تاريخ الدولة العثمانية 2
يقول الدكتور محمد حرب في مقدمة كتابه ” العثمانيون في التاريخ و الحضارة ” ما يلي :
《 ودولة العثمانيين أطول دولة في التاريخ – *نظنه يقصد الإسلامي- ، ولا يطول عمر الدول إلا بحضارة وعدل، وحضارة العثمانيين هي ذروة تطور الحضارة الإسلامية، وهم جديرون بالإهتمام وتاريخهم من الأهمية بمكان عظيم ، وهو موصول بعهد طويل من تاريخ الشرق العربي .
بدأ الاهتمام بتاريخ العثمانيين وحضارتهم في أوروبا في القرن السادس عشر في معاهد الاستشراق والجامعات الأوروبية، عندما أرادت الدول الغربية – أثناء صراعها الطويل مع العثمانيين الذين تقدموا في أوروبا تقدما أفزعها ولم تره أوروبا من دولة إسلامية من قبل – أن تدرس هذا العدو العملاق – أي العثمانيين – لذلك نشأت دراسات العثمانيين في أوروبا، عدائية للإسلام وبالتالي للعثمانيين، بغية فهم الدولة العثمانية لتقويض دعائمها، حتى يرتاح الغرب ويسود – هو- في الشرق.
ثم وفد الطلاب المبتعثون من العالم الإسلامي إلى الجامعات الأوروبية ومعاهد أوروبا للتحصيل، وحصلوا – ضمن ما حصلوه – تاريخ العثمانيين وحضاراتهم؛ وبالتالي حملوا أيضا عداء العثمانيين. ورجع هؤلاء الطلاب إلى بلادهم ليدرسوا تاريخ العثمانيين وعداء العثمانيين، وتناقلت عدة أجيال مسلمة، هذا العداء، حتى الآن، دون أن يفطن أحد إلى الأصل في هذه المسألة .
يقول الأستاذ الجليل الدكتور نهاد جنين مدير معهد الدراسات الشرقية.ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة إستانبول :
{ إذا كانت أوروبا وإيران وروسيا والدول الاشتراكية تعادي العثمانيين لأنهم عملوا على إعلاء كلمة الله ونشر الحضارة الإسلامية، فالمثير للعجب أن تعادي بعض البلاد الإسلامية، العثمانيين }
وحدثني الزميل مازن مطبقاني أن أستاذه في المرحلة الجامعية قال :
{ ولقد كان بطل الموقف الحقيقي في فتح القسطنطينية هو الإمبراطور قسطنطين، لما تمتع به من تضحية وشجاعة !!}
واحتج مازن مطبقاني على ذلك بقوله :
{ كان الأولى باستاذنا الكريم أن يبرز دور محمد الفاتح لأنه كان هو البطل الحقيقي لما تمتع به من عبقرية سياسية وعسكرية وقيادية ! }
إن معاداة العثمانيين قضية يحمل لواءها في البلدان العربية وغير العربية أصحاب المذاهب المعادية للإسلام، والسبب : هو- إسلامية الدولة العثمانية، لذلك لا يناصر تاريخ العثمانيين وحضاراتهم إلا هؤلاء الذين آمنوا بالإسلام تاريخا وحضارة.
هؤلاء وأولئك يحتاجون إلى معرفة تاريخ العثمانيين وحضارتهم معرفة صحيحة، وهو ما أعتقد أنني أحاول عمله.
وهذا هو هدف الكتاب الذي بين أيديكم الآن…
التوقيع : د. محمد حرب 》 (*1)
ويقول الدكتور محمد سهيل طقوش في مقدمة كتابه ” تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الإنقلاب على الخلافة “
يقول ما يلي :
《 وظلت الدولة العثمانية، منذ نشأتها، تشكل، بالنسبة لأوروبا مشكلة كبرى؛ لقد وقفت، في بادئ الأمر، ضد الخطر الصليبي الذي أخذ يتجدد على بلاد المسلمين، ومثلت أقوى وأنجح مقاومة ضد أوروبا الآخذة بالتوسع باتجاه الشرق، خلال
القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ثم ما لبثت أن إعترضت المشروعات الإستعمارية الأوروبية والمحاولات الصهيونية في الولايات العربية والإسلامية ؛ …
وحين ضعفت – الدولة العثمانية- أثارت – أوربا – التنافسات الدولية فيما عرف بالمسألة الشرقية ؛ وظل الأوروبيون يعدونها العدو الأكبر للنصرانية وكابوسا يخيم على صدر أوروبا، ويحول دون التطور التاريخي، ونقطة سوداء تلطخ قيم الحضارة الغربية .
