تاريخ الدولة العثمانية 8
🔹ملخص الفقرة السابقة :
️ لم تكن قبيلة قايي التي ينتسب إليها أرطغرل هي القبيلة التركمانية الوحيدة التي نزحت نحو الغرب و استوطنت المقاطعات الحدودية للدولة البيزنطية و السلجوقية في آسيا الصغرى بل اشتركت معها في ذلك جماعات و عشائر تركمانية أخرى عديدة .
كانت التشكيلات الأولي -للعشائر التركمانية- التي سكنت الحدود الغربية للأناضول عبارة عن جماعات من الغزاة عرف کل منها باسم ” بلوك ” ، وأطلق علي كل منها اسم قائدها .
اشتركت إمارة آل عثمان مع الإمارات التركمانية الأخري في ظروف نشأتها الأولي ، حيث أخذت هذه الإمارة الفتية تتميز بالتدريج وتبرز بين بقية الإمارات الحدودية غربي الأناضول في الفترة ما بين ۱۲۸۰- ۱۳۱۰م. (*1)
وُلد عُثمان الأوَّل سنة 656هـ المُوافقة لِسنة 1258م،
والده هو الأمير أرطُغرُل غازي، عامل سلاجقة الروم على إحدى الثُغور سوغوت(*سكود) المُطلَّة على بحر مرمرة،
و أمه حليمة خاتون بنت السلطان غياث الدين مسعود بن كيكاوس سلطان سلاجقة الروم خلال فترتين زمنيتين. الأمن 1284 إلى 1308م .
في عام 656هـ/1258م ولد لارطغرل ابنه عثمان الذي تنتسب إليه الدولة العثمانية.. وهي السنة التي غزا فيها المغول بغداد .
تميز عثمان الأول بصفات قيادية ممتازة منها : الشجاعة و الحكمة ، والاخلاص و الصبر ، والجاذبية الايمانية والعدل ، و الحرص على الوفاء بالوعد ،و التجرد لله في فتوحاته ، وقد تأثر كثير من القادة البيزنطيين بشخصية عثمان ومنهجه الذي سار عليه حتى امتلأت صفوف العثمانيين منهم ….
لقد كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة بسبب إيمانه العظيم بالله تعالى واليوم الآخر ، و لم تطغ قوته على عدالته، ولا سلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة . (*2)
🔸️ وإضافة لما سبق يفسر لنا المؤرخ التركي يلماز أوزتونا الأسباب التي أدت إلى بروز و تفوق إمارة عثمان على غيرها من الأمارات التركمانية التي اشتركت معها في سكنى المقاطعات الحدودية فيقول :
كانت عشيرة قابي التي ينتسب اليها أرطغرل بك عبارة عن 400 خيمة ، لايحتمل أن يزيد عددها على.4000 شخص بمن فيهم النساء والأطفال .
وهؤلاء الذين كونوا نواة الدولة ، وانضم إلى هؤلاء فيما بعد ودخل التركمان الذين قدموا بعد ذلك تحت سيادة أرطغرل بك عندما اتسعت رقعة أرطغرل بك بالأراضي التي استولى عليها من البيزنط خلال نصف قرن ، كما اصبح من بين رعايا إمارته مسيحيون ( روم ) نتيجة الفتوحات ..
يشكل التركمان الرحل القادمون ، القلب النابض في المقاطعات الحدودية العثمانية وأمثالها ، وقد كان هؤلاء أكثر فعالية من الأتراك ذوى الثقافة الفارسية والعربية المستوطنين في المدن الكبيرة في الأناضول .
لقد كان هؤلاء التركمان محاربين جيدين ، يتلهفون إلى الجهاد والغزو ، ينتسب كل منهم إلى أحد شيوخ الطرق وإلى إحدى التكايا ، حيث تعلموا معنى جاذبية وسمو و إعلاء كلمة الدين .
