سورة يس – تفسير السعدي
” يس “
” يس ” , سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.
” والقرآن الحكيم “
يقسم الله تعالى بالقرآن المحكم بما فيه من الأحكام والحكم والحجج,
” إنك لمن المرسلين “
إنك -يا محمد- لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده,
” على صراط مستقيم “
على طريق مستقيم معتدل, وهو الإسلام.
” تنزيل العزيز الرحيم “
هذا القرآن تنزيل العزيز في انتقامه من أهل الكفر والمعاصي, الرحيم بمن تاب من عباده وعمل صالحا.
” لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون “
أنزلناه عليك -يا محمد- لتحذر به قوما لم ينذر آباؤهم الأقربون من قبلك, وهم العرب, فهؤلاء القوم ساهون عن الإيمان والاستقامة على العمل الصالح.
وكل أمة ينقطع عنها الإنذار تقع في الغفلة, وفي هذا دليل على وجوب الدعوة والتذكير على العلماء بالله وشرعه; لإيقاظ المسلمين من غفلتهم.
” لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون “
لقد وجب العذاب على أكثر هؤلاء الكافرين, بعد أن غرض عليهم الحق فرفضوه, فهم لا يصدقون بالله ولا برسوله, ولا يحملون بشرعه.
” إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون “
إنا جعلنا هؤلاء الكفار الذين عرض عليهم الحق فردوه, وأصروا على الكفر وعدم الإيمان, كمن جعل في أعناقهم أغلال, فجمعت أيديهم مع أعناقهم تحت أذقانهم, فاضطروا إلى رفع رؤوسهم إلى السماء, فهم مغلولون عن كل خير, لا يبصرون الحق ولا يهتدون إليه.
” وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون “
وجعلنا من أمام الكافرين سدا ومن ورائهم سدا, فهم بمنزلة من سد طريقه من بين يديه ومن خلفه, فأعمينا أبصارهم; بسبب كفرهم واستكبارهم, فهم لا يبصرون رشدا, ولا يهتدون.
وكل من قابل دعوة الإسلام بالإعراض والعناد, فهو حقيق بهذا العقاب.
” وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون “
يستوي عند هؤلاء الكفار المعاندين تحذيرك لهم -يا محمد- وعدم تحذيرك, فهم لا يصدقون ولا يعملون.
” إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم “
إنما ينفع تحذيرك من آمن بالقرآن, واتبع ما فيه من أحكام الله, وخاف الرحمن, حيث لا يراه أحد إلا الله, فبشره بمغفرة من الله لذنوبه, وثواب منه في الآخرة على أعماله الصالحة, وهو دخوله الجنة.
” إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين “
إنا نحن نحيي الأموات جميعا ببعثهم يوم القيامة, ونكتب ما عملوا من الخير والشر, وآثارهم التي كانوا سببا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير, كالولد الصالح, والعلم النافع, والصدقة الجارية, ومن شر, كالشرك والعصيان, وكل شيء أحصيناه في كتاب واضح هو أم الكتب, وإليه مرجعها, وهو اللوح المحفوظ.
فعلى العاقل محاسبة نفسه; ليكون قدوة في الخير في حياته وبعد مماته.
” واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون “
واضرب -يا محمد- لمشركي فومك الرادين لدعوتك مثلا يعتبرون به, وهو قصة أهل القرية, حين ذهب إليهم المرسلون,
” إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون “
إذ أرسلنا إليهم رسولين لدعوتهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة غيره, فكذب أهل القرية الرسولين, فعززناهما وقويناهما برسول ثالث, فقال الثلاثة لأهل القرية: إنا إليكم -أيها القوم- مرسلون.
” قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون “
قال أهل القرية للمرسلين: ما أنتم إلا أناس مثلنا؟ وما أنزل الرحمن شيئا من الوحي, وما أنتم -أيها الرسل- إلا تكذبون.
” قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون “
قال المرسلون مؤكدين: ربنا الذي أرسلنا يعلم إنا إليكم لمرسلون,
” وما علينا إلا البلاغ المبين “
وما علينا إلا تبليغ الرسالة بوضرح, ولا نملك هدايتكم, فالهداية بيد الله وحده.
” قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم “
قال أهل القرية: إنا تشاءمنا بكم, لئن لم تكفوا عن دعوتكم لنا لنقتلنكم رميا بالحجارة, وليصيبنكم منا عذاب أليم موجع.
” قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون “
قال المرسلون: شؤمكم وأعمالكم من الشرك والشر معكم ومردودة عليكم, أإن وعظتم بما فيه خيركم تشاءمتم وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب؟ بل أنتم فوم عادتكم الإسراف في العصيان والتكذيب.
” وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين “
وجاء من مكان بعيد في المدينة رجل مسرع (وذلك حين علم أن أهل القرية هموا بقتل الرسل أو تعذيبهم), قال: يا قوم اتبعوا المرسلين إليكم من الله,
” اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون “
اتبعوا الذين لا يطلبون منكم أموالا على إبلاغ الرسالة, وهم مهتدون فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده.
وفي هذا بيان فضل من سعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
” وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون “
وأي شيء يمنعني من أن أعبد الله الذي خلقني, وإليه تصيرون جميعا؟
” أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون “
أأعبد من دون الله آلهة أخرى لا تملك من الأمر شيئا, إن يردني الرحمن بسوء فهذه الآلهة لا تملك دفع ذلك ولا منعه, ولا تستطيع إنقاذي مما أنا فيه؟
” إني إذا لفي ضلال مبين “
إني إن فعلت ذلك لفي خطأ واضح ظاهر.
” إني آمنت بربكم فاسمعون “
إني آمنت بربكم فاستمعوا إلى ما قلته لكم, وأطيعوني بالإيمان.
فلما قال ذلك وثب إليه قومه وقتلوه, فأدخله الله الجنة.
” قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون “
قيل له بعد قتله: ادخل الجنة, إكراما له.
” بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين “
قال وهو في النعيم والكرامة: يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي وإكرامه إياي; بسبب إيماني بالله وصبري على طاعته, واتباع رسله حتى قتلت, فيؤمنوا بالله فيدخلوا الجنة مثلي.
” وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين “
وما احتاج الأمر إلى إنزال جند من السماء لعذابهم بعد قتلهم الرجل الناصح لهم وتكذيبهم رسلهم, فهم أضعف من ذلك وأهون, وما كنا منزلين الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم, بل نبعث عليهم عذابا يدمرهم.
” إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون “
ما كان هلاكهم إلا بصيحة واحدة, فإذا هم ميتون لم تبق منهم باقية.
” يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون “
يا حسرة العباد وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب, ما يأتيهم من رسول من الله تعالى إلا كانوا به يستهزئون ويسخرون.
” ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون “
ألم ير هؤلاء المستهزئون ويعتبروا بمن فبلهم من القرون التي أهلكناها أنهم لا يرجعون إلى هذه الدينا؟
” وإن كل لما جميع لدينا محضرون “
وما كل هذه القرون التي أهلكناها وغيرهم, إلا محضرون جميعا عندنا يوم القيامة للحساب والجزاء.
” وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون “
ودلالة لهؤلاء المشركين على قدرة الله على البعث والنشور: هذه الأرض الميتة التي لا نبات فيها, أحييناها بإنزال الماء, وأخرجنا منها أنواع النبات مما يأكل الناس والأنعام, ومن أحيا الأرض بالنبات أحيا الخلق بعد الممات.
” وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون “
وجعلنا في هذه الأرض بساتين من نخيل وأعناب, وفجرنا فيها من عيون المياه ما يسقيها.
” ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون “
كل ذلك; ليأكل العباد من ثمره, وما ذلك إلا من رحمة الله بهم لا بسعيهم ولا بكدهم, ولا بحولهم وبقوتهم, أفلا يشكرون الله على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟
” سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون “
تنزه الله العظيم الذي خلق الأصناف جميعها من أنواع نبات الأرض, ومن أنفسهم ذكورا وإناثا, ومما لا يعلمون من مخلوقات لله الأخرى.
قد انفرد سبحانه بالخلق, فلا ينبغي أن يشرك به غيره.
” وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون “
وعلامة لهم دالة على توحيد الله وكمال قدرته: هذا الليل ننزع منه النهار, فإذا الناس مظلمون.
” والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم “
وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها, قدره الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه, ذلك تقدير العزيز الذي لا يغالب, العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء.
” والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم “
والقمر آية في خلقه, قدرناه منازل كل ليلة, يبدأ هلالا ضئيلا حتى يكمل قمرا مستديرا, ثم يرجع ضئيلا مثل عذق النخلة المتقوس في الرقة والانحناء والصفرة, لقدمه ويبسه.
” لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون “
لكل من الشمس والقمر والليل والنهار وقت قدره الله له لا يتعداه, فلا يمكن للشمس أن تلحق القمر فتمحو نوره, أو تغير مجراه, ولا يمكن لليل أن يسبق النهار, فيدخل عليه قبل انقضاء وقته, وكل من الشمس والقمر والكواكب في فلك يجرون.
” وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون “
ودليل لهم وبرهان على أن الله وحده المستحق للعبادة, المنعم بالنعم, أنا حملنا من نجا من ولد آدم في سفينة نوح المملوءة بأجناس المخلوفات; لاستمرار الحياة بعد الطوفان.
” وخلقنا لهم من مثله ما يركبون “
وخلقنا لهؤلاء المشركين وغيرهم مثل سفينة نوح من السفن وغيرها من المراكب التي يركبونها ونبلغهم أوطانهم.
” وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون “
وإن لا نغرقهم, فلا يجدون مغيثا لهم من غرقهم, ولا هم يخلصون من الغرق.
” إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين “
إلا أن نرحمهم فننجيهم ونمتعهم إلى أجل, لعلهم يرجعون ويستدركون ما فرطوا فيه.
” وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون “
وإذا قيل للمشركين: احذروا أمر الآخرة وأهوالها وأحوال الدنيا وعقابها; رجاء رحمة الله لكم, أعرضوا, ولم يجيبوا إلى ذلك.
” وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين “
وما تجيء هؤلاء المشركين من علامة واضحة من عند ربهم, لتهديهم للحق, وتبين لهم صدق الرسول, إلا أعرضوا عنها, ولم ينتفعوا بها.
” وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين “
وإذا قيل للكافرين: أنفقوا من الرزق الذي من به الله عليكم, قالوا للمؤمنين محتجين: أنطعم من لو شاء الله أطعمه؟ ما أتسم -أيها المؤمنون- إلا في ذهاب واضح عن الحق, إذ تأمروننا بذلك.
” ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين “
ولقول هؤلاء الكفار على وجه التكذيب والاستعجال: متى يكون البعث إن كنتم صادقين فيما تقولونه عنه؟
” ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون “
ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم إلا نفخة الفزع عند قيام الساعة, تأخذهم فجأة, وهم يختصمون في شؤون حياتهم.
” فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون “
فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في (القرن) أن يوصوا أحدا بشيء, ولا يستطيعون الرجوع إلى أهلهم, بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم.
” ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون “
ونفخ في (القرن) النفخة الثانية, فترد أرواحهم إلى أجسادهم, فإذا هم من قبورهم يخرجون إلى ربهم سراعا.
” قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون “
قال المكذبون بالبعث نادمين: يا هلاكنا من أخرجنا من قبورنا؟ فيجابون ويقال لهم: هذا ما وعد به الرحمن, وأخبر عنه المرسلون الصادقون.
” إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون “
ما كان البعث من القبور إلا نتيجة نفخة واحدة في (القرن), فإذا جميع الخلق لدينا ماثلون للحساب والجزاء.
” فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون “
في ذلك اليوم يتم الحساب بالعدل, فلا تظلم نفس شيئا بنقص حسناتها أو زيادة سيئاتها, ولا تجزون إلا بما كنتم تعملونه في الدنيا.
” إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون “
إن أهل الجنة في ذلك اليوم مشغولون عن غيرهم بأنواع النعيم التي يتفكهون بها.
” هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون “
هم وأزواجهم متنعمون بالجلوس على الأسرة المزينة, تحت الظلال الوارفة.
” لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون “
لهم في الجنة أنواع الفواكه اللذيذة, ولهم كل ما يطلبون من أنواع النعيم
” سلام قولا من رب رحيم “
ولهم نعيم أخر أكبر حين يكلمهم ربهم, الرحيم بهم بالسلام عليهم.
وعند ذلك تحصل لهم السلامة التامة من جميع الوجوه.
” وامتازوا اليوم أيها المجرمون “
ويقال للكفار في ذلك اليوم: تميزوا عن المؤمنين, وانفصلوا عنهم.
” ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين “
ويقول الله لهم توبيخا وتذكيرا: ألم أوصكم على ألسنة رسلي أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه؟ إنه لكم عدو ظاهر العداوة.
” وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم “
وأمرتكم بعبادتي وحدي, فعبادتي وطاعتي ومعصية الشيطان هي الدين القويم الموصل لمرضاتي وجناتي.
” ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون “
ولقد أضل الشيطان عن الحق منكم خلقا كثيرا, أفما كان لكم عقل -أيها المشركون- ينهاكم عن اتباعه؟
” هذه جهنم التي كنتم توعدون “
هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا على كفركم بالله وتكذيبكم رسله.
” اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون “
ادخلوها اليوم وقاسوا حرها; بسبب كفركم.
” اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون “
اليوم نطبع على أفواه المشركين فلا ينطقون, وتكلمنا أيديهم بما بطشت به, وتشهد أرجلهم بما سعت إليه في الدنيا: وكسبت من الآثام.
” ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون “
ولو نشاء لطمسنا على أعينهم بأن نذهب أبصارهم, كما ختمنا على أفواههم, فبادروا إلى الصراط ليجوزوه, فكيف يتحقق لهم ذلك وقد طمست أبصارهم؟
” ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون “
ولو شئنا لغيرنا خلقهم وأقعدناهم في أماكنهم, فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم, ولا يرجعوا وراءهم.
” ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون “
ومن نطل عمره حتى يهرم نعده إلى الحالة التي ابتدأ منها حالة ضعف العقل وضعف الجسد, أفلا يعقلون أن من فعل مثل هذا بهم قادر على بعثهم؟
” وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين “
وما علمنا محمدا الشعر, وما ينبغي له أن يكون شاعرا, ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب, وقرآن مبين لأحكامه وحكمه ومواعظه;
” لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين “
لينذر من كان حي القلب مستنير البصيرة, ويحق العذاب على الكافرين بالله; لأنهم قامت عليهم بالقرآن حجة الله البالغة.
” أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون “
أو لم ير الخلق أنا خلقنا لأجلهم أنعاما ذللناها لهم, فهم مالكون أمرها؟
” وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون “
وسخرناها لهم, فمنها ما يركبون في الأسفار, ويحملون عليها الأثقال, ومنها ما يأكلون.
” ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون “
ولهم فيها منافع أخرى ينتفعون بها, كالانتفاع بأصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ولباسا, وغير ذلك, ويشربون ألبانها, أفلا يشكرون الله الذي أنعم عليهم بهذه النعم, ويخلصون له العبادة؟
” واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون “
واتخذ المشركون من دون الله الهة يعبدونها; طمعا في نصرها لهم وإنقاذهم من عذاب الله.
” لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون “
لا تستطيع تلك الآلهة نصر عابديها ولا أنفسهم ينصرون, والمشركون وآلهتهم جميعا محضرون في العذاب, متبرئ بعضهم من بعض.
” فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون “
فلا يحرنك -يا محمد- كفرهم بالله وتكذيبهم لك واستهزاؤهم بك; إنا نعلم ما يخفون, وما يظهرون, وسنجازيهم على ذلك.
” أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين “
أو لم ير الإنسان المنكر للبعث ابتداء خلقه فيستدل به على معاده, أنا خلقناه من نطفة مرت بأطوار حتى كبر, فإذا هو كثير الخصام واضح الجدال؟
” وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم “
وضرب لنا المنكر للبعث مثلا لا ينبغي ضربه, وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق, ونسي ابتداء خلقه, قال: من يحيي العظام البالية المتفتتة؟
” قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم “
قل له: يحييها الذي خلقها أول مرة, وهو بجميع خلقه عليم, لا يخفى عليه شيء.
” الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون “
الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر الرطب نارا محرقة, فإذا أنتم من الشجر توقدون النار, فهو القادر على إخراج الضد من الضد.
وفي ذلك دليل على وحدانية الله وكمال قدرته, ومن ذلك إخراج الموتى من قبورهم أحياء.
” أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم “
أوليس الذي خلق السموات والأرض وما فيهما بقادر على أن يخلق مثلهم, فيعيدهم كما بدأهم؟ بلى, إنه قادر على ذلك, وهو الخلاق لجميع المخلوقات, العليم بكل ما خلق ويخلق, لا يخفى عليه شيء.
” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون “
إنما أمره سبحانه وتعالى إذا أراد شيئا أن يقول له: ” كن ” فيكون, ومن ذلك الإماتة والإحياء, والبعث والنشور.
” فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون “
فتنزه الله تعالى وتقدس عن العجز والشرك, فهو المالك لكل شيء, المتصرف في شؤون خلقه بلا منازع أو ممانع, وقد ظهرت دلائل قدرته, وتمام نعمته, وإليه ترجعون للحساب والجزاء.
التعليقات مغلقة.