والحقيقة أن الخلافة الإسلامية، التي تمثلها الدولة العثمانية، كانت الهدف الكبير الذي ظل يلفت أنظار أوروبا، وراح الأوروبيون ينفثون سموم حقدهم للقضاء عليها بوسائل كثيرة وطرق متعددة، أهمها الغزو الفكري الذي ضلل عددا من مؤرخي الشرق الذين استندوا، في تفسير الأحداث وتحليلها، على أسس بعيدة عن الموضوعية، والغزو العسكري الذي شغل حيزا كبيرا من تاريخها .
من أجل ذلك، تعرضت الدولة العثمانية إلى حملات عنيفة ظاهرها محاربة الظلم والفساد، وباطنها التشهير بها والنيل منها، وصولا إلى سلخ – يقصد فصل – الشعوب التابعة لها بهدف تفتيت وحدتها ومن ثم القضاء عليها ؛ وقامت بهذه الحملات قوتان معادیتان للإسلام هما الاستعمار الأوروبي والصهيونية ..
بدأت القوة الأولى إهتمامها بتاريخ العثمانيين في القرن السادس عشر في معاهد الاستشراق والجامعات الأوروبية، عندما أراد الأوروبيون التعرف على تاريخ هؤلاء الذين اجتاحوا شرقي أوروبا ووسطها وخاضوا صراعا مريرا معهم، لذلك نشأت الدراسات الأوروبية المعادية للعثمانيين وللإسلام،..
وبدأت القوة الثانية إهتمامها بتاريخ العثمانيين بدءا من القرن التاسع عشر وشاركت الدول الأوروبية في سياستها
الرامية إلى تفتيت وحدة الدولة العثمانية والقضاء عليها .
لقد حفلت كتب التاريخ، بالإضافة إلى كتب الأدب والبحوث العلمية ومجموعات الوثائق التي نشرتها الحكومات الأوروبية، بدءا من النصف الأول من القرن العشرين، بالعديد من الأوصاف والتصريحات الرسمية التي جعلت التاريخ العثماني
ظاهرة تاريخية فيها الكثير من التحامل، واستقرت في أذهان الأجيال المتعاقبة، على مختلف مستوياتها ، صور قاتمة عن الدولة العثمانية، واقترن ذکر ما في قلوبهم وفي أذهانهم بمظالم ومحن تكدست علی صدورهم، …
هذا في الوقت الذي روج فيه الاستعمار الأوروبي والصهيونية أن الدولة العثمانية تسير في الاتجاه الخاطئ في عالم كان ينشد ويطبق العدالة والمساواة، ووجد كتاب ومؤرخون رددوا، عن جهل أو تجاهل، تلك الآراء الخاطئة عنها ، وبخاصة على الصعيد العربي .
لقد تناول المؤرخون الدولة العثمانية في كتاباتهم باهتمام بالغ، لكن الكثير منهم تحامل عليها بإيحاء خارجي أو ذاتي ينم عن حقد دفين، لا لشيء، إلا لكونها تحمل شعار الإسلام،..
إلا أن مثل هذه الأحكام لا تتماشى مع الحقائق التي تبينها
الدراسة الموضوعية، ولا مع الملاحظة المتأنية لما خلفه العثمانيون من آثار مادية وسياسية واجتماعية تنفي أنهم كانوا مجرد محاربين مجردين من أي قيم حضارية ..
والملاحظ أن هذه النظرة المتحاملة قد إنتقلت إلى تركيا الحديثة التي قامت على أنقاض الدولة العثمانية لتهاجم بشدة الماضي العثماني،…
على أن هذه النظرة التحاملية للتاريخ العثماني والدولة العثمانية، أخذت تضمحل في أوروبا وفي تركيا في أعقاب
الحرب العالمية الثانية وبدأ يشوبها بعض الأتزان و الموضوعية .
إن العودة إلى الأصول التاريخية العثمانية، التي كتبت قبل القرن العشرين تسمح لنا بالقراءة الموضوعية لتاريخ هذه الدولة التي جمعت بين الشعوب الإسلامية في إطار يعتمد المساواة بينهم، من دون تفريق في الجنس واللون، ويعتمد المساواة بينهم وبين أتباع الأديان الأخرى في تطبيق مبادئ الشرع الإسلامي.