كان الشيوخ والدراويش ( يسمون أحيانا الغزاة الدراويش ) المستحمسون لترويج طرق أولياء خراسان ، يقومون بتربية التركمان الذين ليست لديهم روابط وثيقة بالدين الإسلامي تربية إسلامية ويشبعونهم بالقيم التي تتمثل في تعظيم فتح الأقطار لاكتساب أراض جديدة لتوسيع رقعة دار الإسلام .
ويتم توطين هؤلاء في الأراضي التي فتحت حديثا ويتم تحريك الكتل الأكثر حيوية وحماسة وشبابا إلى أقصى
الغرب إلى نهاية الحدود .
وتحورت القصبات إلى مدن تركية إسلامية ، مركزها المسجد الذي تقام حوله مؤسسات اجتماعية مثل التكية والمكتب ( مدرسة ابتدائية ) ، والمدرسة (مؤسسة التحصيل المتوسط) ، والحمام ، والجشمة( حنفية ماء للوضوء والشرب مشيدة بشكل خاص ) .
وكان أمراء ( ولاة ) المقاطعات الحدودية يسددون ضرائب طفيفة جدا إلى البادشاه السلجوقي في قونية ومن ثم إلى إيلخان فارس في تبريز ويتلون الخطبة باسميهما ويستعملون مسكوكاتهما التي يسكانها .
كان أرطغرل غازى يتقاضى حتى من “نكفور” حاكم قلعة بيله جك الرومي خراجا سنويا . إذ لم يكن لديهم بعد السلاح الكافي لفتح قلعة . ومن المعلوم أن قواتهم كانت تعتمد في ذلك الوقت على الخيالة .
احتل عثمان بك( ۱۲۸۱ – ١٣٢٤) – وهو في سن الرابعة والعشرين على الأرجح – مكان أبيه أرطغرل الطاعن في السن .
كان عثمان بك أيضا من ولاة المقاطعات الحدودية
( أوج بك ، بالفرنسية : ماركيز Marquis) ..
وكان الوالي الحدودي الكبير ( بالفرنسية : دوق Duc) في القطاع الشمالي من الحدود البيزنطية في الأناضول الغربية : تابعا
جوبان : ألب – يورك بك ، ثم مظفر الدين يلك أرسلان بك ( ١٢٨٤ – من جوبان : ألب – يورك بك ، ثم مظفر الدين يلك أرسلان بك ( ١٢٨٤ – ۱۲۹۲ ) ،
وآخرهم ناصر الدين محمود بك ( ۱۲۹۲ – ۱۳۰۰ ) ، ثم احتل بنو جاندار مکان بنى جوبان .
ولعل هذا يفسر استكبار بنی جاندار على العثمانيين بعد ذلك ( ان بنی جاندار کبنی جوبان أما عثمان قبيلة قابي الأوغزية فقد استوطنوا في أراضيهم كأمراء عشيرة قابي ) .
أما القطاع الجنوبي للحدود البيزنطية ، فكان يتولاه في البداية بنو دانشمند كأمراء مقاطعات كبار ، ثم تولاه بنو جرميان الذين احتلوا مكانهم .
أما أمراء الحدود الصغار كبنى آيدن وبني ساروخان ، فهم أمراء ( بكات ) بني جرميان من قبيلة أوشار الأوغزية . أما كاراسى أوغللرى الذين ينحدرون من بني دانشمند ،
فقد كانوا مستوطنين في غرب بني عثمان على ضفاف آسيا من بوغاز جناق قلعة .
وقد تبع عثمان بك بني جرميان لفترة من الزمن بدلا من بني جوبان الذين فقدوا أهميتهم .
وقد كان مما زاد في أهمية واعتبار بني جرميان قيام أمرائهم ( أميرآیدن ، وأمير ساروخان ، وأمير منتشه ) بالاستيلاء على كافة ضفاف بحر ايجه من يد البيزنط ..
👌 والسؤال الآن : كيف برزت الإمارة العثمانية بين هذا العدد من أمراء المقاطعات الحدودية ؟
👌 لقد كانوا في البداية إحدى أكثر الإمارات الحدودية تواضعا ، حتى انه لم تكن بأيديهم بلدة يمكن أن تكون بمثابة مدينة .
