تاريخ الدولة الساسانية في بلاد فارس 5
🔹️ ملخص ما سبق :
▪︎أسس الإمبراطورية الساسانية أردشير الأول ابن بابك ابن ساسان و حكم بعده ابنه سابور الأول ( ت ٢٧٢ م) و كانت الدولة في عصرهما في أوج قوتها .
▪︎بعد موت سابور الأول مرت الإمبراطورية الساسانية بفترة ضعف ( منذ سنة ۲۷۲م – إلى ۳٦٠م ) وقد حكمها بعد سابور خلال تسعة عقود سبعة ملوك ضعفاء و ثامنهم أمضى نصف حكمه فترة ضعف
1- هرمزد الأول ؛ 2 – بهرام الأول ؛ 3 – بهرام الثاني
4 – بهرام الثالث ؛ 5 – نرسي ؛ 6 هرمزد الثاني
7 – آذر نرسي ؛ 8 – سابور الثاني ( ت ٣٧٩م )
▪︎و️ بعد موت سابور الثاني مرت الدولة الساسانية بفترة ضعف إلى ظهور قباد الأول .. وتسمى فترة الضعف الثانية ، وحكم خلالها ملوك ضعفاء استمرت فترة حكمهم ( ۳۷۹م إلى ٥٤١ م ) .. وهم :
1- أردشير الثاني ؛ 2 – سابور الثالث ؛ 3 – بهرام الرابع
4 – یزدجرد الأول ؛ 5 – بهرام الخامس؛ 6 – یزدجرد الثاني
7 – هرمزد الثالث ؛ 8 – فيروز الأول ( ت ٤٨٤ م )
عندما اشتد أذى قبائل الهياطلة الهون على الحدود ، قرر فيروز الأول التصدي لهم ، ولكنه.هزم في أول معاركه ، وأسر واضطر لدفع فدية كبيرة ، ورهن ابنه ( قباد ) لحين
سدادها .
🔸️ لم يتعظ فيروز من هذه الهزيمة بل سرعان ما عاود حرب الهياطلة بعد افتداء ابنه ،.ودفع حياته ثمنا لتلك المغامرات سنة ( ٤٨٤ م) ، وقد حاول عدد من قادته ثنيه عن الإقدام عليها فأصر على رأيه .
ومنذ ذلك الوقت أصبحت الدولة الساسانية خاضعة بشكل غير مباشر لأوامر ملوك الهياطلة الهون.. 9 بلاش
بعد مقتل فیروز وقع اختيار عظماء إيران على أخيه الأصغر المدعو بلاش ، وكان القائد ( زر مهر ) الحاكم الفعلي في الدولة في عهد هذا الملك الذي استمر من ( ٤٨٤ م – ٤٨٧ م) وكانت أول مهام الملك الجديد محاولة بعث جیش جدید قبل بدء المفاوضات مع الهياطلة الذين طالبوا بجزية سنوية مقابل إعادة الأسرى والغنائم .
وقد تخيلت الروايات الإيرانية حربا انتقامية مزعومة قام بها القائد زر مهر على الهياطلة ، وانتهت بهذا الصلح المشرف لدولتهم ؛ وكان الملك الجديد كما تظهر الروايات ميالا للإصلاح عطوفا على الفقراء ، وتشترك الروايات السريانية مع الساسانية في مدحه ، ويبدو أن هذه الصفات لم ترض عظماء
الدولة الذين انضووا تحت لواء القائد زر مهر ، وطالبوا بإقصاء الملك المصلح الضعيف ، ونفذ زر مهر هذه الرغبة ، فأقصى بلاش ، وعين بدلا عنه إبن أخيه : قباد (الأول) إبن الملك فيروز … 10 🚩 قباد الأول
وكان عظماء الدولة يرغبون من وراء اختيارهم قباد ملكا عليهم ؛ هو إرضاء الهياطلة ، فقد كان قباد رهينة في بلاطهم نحو سنتين ، وقد توطدت علاقاته بهذا البلاط على نحو توقع
العظماء معه تحسنا ما في علاقاتهم مع الهياطلة ..
ومع أن هذا التحسن ظهر للعيان فعلا إلا أن الدولة استمرت في دفع الجزية إلى الهياطلة فترة طويلة ، استمرت حتى زمن
کسرى أنوشروان .