فالدولة العثمانية هي التنظيم السياسي الوحيد، في العصور الوسطى والحديثة، الذي اعترف رسميا بالأديان السماوية الثلاثة وحقق بينها تعایشا تميز بالانسجام .
وإذا كان قد اعترى الحكم العثماني في بعض مراحله زلات ارتكبها بعض السلاطين أو القيمين في مدد زمنية متقاربة أو متباعدة، فإن تاريخ هذا الحكم يبقی، على الرغم من ذلك، جزءا من تاريخ العالم الإسلامي، ولا يمكن فصل الانتصارات
التي حققها والأمجاد التي بناها عن المبادئ الإسلامية التي كانت المحرك الأول للمسلمين عبر القرون لتحقيق الانتصارات العسكرية والحضارية ..
وإذا كان تاريخ الدولة العثمانية قد تكاثرت حوله الافتراءات فليس معنى ذلك أن المسؤولين عن حكم هذه الدولة كانوا مثاليين، فلكل دولة مزايا تذكر لها ومآخذ تسجل عليها .
لقد أحرزت الدولة العثمانية بإسم الإسلام إنتصارات باهرة، واجتاحت جيوشها أقاليم شاسعة في جنوب شرقي أوروبا و وسطها، ووصلت في فتوحها إلى فيينا عاصمة النمسا، وهي أقاليم لم تخضع قط من قبل لحاكم مسلم، وقامت بدور هام
في نشر الإسلام في ربوع هذه الأقاليم …
وانتابت الحكومات الأوروبية موجة من الهلع من اندفاع الدولة الإسلامية باتجاههم، ما دفعها إلى التكتل في محاولة لدرء الخطر عنها في موجات تنادت إليها البابوية وأسهمت فيها دول أوروبية عديدة، وتبادلت الدولة -العثمانية – مع أعدائها الإنتصارات والهزائم بحيث لم تترك هذه الدول الأوروبية فرصة للدولة العثمانية لإلتقاط أنفاسها !!
وعلى الرغم من ذلك، كانت الدولة تنهض من كبوتها وتعيد بناء
قواتها وتستأنف مسيرتها الظافرة، وقد تحقت هذه الانتصارات والفتوح بفضل جيشها الأكثر إعدادا والأدق تنظيما.
ففي آسيا خاضت صراعا مريرا ضد الدولة الصفوية في إيران إتسم بالصراع المذهبي، ونجحت في تحقيق انتشار واسع في
أقاليم أرمينيا الغربية وبلاد ما بين النهرين وتفليس وديار بكر وجميع الأراضي الجنوبية حتى الرقة وإيران،….
ثم خاضت صراعا مريرا ضد الأقاليم العربية الإسلامية
في الشرق والغرب وضمت بلاد الشام ومصر، وظهرت كإحدى دول البحر الأحمر ودخلت الحجاز وبعض مناطق اليمن، وخففت من الضغط البرتغالي الواقع على البلاد الإسلامية، وبخاصة الإمارات العربية الساحلية في الخليج العربي، وأجهضت محاولات البرتغاليين تكوين حلف نصراني مع الحبشة معاد للقوى العربية الإسلامية،…
كما سيطرت على شمالي أفريقيا وحالت دون الزحف الإسباني على هذه المنطقة ..
وقد حققت في حروبها مع الدولة الصفوية وفي ضمها للبلاد العربية نجاحا كبيرا من الناحيتين السياسية والمذهبية، ففرضت هيمنة سياسية على الأقاليم المفتوحة وقضت على المذهب الشيعي في الأناضول ، وأوقفت المد الصفوي باتجاه الشرق العربي باستثناء العراق الذي كانت له أوضاع خاصة .