فأية معجزة تلك التي أبرزت بني عثمان ولمعتهم كالشمس بينما لم يبق لسلالات الامارات الحدودية العديدة الأخرى من اسم ولاجسم ؟ .
👌 ان لذلك سببين رئيسيين :
▪︎السبب الأول جغرافي – سياسي :
وهو يدخل في إطار ضربات الحظ الاستثنائية التي لاتتكرر ، فقد أتاحت الظروف لأرطغرل بك وطنا في جنوب شرقی بحر مرمرة وكأنه على مدخل البيزنط ، وبذلك فقد كان أرطغرل بك أقرب أمير من حدود البيزنط ، ولم يكن سواه من الأمراء الحدوديين في مثل هذا الوضع الخطير ..
وقد أوجب هذا الوضع على العثمانية أن تتخذ الحذر الدائم ، وأن تكون على أهبة الاستعداد للقتال والجهاد والغزو في كل لحظة ، وهو موقف يبرره أن اكتساح الروم لمثل هذه الإمارة بوضعها الجغرافي كان يسهل من اكتساح غيرها من الإمارات
▪︎والسبب الثاني :
هو الخصائص الجسمية والنفسية لارطغرل بك ونسله الذي جاءوا من أخلاط إلى دومانيج . ونحن لانكاد نجد لدى الإمارات التركمانية في الأناضول الغربية عسكريا وإداريا داهية بالمعنى التام عدا آيدن أوغلو أومور بك ، أما الآخرون فلا يزيدون على كونهم قادة يقومون بأداء واجباتهم على الوجه الأكمل .
▪︎وإضافة إلى ذلك فإن السلالة العثمانية ، قد أنجبت دهاة متعاقبين ، وكل حاكم اعتلى العرش تفوق على من كان قبله بامكاناته وخصائصه ، كما تميزوا بالقدرة على التخطيط والحركات العسكرية المحسوبةالتي كانت تستهدف كل منها هدفا معينا ، وأيضا قاموا بتنظيم أنفسهم في تشكيلات جيدة جدا ، ولقنوا رعاياهم الاعتماد الكبير على أنفسهم .
كان عثمان غازي الذي خلف أباه في اعتلاء إمارة المقاطعة الحدودية تابعا في البداية لجوبان أوغلو ( قسطموني ) ، ثم للسلطان السلجوقي من خلال جرمیان أوغلو ( كوتاهية ) ، الذي كان تابعا بدوره لإيلخان فارس .
واننا لنجد في الحقيقة أن البادشاه السلجوقي قد فقد في هذه الفترة القدرة الفعلية على تسيير الأمور ، وكان إيلخان يسير اعماله بواسطة الولاة العاملين الذين هم في الوقت ذاته قادة عامون يعينهم في الأناضول ، وكان على الأمراء الحدوديين – ومن بينهم عثمان بك – على أن يرسلوا الجند في حالة طلب والى إيلخان ذلك .
ازدادت أهمية عثمان بك قبل مضى 10 سنوات من فتح قره جه حصار قرب اسکيشهر في ١٢٨٨ أو ١٢٩١ ، وجعلها قاعدة له وأمر بتلاوة الخطبة باسمه .
وبطبيعة الحال ، فإنه كان يذكر أولا اسم الخليفة العباسي في مصر ، ثم ايلخان المقيم في تبريز ثم البادشاه السجلوقي في قونيه ثم اسم عثمان بك .
وفي كانون الثاني 1300 ، أرسل السلطان السجلوقي علاء الدين كيقباد الثالث إلى عثمان غازی علامات السلطنة كالطبل ، والعلم ( الراية ) وشارة الرأس ( طوغ ) .
وبذلك أصبح عثمان بك – بصورة رسمية – أمير مقاطعة حدودية كبيرا ( بيوك اوج بك ) . ( بالفرنسية : دوق Duc) ، لايفوقه في وضعه هذا أي أمير حدودي آخر .