يضاف إلى ذلك أن قباد كان قد حاول الاستيلاء على الحكم عندما تولى عمه بلاش السلطة ، ولكنه فشل مما اضطره إلى الهروب إلى كننخاس ملك الهياطلة الذي استقبله جيدا ؛بإعتباره معرفة ملكية قديمة ، ولإمكانية الاستفادة منه فما بعد ؛ وعندما عزل بلاش كان المرشح الأوحد للعرش الساساني هو قباد حلیف الهياطلة .
وقد استمر.القائد زر مهر في سنوات حكم قباد الأولى الرجل الأول بين عظماء الدولة ، فهو الذي ينحي الملوك ، وهو الذي يقبل بتعيينهم . …
ويبدو أن شخصية قباد لم تكن تقبل وجودشخصية بجانبه بمثل هذه القوة والطموح ، ولما لم يكن بإمكانه مواجهة زر مهر ، فقد أقدم على تبني ودعم أحد العظماء الآخرين ويدعى سابور مهران ، الذي كان خصما وندا عظيما لزر مهر ، فعينه قباد قائدا لجيشه « إيران سباهيد » ، وساعده على التخلص من زر مهر بقتله ..
ولا يعرف السبب الذي جعل سابور مهران لم يظهر فيه في الصورة السياسية للدولة في ذلك التاريخ ، ويفترض بعض المهتمين أنه لم يعش طويلا بعد مقتل خصمه .
وقد أشعل مقتل زر مهر ، وهو زعيم للأرستقراطية المحلية ، غضب هذه العناصرالتي كانت تسانده ، وألبت ضد الملك عداوات خطيرة .
على أن أبرز ما ساهم في تعاظم النقمة ضده إلى درجة خطيرة هو تأییده لفرقة دينية اجتماعية رهيبة ظهرت في عهده ؛ دعت إلى مشاعية النساء والأموال ،
باعتبارهما أهم الأسباب التي يتقاتل من أجلها الرجال فرادی وجماعات ، وهي فرقة المزدكية …
ويبدو أن تأیید قباد لهذه الفرقة الجديدة كان بهدف مساعدته الحد من نفوذ النبلاء ورجال الدين ، خاصة بعد التخلص من زعيهم زر مهر .
ولكن هذا التأييد لم يظهر ساعة الشدة ، إذ عندما تآمر ضده نبلاء القصر تمكنوا منه وأودعوه السجن ، ونصبوا بدلا عنه أخوه المدعو (جاماسب) ، ولكن قباد لم يستطع الصبر على سجنه طويلا ، وتذكر المصادر انه تمكن من الهروب من سجنه بمساعدة زوجته وأحد أصدقائه من النبلاء المدعو سیاوش .
ويبدو أن هروبه من محبسه كان أقرب إلى الاستحالة ، لدرجة أنه أصبح موضوعا للقصص الأسطورية الإيرانية فيما بعد ،
وأقحمت عليه إضافات لاحقة تخرج بها كثيرا عن الواقع .
ومع ذلك تذكر الروايات أن قباد هرب مع صديقه سیاوش إلى الهياطلة ، حيث استقبله ملكهم بترحاب شديد ،.وزوجه ابنته التي كانت أمها بدورها ابنة الملك فيروز ؛ وأمر له بجيش لاستعادة ملكه بعد أن تعهد له قباد بزيادة الجزية التي كانت تدفعها الدولة الساسانية له مقابل هذه المساعدة .
وتمكن الملك الطريد نحو سنة ( ٤٩٨ م ) من دخول عاصمة ملكه بشكل سلمي ، حيث تختلف الروايات هنا في معاملة قباد لأخيه جاماسب ، وفيما إذا كان قتله أو نفاه أو سجنه . ولكنه في المقابل أعدم أخطر أعدائه من عظماء إيران وعفا عن بقيتهم .
وقد عين قباد سیاوش في منصب وزير الحربية في الدولة ردا لجميله بمساعدته على الهرب .
وقد مرت حوادث الحرب بين قباد وبيزنطة بمرحلتين :
بدات الأولى حينما اضطرته ظروف دفع الجزية إلى للهياطلة وفراغ الخزينة من الأموال – إضرته – إلى مطالبة القسطنطينية بدفع المستحقات التي كانت قد تعهدت بدفعها إلى الدولة الساسانية ، مساهمة في دفع خطر البرابرة عن حدود الإمبراطوريتين ، وذلك منذ عهد یزدجر الثاني .