و بوفاة السلطان سليمان الأول القانوني في عام (۹۷۳ھ/ ۱٥٦٦م) ينتهي العصر الذهبي للدولة العثمانية، ليبدا عصر آخر شهد تراجعا عثمانيا بفعل حالة الاسترخاء التي كان يمر بها المجتمع العثماني والأجهزة الحاكمة من جهة، والوثبة الأوروبية.نحو عصر جديد من التطور من جهة أخرى، وأخذت الدولة تفقد أطرافها رويدا رويدا في القارات الثلاث…
وكانت معاهدة كارلوفيتز (رجب ۱۱۱۰ ه/ كانون الثاني
۱٦٩٩م) أول معاهدة فرضت عليها كدولة منهزمة تنازلت بموجبها عن أقاليم.واسعة؛ وتتابع فرض المعاهدات الجائرة بحقها، واستمرت بالتراجع والتقهقر حتى مؤتمر برلين عام (۱۲۹٥ ه – ۱۸۷۸م) الذي شكل بداية النهاية بالنسبة لها…
إذ تكتلت عليها الدول الأوروبية الإستعمارية وشاركتها الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وعندما نضجت ظروف القضاء على الرجل المريض، كما وصفها الأوروبيون
في أواخر عهدها، نجح الجميع في تمزيق أوصالها، على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها السلطان عبد الحميد الثاني للمحافظة على تماسكها ووحدتها في ظروف في منتهى القساوة والشدة، واستطاع أن يحافظ على ما تبقى من كيانها
قدر جهده، وأن يتمسك بطابعها الإسلامي وبتقاليدها الموروثة حتى تم عزله في عام (۱۳۲۷ ه ۱۹۰۹م).
وإذ سقطت الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، بفعل تدخل الدول الأوروبية والصهيونية من جهة، والسياسة غير المدروسة للعسكريين، الذين تسلموا الحكم بعد عزل السلطان الماكر، من جهة أخرى، حيث زجوا بالدولة في مغامرات خارجية وصراعات عنصرية داخلية أدت إلى نهايتها وقيام تركيا الحديثة .
إن القدرة على الإحالة الموضوعية بهذا التاريخ المتشعب لا تتوافر إلا بالعودة إلى الأموال، وبخاصة إذا وقفنا على التنوع الكبير في الأفكار والمعلومات والمواقف والآراء لجميع الكتابات من تركية وعربية وأوروبية،…
ومن الأمور الملفتة للنظر أن الأبحاث والدراسات التاريخية العربية أهملت، إلى حد ما، التاريخ العثماني، وما عالجنه في الماضي أبرز الجانب الشبابي اليئ من هذا التاريخ، وبخاصة فيما يتعلق بعلاقة العرب بالعثمانيين، …
ولعل مرد ذلك يعود إلى سببين:
▪︎الأول : تأثر هذه الأبحاث بالدراسات الأوروبية المتحاملة على الدولة العثمانية .
▪︎الثاني : ما عانته الولايات العربية من مظالم بسبب تصرفات بعض الولاة العثمانيين .
وقد أدي الإنتباه إلى هذا الإهمال إلى قيام أبحاث ودراسات متجددة لكنها لم تكن.كافية لإنصاف العثمانيين، وإشباع التاريخ العثماني بالتحليل والدراسة بموضوعية بفعل التركيز على جوانب معينة منه .
ومما لا شك فيه أن المكتبة العربية، بشكل خاص، تفتقد إلى دراسة علمية شاملة تعالج تاريخ العثمانيين بشكل متكامل، وهذا الذي دعانا إلى الكتابة في هذا الموضوع لنعطي صورة هي أقرب ما تكون إلى الحقيقة والواقع، ولتقف الأجيال
الطالعة على جزء من تاريخنا الإسلامي، ويطلعوا على الخدمات التي قدمتها الدولة العثمانية للإسلام وللمسلمين، وجهودها في المحافظة على المكتسبات الموروثة ، راجيا أن أصحح ما علق في أذهان أجيالنا العربية والإسلامية من مفاهيم خاطئة حول تاريخ الدولة العثمانية .
واستندت في هذه الدراسة على مصادر ومراجع متنوعة وبلغات مختلفة واعتمدت على المصادر والمراجع العربية لتحديد علاقة الأقطار العربية العثمانية، كما اعتمدت على المصادر والمراجع الأوروبية لتأريخ علاقة الدولة العثمانية بدول أوربا ؛ و كان للمصادر والمراجع التركية نصيبها من حيث تأريخ نشأة الدولة و توسعها وعلاقتها بالبلدان المفتوحة من وجهة النظر العثمانية 》….
التوقيع بنهاية المقدمة : محمد سهيل طقوش (*2)
————————————————————-‐——
🔸 ️هكذا كانت البداية
《 عندما جاء الربع الأول من القرن الثالث عشر الميلادي، كانت تسود العالم رهبة وذعر من الإمبراطورية المغولية التي أقامها جنكيز خان …
كان جنكيزخان قد إستولى على شمال الصين وبدأ زحفه نحو ترکستان ؛ ولم تكن هناك قوة بشرية آنذاك تستطيع الوقوف أمامه .