وفي هذه الفترة كان عثمان بك تابعا لسلجوق أوغلو بصورة مباشرة ، ثم تابعا لايلخان في تبريز بصورة مباشرة بعد وفاة البادشاه السلجوقي الأخير مسعود الثاني بعد ۱۳۰۸ وحتى 1335 حقق عثمان بك في هذه الفترة انجازات ضخمة ، فقد هزم نكفور ( والی ) بورصة البيزنطي الذي سار اليه بـ 5000 جندي في الحرب الميدانية قويونحصار ( ۲۷ / ۷ / ۱۳۰۲ ) وأصبح اسمه مشهورا لدى البيزنط .
على الرغم من أن عثمان بك كان يستهدف بورصة فإنه أسس في عام 1301 قصبة ينيشهر على طريق ايزنك – بيله جك ، واتخذها قاعدة مؤقتة له لفترة من الزمن .
وبكل المقاييس فإن عثمان بك يعتبر مؤسسا للسلالة ، ولايقدح في ذلك أنه لم يسم خانا أو سلطانا إلا بعد وفاته ، حيث إنه لم يلقب حال حياته بغير بك( أمير ) وان كان من المعروف أنه لقب بألقاب أخرى مثل فخر الدين ومحيى
الدين .
ومن الأمور التي ينبغى أن تذكر أن العثمانية قد قدمت عددا كبيرا من أمرائها شهداء في حروبهم مع البيزنط ، ومن بين هؤلاء الشهداء كوندز ألب بك( المسمى باسم جده ) أخو عثمان بك الذي استشهد في عام 1306 ، والأخ الآخر لعثمان بك والمسمى “غازی صار يباطي صاوجي بك” الذي استشهد في عام ١٢٨٨ ، وابنه بكخوجة بك الذي استشهد في عام ١٢٨٧ .
بلغت مساحة الإمارة التي تركها عثمان غازي في ١٣٢٤ ، 16000 كم فقط .
وإذا ماوضعنا في الاعتبار أن أبا عثمان بك ترك له 4800 كم من الأراضي فإن 16000 كم التي تركها عثمان بك تعادل تقريبا 5 / 3 أضعاف مساحة الإمارة التي تركها أبوه .
ومن الأمور التي تلفت النظر أن فتوحات عثمان بك كانت ذات أهداف ومغزى ، فشمالا وصل إلى الضفة الشرقية من نهر سقاريا واقترب كثيرا إلى مدخل النهر والبحر الأسود .
وفي الغرب نفذ إلى البحر حيث استولى من البيزنط على الضفاف الجنوبية لبحيرة ايزنك وكذلك أخذ الضفاف الشرقية لبحيرة اولوباد (Apolont) ونفذ إلى بحر مرمرة بعد أن ظفر على الضفاف الجنوبية لخليج كملك ورصيف مودانيا الذين يقعان بينهما في منطقة متوسطة .
(و تعتبر إيزنك أهم مدينة للبيزنط في الأناضول تقع على الحدود العثمانية ) .
ولقد كان عثمان بك استراتيجيا بعيد النظر حيث وجه فتوحاته إلى البيزنط باعتبار أن كل فتح يناله سيزيد من قوته .
كما أنه في نفس الوقت تحاشی بكل جهده التصادم مع جيرانه أمراء الأناضول المحيطين به كإمارة جيرمان أوغلو
القوية التي كانت تغطى كامل جنوب امارته ، وكأمارة جمهوية آخى شرقا في أنقرة التي كانت تحت نفوذ وحماية إمارة قره مان المقتدرة ، وكأمارة جاندار أوغللرى التي تقع الى الشمال الشرقي من إمارته ، وأراضي كاراسي أوغللرى الواقعة غربا .
وعلى الرغم من أن كل هذه المنطقة كانت تشكل مجالا ملائما للانتشار العثماني من حيث الخروج إلى البحار المفتوحة فإن عثمان بك ، لم يمسها .
