحرير والذهب والثروات الطبيعية مما اغرى العديد من الغازين. اما في تلك الفترة التي امتدت بها امبراطورية جنكيز خان، فقد سكنت تلك المنطقة اقوام تدعى جورشن والذين اطلقوا على انفسهم سلالة جين او ما معناه الذهبيون. وكغيرهم من سكان المناطق المحيطة فقد تبادلوا مع امبراطورية المغول التجارة وتبادلوا الحبوب واغدقوا الهدايا والاعطيات على قبائل المغول تجنبا لشرهم، او كنوع من الجزية غير المعلنة.
ولكن مع تبدل احوال الذهبيين بمرور السنين ومرور سنين قحط عليهم قلت هذه الاعطيات للمغول، وليس ذلك فحسب بل اجتاحتهم مجموعة من المشاكل السياسية اذ كانوا في خلاف مع مملكة الصين الجنوبية، بالاضافة الى مشاكل عدم الطاعة والولاء التي اقلقت الجيش البالغ تعدادة اكثر من 600 الف مقاتل، وفضلا عن ذلك فقد كان الجيش مشغولا بمقاتلة المملكة الجنوبية للصين. كل هذه المعلومات توفرت لجنكيز خان من خلال التجار الذين كانوا يتنقلون بين ممالك الصين والمناطق المحيطة، فقرر اغتنام الفرصة واجتياح مملكة الذهبيين وكانت معظم المناطق التي اجتاحتها جيوش جنكيز خان ممن انهكتها الحروب الداخلية والقلاقل السياسية. فارسل جنكيز خان 170 الف مقاتل من مقاتليه الاشداء في جيش عرمرم. . وتروي النصوص التاريخية الصينية ان جيوش جنكيز خان اجتاحت هذه الاسوار اجتياحا مذهلا كالاعاصير. ولكن كان لا بد من التغلب على الخصم بمجموعة من المعارك اذ تمترسوا في منافذ استراتيجية قرب ممر يدعى جيونغ والذي يؤدي الى العاصمة التي كانت تدعى زونغدو والتي تقع اليوم تحت المدينة بكين. وبعد معارك طاحنة ادرك احد قادة جنكيز خان الاشداء المخلصين واسمه جب ويلقب بالسهم عدم قدرته على قهر الخصم المتمترس خلف المواقع الطبيعية الحصينة، فلجأ لحيلة المغول المفضلة وتظاهر بالانسحاب والهرب، فلحقت به جيوش الخصم في محاولة للاجهاز على ما تظنه فلول جيشه، فكر عليها مرة اخرى وقهرهم بالخديعة. وبدلا من ان تتوجه جيوش جنكيز خان للعاصمة الحصينة ذات الاسوار المنيعة كما كان متوقعا، غير سير جيوشه لتحتل مناطق الوسط ذات الخيرات الوفيرة والتي ستمول جيشه وامبراطوريته لفترة طويلة. وبعد سنتين اي في العام 1214 م سير جيشه مرة اخرى تجاه العاصمة المنيعة زونغدو وقصف جدرانها بالحجارة الضخمة ودك ابوابها، فدب الذعر في امبراطور الذهبيين او Jin فعرض على قائد جنكيز خان الجزية مقابل الانسحاب وترك المدينة دون احتلالها، وعرض الذهب والثروات الطائلة بالاضافة الى اميرة من الاميرات ليتزوجها جنكيز خان. فاصبح عند جنكيز حان ستة زوجات مما حول امبراطورية المغول والعديد من الاخريات من الفتوحات الخارجية البعيدة. وقد قدمت الاميرة لجنكيز خان ومعها 500 من الخدم والجواري.
ومع ذلك كله ولسوء حظ الذهبيين فلم يكن ذلك نهاية المطاف او آخر عهدهم بالمغول، اذ انهم وبعد قرارهم بنقلهم عاصمتهم الى الجنوب بعيدا عن شر جنكيز خان وجيشه، لم يعجب ذلك جنكيز خان، واعتقد انهم يقومون باعادة بناء قوتهم لمهاجمتهم، او هكذا كانت ذريعته لمهاجمتهم، فبعد سنة واحدة اي في العام 1215م هاجمت جيوش جنكيز خان العاصمة زونغدو التي سقطت مستسلمة. ولم يكتف جنكيز خان بهذا الاستسلام، بل احدث مجزرة عظيمة راح ضحيتها ما لا يحصى من البشر الابرياء لدرجة ان احد الرحالة بعد سنوات من المجزرة قد شاهد تلة بيضاء عظيمة عن بعد فلما سأل عنها قيل له انها من عظام الذين ماتوا في مجزرة جنكيز خان. وبعد هذه المجزرة البشعة خشيت الممالك المحيطة على نفسها فبدأت الوفود تتدفق من كل حدب وصوب لعرض الجزية مقابل الامان من شر جنكيز خان وجيشه. اذ قدمت وفود من قبل كوريا ، وقد توقع جنكيز خان وفودا من الصين الا انها لم تحضر ويبدو انه لم يكن ينوي ضمها لامبراطورية المغول في الوقت الراهن على الاقل.
وبعد هذه الحملة الواسعة التي قام بها جنكيز خان عاد الى منغوليا كعادته بعد كل سلسلة من الحملات القتالية. وبدأ يفكر في بناء عاصمة لامبراطوريته، حيث توفر لديه اكثر من 30 الف بناء من العمال المهرة من قبائل شيا ، وبعض هؤلاء البنائين يعتقد انهم ممن ساعدوا في بناء قلعته المنيعة كاراكوروم والتي كانت على طريق القوافل التجارية التي تمر من خلال منغوليا. وربما كان بمخيلة جنكيز خان ان يبتني هذه المدينة الحصينة كاراوكوروم لتكون احدى المدن التي يشهد بها في الشرق، الا انها وعلى الرغم من احتوائها على قصر منيف له ، وكذلك مجموعة من القصور الاخرى لحاشيته، وكذلك خزنة عظيمة ومعابد وكنائس الا انها لم تكن بمستوى ما وصلت اليه بعض المدن الصينية كبكين . وقد دمرت هذه المدينة الحصينة من قبل الغزاة الصينيين لاحقا في القرن الرابع عشر وفي العام 1388م تحديدا.
التعليقات مغلقة.