أما في عام ۱۲۲۰م فكان أهم قائدین من قواد جنكيزخان قد إجتازا منطقة التركستان، وأخذا في الاقتراب من إيران، وهما: جبانویان وسوبيداي نویان ؛ وكان المغول وقتها على دين الشامانية ؛ لذلك كان ذعر المسلمين الأتراك في تركستان عظيما .
في هذه الفترة تماما وفي هذا الجو المشوب بالخوف والترقب والهلع : كان في جنوب صحراء قاراتورم بشمال خراسان ما يقرب من ۷۰,۰۰۰ خيمة بدوية يسكنها حوالي نصف مليون إنسان من الأتراك المسلمين ؛ وكان من بين هؤلاء عشيرة صغيرة تسمى قابي .
اضطر هذا الجمع الكبير إلى هجرة وطنهم عندما أحسوا بقرب خطر المغول فعبروا إيران واقتربوا من الأناضول …
لم يأتوا جميعا إلى الأناضول بل أخذ بعضهم يستقر في العراق الشمالي والبعض الآخر في غرب إيران والبعض في قفقاسيا -القوقاز- …أما عشيرة قایي الصغيرة فقد واصلت المسير نحو الأناضول.
كانت عدتها ٤٠٠ خيمة تضم حوالي ٤٠٠٠ إنسان، تمت هجرتهم من جنوب غرب ترکستان إلى شرق الأناضول على مدى عشر سنوات، وكان يرأس هذه العشيرة رجل تركي بدعی کوندوز ألب، خلفه في رئاسة العشيرة بعد وفاته، إبنه أرطغرل والد الأمير القبلي عثمان ، مؤسس دولة آل عثمان وعرفت الدولة العثمانية باسمه .
في هذه الفترة من الزمان دارت في منطقة أرزنجان – وهي في الشمال الشرقي من تركيا اليوم – معركة سميت باسم “ياسي جمن” ، بين سلطان قونية السلجوقي -علاء الدين كيقباد – وبين جلال الدین خوارزمشاه خاقان ترکستان .
(*هذا كلام المؤلف لكن سنتعرف لاحقا أن معركة علاء الدين كيقباد كانت مع المغول و ليس مع جلال الدين الخوارزمي و هو الرأي الأرجح فيما توصلنا إليه ..جواهر) ..
وكاد سلطان قونية أن ينهزم، فإذا بهذه العشيرة التي نتحدث عنها وهي عشيرة قابي بقيادة كوندوز آلب تتدخل في المعركة لصالح الجانب الضعيف فتقيله من عثرته وتتسبب في
انتصاره.
ولم تكن عشيرة قايي تدري من أمر هذا القتال شيئا لكنها نجدة الملهوف ونصرة الضعيف .
عرف سلطان قونية – بعد الانتصار – أن هذه العشيرة الكريمة تبحث عن وطن؛ وعندما أحس السلطان في أفراد العشيرة نزعة القوة وبراعة المحاربين، أقطعهم ثغرة على الحدود بين سلطنته وبين الإمبراطورية البيزنطية.
وهذا الثغر، بمنظار خريطة العالم اليوم هو المكان الذي تلتقي فيه ولایات ؛ إسکی شهر وبيلاجيك وكوتاهية في تركيا اليوم .
ويذهب ترجيح المؤرخين في تاريخ وفاة كوندوز آلب إلى عام ۱۲٥٣م وخلفه إبنه أرطغرل . وفي هذا الوقت أيضأ مات جنكيزخان ؛ وبعد مدة مات أرطغرل فأصدر سلطان قونية مرسوما بتعيين الأمير القبلي عثمان محل أبيه .
وكان وضع الأمير عثمان غريبا، إذ أنه كان أمير ثغر بمعنى أنه كان يحكم منطقة أهداها سلطان قونية لعشيرته.
كان الثغر وقت إقطاعه لقابي يبلغ على أكثر احتمال ۲۰۰۰ کیلومتر مربع. .. تمكن أرطغرل بجهاده ضد البيزنطيين أن
يوسع هذه المساحة إلى ٤٨٠٠ کیلو متر مربع تقريبا، وهي المساحة التي ورثها عنه عثمان .