من فتوحات عثمان بك اسكيشهر فی ۱۲۸۸ ، بیله جك في ١٢٩٩ ( أو١٣٠٤ ) ، وفي العام نفسه اينه كول ، ومودانيه في ۱۳۲۱ ،
حاصر عثمان بك بورصة سنوات عديدة . ولم يكن في ذلك الوقت يملك الأسلحة الكافية لاسقاط هذه القلعة بالقوة ، ومات قبل استسلامها ، ولو تم له فتحها لكان بذلك قد حصل على مدينة وقاعدة حقيقية .
وبالنسبة للتقسيمات الإرادية الحالية فإن الدولة التي تركها عثمان بك عبارة عن : ولاية بيله جك ، وقضاء اسكيشهر المركزي ، واقضية كيفه ، وآقيازي ، وخندق التابعة سقاريا ، وقضاء دومانج في كوتاهية ، واقضية مودانيه ، وينيشهر ، وأينه كول في ولاية بورصة . (*3)
🔸️️ كانت حياة الأمير عثمان مؤسس الدولة العثمانية، جهاداً ودعوة في سبيل الله وكان علماء الدين يحيطون بالأمير ويشرفون على التخطيط الإداري والتنفيذ الشرعي في الإمارة ….
وقد حفظ لنا التاريخ وصية عثمان لابنه أورخان وهو على فراش الموت سارت عليها الدولة العثمانية فيما بعد .
يقول عثمان في وصيته:
( يابني: اياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين مؤئلاً.
يابني: أحط من أطاعك بالأعزاز. وأنعم على الجنود، ولا يغرنك الشيطان بجندك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة.
يابني: إنك تعلم أن غايتنا هي أرضاء الله رب العالمين، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضات الله جل جلاله.
يابني : لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالاسلام نحيا وللاسلام نموت، وهذا ياولدي ما أنت له أهل)….(*4).
وفي كتاب (التاريخ السياسي للدولة العلية العثمانية) تجد رواية آخرى للوصية: (اعلم يابني ، أن نشر الاسلام ، وهداية الناس إليه، وحماية أعراض المسلمين وأموالهم، أمانة في عنقك سيسألك الله عز وجل عنها)….(*5).
وفي كتاب مأساة بني عثمان نجد عبارات أخرى من وصية عثمان لابنه أورخان تقول: (يابني ، أنني أنتقل الى جوار ربي ، وأنا فخور بك بأنك ستكون عادلاً في الرعية، مجاهداً في سبيل الله، لنشر دين الاسلام.
يابني ، أوصيك بعلماء الأمة، أدم رعايتهم، وأكثر من تبجيلهم، وانزل على مشورتهم، فانهم لايأمرون إلا بخير.
يابني ، اياك أن تفعل أمراً لا يرضى الله عز وجل ، واذا صعب عليك أمر فاسأل علماء الشريعة، فانهم سيدلونك على الخير.
واعلم يابني أن طريقنا الوحيد في هذه الدنيا هو طريق الله، وأن مقصدنا الوحيد هو نشر دين الله، وأننا لسنا طلاب جاه ولا دنيا)…..(*6).
وفي التاريخ العثماني المصور، عبارات اخرى من وصية عثمان تقول:
(وصيتي لابنائي واصدقائي ، اديموا علو الدين الاسلامي الجليل بادامة الجهاد في سبيل الله.
أمسكوا راية الاسلام الشريفة في الاعلى باكمل جهاد. أخدموا الاسلام دائماً؛ لان الله عز وجل قد وظف عبداً ضعيفاً مثلي لفتح البلدان. اذهبوا بكلمة التوحيد الى اقصى البلدان بجهادكم في سبيل الله ومن انحرف من سلالتي عن الحق والعدل حرم من شفاعة الرسول الاعظم يوم المحشر.
يابني : ليس في الدنيا أحد لا يخضع رقبته للموت وقد اقترب اجلي بأمر الله جل جلاله اسلمك هذه الدولة واستودعك المولى عز وجل. اعدل في جميع شؤونك….)….(*7 ).