وذكر قباد للإمبراطور انستاسيوس ( Anastassius ) أنه مضطر للحصول على هذا المبلغ لدفع الجزية إلى الهياطلة ، ولكن بيزنطة التي اعتقدت أنها لو تأخرت أو رفضت الدفع فإن علاقات قباد بالهياطلة ستصير إلى الأسوا .
ولهذا رفض الإمبراطور البيزنطي دفع المستحقات المتأخرة ، فقام قباد بتسيير جيش تمكن من تحقيق إنتصارات هامة على البيزنطيين بمساعدة عدد من فرق الهياطلة أنفسهم .
ولكن ذلك لم يمنع من تعرض حدود دولته الشرقية والشمالية ، منطقة بحر قزوین ، لغزوات مجموعات أخرى من البرابرة ؛ الذين اضطروه نحو سنة (٥٠٦ م) إلى عقد هدنة مع البيزنطيين مدتها سبع سنوات بعد أن تعهدت له بيزنطة بالمساهمة في دفع تكاليف صد البرابرة الشماليين .
ولكن قباد بعد نجاحه في صد البرابرة من جديد تحول لمهاجمة بيزنطة التي كانت تغذي الفتن في أرمينية الساسانية .
وقد جرت في إقليم سورية الشمالية وجنوب آسية الصغرى عدد من المعارك تعاقبت فيها الانتصارات والهزائم بين
الفريقين ، ولم تتوقف إلا بعد أن تناهى إلى أسماع قادة الجيشين موت قباد سنة ( ٥۳۱ م )، فعادت الجيوش الإيرانية باتجاه عاصمتها لتبين الموقف بعد وفاة الملك ..
وكان قباد في الثمانين من عمره عندما توفي عن ثلاثة أبناء :
▪︎أكبرهم کاووس وكان مزدكي الهوى ،..
▪︎وأوسطهم زام وكان قد فقد عينه في صغره ، وكان هذا العيب يؤدي إلى حرمانه من فرصته في تولي الملك .
▪︎ ثم آخرهم وأصغرهم : کسری وكان على خلق متين وعلى
علاقة طيبة بوالده الذي رغب في تقديمه على أخويه لمنصب الملك ..
ولهذا طلب من كبير قادته سیاوش مفاوضة الإمبراطور البيزنطي جستين ( Justin ) لتبني کسری ودعمه للوصول إلى عرش الدولة الساسانية في مواجهة أخويه ، ولما فشل سیاوش في مفاوضاته إتهمه قباد بالخيانة وأعدمه !!.
هذا وتذكر بعض الروايات أن سياوش كان مزدكي الهوى ، وأنه كان يؤید إبن قباد الأكبر ، وأنه لهذا السبب أفشل المفاوضات مع البيزنطيين .
وبدأ بعدها يعد العدة لحرب بيزنطة ، ولكي يضمن الجبهة
الداخلية لصالح ابنه الأصغر ، عقد مناظرة بين المزدكيين والزرادشتيين الذين كان يعضدهم و يدعمهم النصارى ، وبإيعاز من الملك هاجم الأمير کسرى المزدكيين المجتمعين في.المناظرة ، وأعمل فيهم القتل ، ولم ينج منهم أحد .
وعندما أباح دماءهم بين الشعب لم يستطع عامة الناس من المزدكيين مقاومة أعدائهم ، فقتلوا واستبيحت ممتلكاتهم
وأحرقت كتبهم الدينية ، ولم تقم للمزدكية أي قائمة بعد هذا التاريخ ، إلى أن تحولت الهضبة الإيرانية إلى حركة سرية حتى الفتح الإسلامي ، وانتقال مركز السلطة الإسلامية إلى بغداد .
وقبل وفاته بقليل أملی قباد وصيته على كبير وزرائه المدعو ماهبود ، الذي دعم رغبة الملك قباد في تولي ابنه کسرى العرش من بعده ، وناصره ضد تحرك كاووس ، الذي قتل إثر معركة دموية فتسلم بعدها کسری العرش دون معارضة تذكر.
- وإلى أول كسرى أو كسرى أنوشروان نلقاكم على خير بإذن الله في الفقرة القادمة ؛
(*)كتاب معالم تاريخ الدولة الساسانية. د. مفيد رائف محمود العابد ؛ ص( ٥٧ – ٦١ )
التعليقات مغلقة.