وكان وضع الأمير عثمان غريبة كذلك من الناحية السياسية، إذ كان أمير ثغر تابع لقونية بعض الوقت ثم لكوتاهيه وكانتا تابعتين لدولة الإيلخانيين( خانات مغول فارس) ومقر حكمهم تبریز، وكانت تبریز تابعة لقوبيلاي حفيد جنكيزخان .
وكان قوبيلاي هذا يتخذ من بكين – عاصمة الصين اليوم – عاصمة لهم، وكان هذا الخان مسيطرأ على الجزء الأعظم من آسيا وعلى شرق أوروبا أيضا.
تولى عثمان ریاسة عشيرته قابي وهو في الثالثة والعشرين من عمره ؛ وتسلم الإمارة من والده وثغرهما ٤۸۰۰ کیلو متر مربعا ؛ وعندما مات عثمان سلم الثغر لابنه أورخان وقد صارت مساحة إقطاعهم الثغر هذا ۱۹,۰۰۰ من الكيلومترات المربعة بعد أن إستطاع أن يجد لإمارته منفذا على بحر مرمرة…
ومن ثم استطاعوا – أقصد هؤلاء البدو الذين تحضروا حديثا – يهددون أهم مدينتين بيزنطيتين في ذلك الزمان وهما : إزنيق وبورصة، ثم استطاعت عشيرة قايي هذه أن تقود الإمارة العثمانية لتصبح أطول الدول في التاريخ عمرا (*3)
🔸أصل الأتراك وموطنهم
في منطقة ماوراء النهر والتى نسميها اليوم تركستان والتى تمتد من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقا الى بحر قزوين غربا، ومن سهول سيبيرا شمالاً الى شبه القارة الهندية وفارس جنوبا، استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أوالأتراك.
ثم تحركت هذه القبائل فى النصف الثانى من القرن السادس الميلادي،و بدأت في الإنتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى (الأناضول) في هجرات ضخمة .
وذكر المؤرخون مجموعة من الأسباب التى ساهت فى هجرتهم؛ فالبعضيرى أن ذلك بسبب عوامل اقتصادية ، فالجدب الشديد وكثرة النسل،جعلت هذه القبائل تضيق ذرعا بمواطنها الأصلية، فهاجرت بحثا عن الكلء والمراعي والعيش الرغيد. …. (*4)
والبعض الآخر يعزوا تلك الهجرات لأسباب سياسية حيث تعرضت تلك القبائل لضغوط كبيرة من قبائل اخرى أكثر منها عددا وعدة وقوة وهي القبائل المغولية، فأجبرتها على الرحيل،لتبحث عن موطن آخر وتترك أراضيها بحثا عن نعمة الأمن والإستقرار وذهب الى هذا الرأي الدكتور عبداللطيف عبدالله بن دهيش. (*5)
واضطرت تلك القبائل المهاجرة أن تتجه غربا، ونزلت بالقرب من شواطئ نهر جيحون ، ثم استقرت بعض الوقت في طبرستان، وجرجان ( جورجيا) … (*6)
فأصبحوا بالقرب من الأراضي الإسلامية والتي فتحها
المسلمون بعد معركة ناهوند وسقوط الدولة الساسانية فى بلاد فارس سنة21 ه — 641م …. (*7)
🔹️ اتصالهم بالعالم الإسلامي
ف عام 22هـ/642م تحركت الجيوش الإسلامية الى بلاد الباب لفتحها وكانت تلك الأراضي يسكنها الأتراك، وهناك ألتقى قائد الجيش الإسلامي عبدالرحمن بن ربيعة بملك الترك شهربراز، فطلب من عبدالرحمن الصلح وأظهر استعداده للمشاركة فى الجيش الإسلامي لمحاربة الأرمن ، فأرسله عبدالرحمن الى القائد العام سراقة بن عمرو،.
وقد قام شهربراز بمقابلة سراقة فقبل منه ذلك، وكتب للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه بالأمر، فوافق على مافعل،..