لقد كانت هذه الوصية منهجاً سار عليه العثمانيون، فأهتموا بالعلم وبالمؤسسات العلمية وبالجيش، وبالمؤسسات العسكرية ، وبالعلماء واحترامهم، وبالجهاد الذي أوصل فتوحاً الى اقصى مكان وصلت إليه رايته جيش مسلم وبالامارة وبالحضارة) …(*8 ).
ونستطيع أن نستخرج الدعائم والقواعد والأسس التي قامت الدولة العثمانية من خلال تلك الوصية :
🔹️1 – يابني اياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين .
إنها دعوة الى الالتزام بشرع الله في كل صغيرة وكبيرة، وبحيث يكون حكم الله وأمره مهيمناً على كل شيءوهذا التوجيه من عثمان لابنه كفرد وكرئيس لدولة وفي طياته معنى كون العبادة لها أصلان:
▪︎احدهما : أن لا يعبد إلا الله،
▪︎والثاني : أن يعبد بما أمر وشرع . ….. (*9).
(لقد كانت نشأتها إسلامية ، خالصة، مشبوبة بإيمان عميق، متوجهة الى أهداف عقائدية). …..(*10).
🔹️2 – إذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين مؤئلاً .
وهكذا نرى الأمير عثمان يسبق كثير من العلماء والمفكرين المعاصرين في ذهابه إلى أن الشورى ملزمة للحاكم ويأمر إبنهأورخان بالنزول عند رأي العلماء لكونهم لايأمرون إلا بخير.
لقد ساهمت الشورى في بناء الدولة العثمانية وتماسك رعاياها وعززت السلطان السياسي والجهادي والدعوي للدولة .
ما زلنا نكتب في الفقرة فنرجو إعادة الإطلاع بعد قليل
🔹️ 3 – يابني أوصيك بعلماء الأمة، أدم رعايتهم وأكثر من تبجيلهم .
كان عثمان على صلة متينة مع كبار العلماء والفقهاء وكبار الصالحين في عهده وكثيراً ما يجلس الساعات الطوال بين أيديهم ويتلقى مواعظهم ويستفيد من علمهم ويشاورهم في أمور الدولة ..وكان يتردد على المولى الشيخ ( إده بالي) القرماني المولد وقد زوجه ابنته بسبب رؤيا :
( كان في أحد الأيام يبيت عنده، فرأى في المنام قمراً خرج من حضن الشيخ ودخل حضنه، وعند ذلك نبتت شجرة عظيمة سدت أغصانها الآفاق، وتحتها جبال عظيمة تتفجر منها الأنهار، والناس ينتفعون بتلك الأشجار لأنفسهم ودوابهم وبساتينهم، فقص هذه الرؤيا على الشيخ فقال: لك البشرى، بما نلت مرتبة السلطنة، وينتفع بك وبأولادك المسلمون، وإني زوجت لك ابنتي هذه ..(*11).
🔹️ 4 – النقطة الرابعة فى وصية عثمان :
( اعلم يابني ، أن نشر الإسلام وهداية الناس إليه وحماية أعراض المسلمين وأموالهم، أمانة في عنقك سيسألك الله عزوجل عنها )…. (*12).
لقد فهم عثمان الأول – رحمه الله – أن دين الإسلام، دين دعوة مستمرة، لاتتوقف حتى تتوقف الحياة البشرية ؛ وأن من أهداف الدولة الإسلامية دفع عجلة الدعوة إلى الأمام ليصل نور الإسلام إلى كل إنسان. 👍
إن الدولة العثمانية كانت ترى من مسؤلياتها القيام بوظيفة الدعوة ونشرها في أرجاء الأرض وربط السياسة الخارجية على الأسس الدعوية العقدية، قبل بنائها على الأسس المصلحية النفعية، ….
🔹5 – يابني أحط من أطاعك بالإعزاز ، وأنعم على الجنود…… (*13)
إن أمة الاسلام تحتاج لكي تقوم بمهمتها في هداية الناس للخير الى أن تكون صالحة في نفسها، مصلحة لغيرها، فهي الشهيدة على الأمم لأنها أمة الوسط.
وهناك حقوق متبادلة بين الراعي والرعية، والحاكم والمحكوم، ومن وصية عثمان -رحمه الله- لابنه يبين له حق الرعية على الحاكم …
ولقد حرص العثمانيون كحكام على تنفيذ حقوق الرعية ومن أهم هذه الحقوق التي قاموا بها :
▪︎ العمل على الإبقاء على عقيدة الأمة صافية نقية.
▪︎ بذل الأسباب المؤدية الى وحدة الأمة.
▪︎ العمل على حماية الأمة من أعداء الخارج.
▪︎ أن يعمل الولاة على حماية الأمة من المفسدين والمحاربين.
▪︎ إعداد الأمة إعداداً جهادياً.
▪︎ حفظ ماوضعت الشريعة لاجله.
▪︎ تحصيل الصدقات وأموال الزكاة والخراج والفيء وصرفها في مصارفها الشرعية.
▪︎ تحري الأمانة في اختيار ارباب المناصب.
▪︎ اعطاء حقوق الرعية وما يستحقونه في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير .
▪︎ الإشراف المباشر على سير الأمور بين الرعية في كل النواحي الأدارية التي تتعلق بما يصلح أحوالهم…. (*14).
🔹6 – ولايغرنك الشيطان بجندك ومالك ….. ….. (*15)
وهذه المعاني يعيشها من فهم القرآن الكريم وتأثر به، وتأمل في سير الانبياء والمرسلين والمصلحين، لأنه يعلم أن التوفيق من الله تعالى وليس بالجند ولا بالمال..
إن من أعظم صور الذكر أن يتذكر العبد فضل الله عليه ، فيستشعر أن فضل الله عليه عظيم ؛ فيتواضع ويعدل ويذكر ويشكر.
وهكذا كانت وصية عثمان لابنه يحذره فيه من الشيطان ومسالكه ومداخله ويدعوه الى الاحتراز من كيده.
(1) تاريخ الدولة العثمانيةالنشأة والإزدهار ” وفق المصادر العثمانية المعاصرة والدراسات التركية الحديثة” دكتور سيد محمد السيد محمود .أستاذ التاريخ والحضارة العثمانية المساعد كلية الآداب – جامعة الإسكندرية .الناشر مكتبة الآداب دار الأوبرا القاهرة ٢٠٠٧ . (2) انظر الدولة العثمانية عوامل النهواض و أسباب السقوط د. على الصلابي ..فصل عثمان ابن أرطغرل ، وانظر محمد حرب العثمانيون في التاريخ و الحضارة .
(3) يلماز أوزتونا ص ٨٨- ٩٣ [تاريخ الدولة العثمانية ، ترجمة عدنان محمود سلمان مراجعة وتنقيح دکتور: محمود الانصاری ، المجـلد الأول ط تركيا استانبول ـ ۱۹۸٨] (4) العثمانيون في التاريخ والحضارة، د.محمد حرب، ص16.
(*5؛ *6) انظر: جوانب مضيئة من تاريخ العثمانيين ، ص21. و ص3.
(7) انظر: السلاطين العثمانيون ، ص33. (8) انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة ، ص26.
(9) مجموع الفتاوي (10/173). (10) المسألة الشرقية ، محمود ثابت الشاذلي ، ص54
(11)انظر: قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين، د.زكريا سليمان بيومي، ص51، 52، 53. (12) الحكومة الاسلامية ، ص 94. وانظر الدولة العثمانية .. على الصلابي ص75-67
(13) العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص16. (14) انظر: الحاكم والمحكوم في خطاب الوحي (2/315 الى 323).
(*15)انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة ، ص16.
وانظر الصلابي المرجع السابق ص84-78
☆☆ وانظر الدولة العثمانية من النشوء إلى الإنحدار خليل إينالجيك .
☆و انظر: الدولة العثمانية ، د.جمال عبدالهادي ، ص4.
تابعوا #تاريخالدولةالعثمانية_جواهر [8]
التعليقات مغلقة.