وعلى إثر ذلك عقدالصلح، ولم يقع بين الترك والجيش الإسلامي أي قتال ، بل سار الجميع إلى بلاد الأرمن لفتحها ونشر الإسلام فيها… (*8)
وتقدمت الجيوش الإسلامية لفتح البلدان فى شمال شرق بلاد فارس حتى تنتشر دعوة الإسلام فيها، بعد سقوط دولة الفرس أمام الجيوش الإسلامية والتي كانت تقف حاجزا منيعا أمام الجيوش الإسلامية في تل كالبلدان،
وبزوال تلك العوائق، ونتيجة للفتوحات الإسلامية ، أصبح
الباب مفتوحا أمام تحركات شعوب تلك البلدان والأقاليم ومنهم الأتراك فتم الإتصال بالشعوب الإسلامية، واعتنق الأتراك الإسلام، وانضموا الى صفوف المجاهدين لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله.
بعد عشر سنوات وفى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان تم فتح بلد طبرستان، ثم عبر المسلمون نهر جيحون سنة 31هـ، ونزلوا بلاد ماوراء النهر،فدخل كثير من الترك ف دين الإسلام، وأصبحوا من المدافعين عنه والمشتركين في الجهاد لنشر دعوة الله …. (*9)
وواصلت الجيوش الإسلامية تقدمها فى تلك الأقاليم فتم فتح بلاد بخارى في عهد معاوية بن أبي سفيان وتوغلت تلك الجيوش المظفرةحتى وصلت سمرقند، وما أن ظهر عهد الدولة الإسلامية حتى صارت بلاد مارواء النهر جميعها تحت عدالة الحكم الإسلامي وعاشت تلك الشعوب حضارة إسلامية عريقة.. (*10)
وفي العصر العباسي ازداد عدد الأتراك في بلاط الخلفاء والأمراء العباسيين وشرعوا في تولي المناصب القيادية والإدارية في الدولة؛ فكان منهم الجند والقادة والكتاب.
وقد ألتزموا بالهدوء والطاعة حت نالوا أعلى المراتب.
ولما تولى المعتصم العباسي الخلافة فتح الأبواب أمام النفوذ التركي وأسند إليهم مناصب الدولة القيادية وأصبحوا بذلك يشاركون في تصريف شؤون الدولة، وكانت سياسة المعتصم تهدف الى تقليص النفوذ الفارسي ، الذي كان له اليد المطلقة في إدارة الدولة العباسية منذ عهد الخليفة المأمون… (*11)
وقد أدى اهتمام المعتصم بالعنصر التركي الى حالة سخط شديدة بين الناس والجند، فخشي المعتصم من نقمة الناس عليه، فأسس مدينة جديدة هي سامراء ، تبعد عن بغداد حوالي 125كم وسكنها هو وجنده وأنصاره.
وهكذا بدأ الأتراك منذ ذلك التاريخ في الظهور في أدوار هامة على مسرح التاريخ الإسلامي حتى أسسوا لهم دولة إسلامية كبيرة كانت على صلة قوية بخلفاء الدولة العباسية عرفت بالدولة السلجوقية. …. (*12)
🔹️ قيام الدولة السلجوقية
كان لظهور السلاجقة على مسرح الأحداث فى المشرق العربي الإسلامي،أثر كبير فى تغيير الأوضاع السياسية ف تلك المنطقة التى كانت تتنازعها الخلافة العباسية السنيّة من جهة، والخلافة الفاطمية الشيعية من جهة ثانية.
وقد أسس السلاجقة دولة تركية كبيرة ظهرت فى القرن الخامس للهجرة -الحادي عشر الميلادي، لتشمل خراسان وما وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى الأناضول.
وكانت مدينتا الري فى إيران ثم بغداد فى العراق مقرا للسلطنة السلجوقية، بينما قامت دويلات سلجوقية فى خراسان وما وراء النهر ( سلاجقة كرمان) وبلاد الشام (سلاجقة الشام) وآسيا الصغرى (سلاجقة الروم)،
وكانت تتبع السلطان السلجوقي في إيران والعراق .
وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية فى بغداد ونصروا مذهبها السنّي بعد أن أوشكت على الإنهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق ،والنفوذ العبيدي الفاطمي في مصر والشام .و قد وصل الأمر إلى خطف الخليفة العباسي و حبسه !!
فقضى السلاجقة على النفوذالبويهي تاما وتصدوا للخلافة العبيدية الفاطمية ….. (*13)
لقد استطاع طغرل بك الزعيم السلجوقي أن يسقط الدولة البويهية فى عام 447هـ في بغداد وأن يقضي على الفتنة وأزال من على أبواب المساجد سب الصحابة، وقتل شيخ الروافض أبو عبدالله الجلاب لغلوه فى الرفض..(*14)
لقد كان النفوذ البويهي الشيعي مسيطرا على بغداد والخليفة العباسي فبعد أن أزال السلاجقة الدولة البويهية من بغداد ودخل سلطانهم طغرل بك إلى عاصمة الخلافة العباسية استقبله الخليفة العباسي القائم بأمر الله استقبالاً عظيما، وخلع عليه خلعة سنية، وأجلسه الى جواره، وأغدق عليه ألقاب التعظيم ، ومن جملتها أنه لقبه بالسلطان ركن الدين طغرل بك،
كما أصدر الخليفة العباسي أمره بأن ينقش اسم السلطان طغرلبك على العملة، ويذكر اسمه في الخطبة في مساجد بغداد وغيرها، مما زاد من شأن السلاجقة.
ومنذ ذلك الحين حل السلاجقة محل البويهيين في السيطرة على الأمر فى بغداد ، وتسيير الخليفة العباسي حسب إرادتهم
(*15)
كان طغرلبك يتمتع بشخصية قوية ، وذكاء حاد، وشجاعة، فائقة ، كماكان متدينا ورعا عادلاً، ولذلك وجد تأييدا كبيرا ومناصرة عظيمة من شعبه، وقد أعد جيشا قويا، وسعى لتوحيد كلمة السلاجقة الأتراك في دولة قوية..(*16)
وتوطيدا للروابط بي الخليفة العباسي القائم بأمر الله، وبين زعيم الدولة السلجوقية طغرلبك، فإن الخليفة تزوج من أبنة جفري بك الأخت الكبيرة لطغربك، وذلك ف عام 448هـ/1059م .
ثم في شعبان عام 454هـ/1062م تزوج طغربك من أبنة الخليفة العباسي القائم بالله .
لكن طغرلبك لم يعش طويلاً بعد ذلك، حيث أنه توفي ليلة الجمعة لليوم الثامن من شهر رمضان عام 455هـ/ 1062م ، وكان عمره إذ ذاك سبعين عاما، بعد أن تمت على يده الغلبة للسلاجقة في مناطق خراسان وإيران وشمال وشرق العراق
…(17) .. مصدر الجزء الأخير (18)
إذا وصلت بالقراءة إلى هذا المكان فقل رأيك نكمل تاريخ الدولة العثمانية أم لا .
(1) العثمانيون في التاريخ و الحضارة ..الدكتور محمد حرب رئيس المركز المصري للدراسات العثمانية و بحوث العالم التركي – طبعة منتدى سور الأزبكية – سلسلة دراسات إسلامية (١) عام ١٩٩٤ م (ص ٣ – ص٤) .. (2) تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الإنقلاب على الخلافة – الدكتور محمد سهيل طقوش أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الإمام الأوزاعي كلية الدراسات الإسلامية .. الطبعة الثالثة دار النفائس سنة ٢٠١٣م ( ص٧ – ص١١ ) .
(3) السابق . محمد حرب. العثمانيون في التاريخ والحضارة (ص٩ – ص١١) . (4) انظر: تاريخ الترك في آسيا الوسطى، بارتولد ترجمة أحمد العيد ص 106.
(5) انظر : أخبار الأمراء والملوك السلجوقية تحقيق د. محمد نور الدين ص 4-2. (6) انظر: كتاب السلوك، أحمد المقريزي، ج 1، قسم 1 ، ص 3. انظر: قيام الدولة العثمانية للدكتور عبد اللطيف دهيش، ص 8.
(7) انظر: الكامل في التاريخ ابن الأثير 8/22. وانظر: شوقي أبوخليل: نهاوند ، ص 70-55. (8) انظر: تاريخ الأمم والملوك محمد بن جرير الطبري 3/256،257.
(9) انظر: الدولة العثمانية والمشرق العربي ، محمد انيس ، ص 12،13. (10) انظر: فتوح البلدان ، احمد بن يحي البلاذري ، ص405،409.
(11) انظر: خراسان لمحمود شاكر ، ص 35-20. (9؛ 10)انظر: قيام الدولة العثمانية، ص 12. انظر: الصدر السابق، ص 12.
(12) انظر: السلاطين ف الشرق العربي ، د. عصام محمد شبارو، ص 171. (15) انظر: أيعيد التاريخ نفسه ، محمد العبده ، ص 67.
(16) انظر: قيام الدولة العثمانية ، ص 19. (17) المصدر السابق، ص 17.
التعليقات مغلقة.