🎃 🖍 تاريخ التتار الأول 6
🚩 #إمبراطوريةجنكيزخان ٠🇲🇳
————————————————–‐-
غزو المغول بلاد ما وراء النهر
————————————–
كان علاء الدين محمد خوارزمشاه قد بعث ـ على إثر مقتل تجار المغول وهو مقيم بمدينة بخارى ـ بعض جواسيسه إلى بلاط جنكيز خان، للوقوف على مدى استعداد المغول للحرب، فقضوا مدة طويلة،
وقالوا بعد عودتهم : ان عدد المغول لا يبلغه الحصر، وأنهم من أصبر الناس على القتال، وأعرفهم بفنونه ولهم مصانع للسلاح، تكفي حاجتهم منه، ومواد تموينهم وافرة،
وأوضح أولئك الجواسيس أن حقائق الأمور هناك تشير إلى أنه لا قبل لأحد بمقاتلة المغول .
فأدرك فداحة ما وقع فيه من خطأ بقتله تجار المغول ورسلهم، وندم على ذلك، ولكن ليست ساعة مندم، ثم أخذ يعمل فكره و بعد المشورة قرر الزحف شرقا لملاقاة المغول عند نهر سيحون .
💥 1 ـ الاستيلاء على مدينة أترار :
بدأ جنكيز خان غزوه شرق الدولة الإسلامية في عام 615هـ/1218م، فقد وصل إلى حافة نهر سيحون على مقربة من مدينة أترار على رأس جيش قوامه نحو ستمائة ألف من خيرة جنده،
وكانت غاية الجيوش في المرحلة الأولى الاستيلاء على بلاد ما وراء النهر، المحصورة بين نهرسيحون في الشرق، وجيحون في الغرب، لذا وضع خطته على أساس الأطباق على هذه البلاد من أربعة جوانب، بحيث يتعذر على الجيش المدافع صد الهجوم ،،
وهكذا تحركت الجيوش الأربعة في وقت واحد للانقضاض على بلاد ما وراء النهر والاستيلاء عليها؛
🔹 وبدأ الخوارزميون بمهاجمة قوات المغول، وسرعان ما قامت الحرب سجالاً بين الفريقين، وكان الجانب المغولي فيها بقيادة أحد أبناء جنكيز خان، وقدر عدد القتلى من المسلمين عشرين ألفاً، ومن المغول بما لا يحصى كثرة؛
وفي الليلة الرابعة من القتال افترق الجيشان، ورجع المسلمون إلى بخارى حيث أمر خوارزمشاه أهلها وأهل سمرقند بالاستعداد للحصار،
وترك في بخارى عشرين ألفاً وفي سمرقند خمسين ألفاً، ثم عاد إلى خوارزم وخراسان ليجمع العساكر ،
كانت مدينة أترار محصنة تحصيناً قوياً، وبها حامية قوامها خمسون ألف رجل يعاونها جيش آخر بنحو عشرة آلاف على رأسهم (فراجة) وزير الأمير محمد خوارزمشاه،
ودام الحصار خمسة أشهر، مما ترتب عليه عجز الجيش الخوارزمي عن المقاومة، ثم هزيمته، وبذلك تيسر لقوات المغول الاستيلاء على مدينة أترار التي تعد مفتاح ما وراء النهر ،
لقد كان هجوم المغول على هذه المدينة عنيفاً، فقد كانوا يتوقون للثأر من ( ينال خان ) حاكم هذه المدينة وقاتل التجار،
لقد استولوا على هذه المدينة عنوة سنة 616هـ/1219م) ونهبوها وطاردوا سكانها، وقد تقهقر ينال خان إلى قلعة المدينة واحتمى بها نحواً من شهر، فقد في أثناءه معظم رجاله، ومع ذلك ظل يدافع دفاع اليائس المستميت،
ولما وجد نفسه محاصراً من كل جانب قذف بنفسه إلى سقف أحد المنازل، فتبعه جنديان مغوليان وهو لا يملك أن يدافع عن نفسه إلا بقذفهما بالحجارة التي كان يناوله إياها بعض النسوة،
وأخيراً وقع في أيدي المغول الذين قادوه إلى معسكر جنكيز خان الذي كان في ذلك الوقت أمام مدينة سمرقند،
ولكي ينتقم جنكيز خان منه عمد إلى التنكيل به، فأمر بعض رجاله أن يصهروا كمية من الفضة ويسكبوها في عينيه وأذنيه، …
وهكذا نفذ جنكيز خان وعيده في قاتل تجاره ورسله،
وبسقوط أترار سقط مفتاح بلاد ما وراء النهر .
💥 2 ـ الاستيلاء على مدينة جند :
🔹 أما عن الجيش الثاني الذي كان تحت قيادة جوجي أكبر أبناء جنكيز خان، فكانت قبلته مدينة (جند) إحدى معاقل المسلمين على نهر سيحون،
وقد وصل هذا القائد إلى هذه المدينة بعد أن استولى على كثير من المعاقل والمدن الواقعة على نهر سيحون، وتمكن بذلك من السيطرة على كل مجرى هذا النهر تقريباً،
فلما اقترب من مدينة جند غادرها حاكمها ليلاً تاركاً لسكانها أمر الدفاع عن أنفسهم وعن مدينتهم، وقد نصب المغول المجانيق حول المدينة استعداداً لتحطيم أسوارها،
وإزاء هذا الاستعداد من قبل المغول انقسم الأهالي على أنفسهم، فرأى فريق منهم ضرورة الدفاع عن المدينة، ورأى فريق آخر أنه لا فائدة من الدفاع وآثر أن يسلم المدينة في الحال، لعل الأهالي يجدون في ذلك خير شفيع ينجيهم من الوقوع تحت سيوف المغول،
والظاهر أن هذا الرأي كان يناصره أكثرية السكان بدليل أن المغول لم يجدوا مقاومة ما داخل المدينة، وهم يدكون أسوارها من جميع جهاتها،
وأخيراً سلمت المدينة وسلم من سلم من أهلها، وقُتل من قتل المغول، وبعد أن وضع جوجي على المدن المفتوحة حكاماً مخلصين، أصدر أوامره لجنوده بالعبور إلى إقليم خوارزم .
💥 3 ـ الاستيلاء على بنكت وخجنده :
أما ثالث جيوش جنكيز خان التي سيرها للاستيلاء على بلاد ما وراء النهر، فقد سار إلى مدينة بنكت على نهر سيحون و(خجندة) إلى الجنوب منها،
وقد تمكن المغول من دخول مدينة بنكت بعد أن سلمها الأهالي، وكان المغول قد أمنوهم على حياتهم،
لكن هؤلاء المغول الذين لا يعرفون معنى للعهود والمواثيق، لما دخلوا المدينة فصلوا الجند عن المدنيين واعملوا القتل في رقاب الفريق الأول، واختاروا من الفريق الثاني خيرة شبابه لينتفعوا به في أعمالهم الحربية، …..
🔹ثم سارت هذه الفرقة المغولية نحو الجنوب ميممة شطر مدينة خجندة الواقعة على نهر سيحون، وهي مدينة جميلة اشتهرت بحدائقها وانتعاش التجارة فيها، كما اشتهرت بشجاعة أهلها وقوة بأسهم،
ومما يسترعي النظر أن ((تيمور ملك)) قائد الحامية الخوارزمية فيها، فضل أن يغادر المدينة مع ألف من جنوده إلى جزيرة صغيرة في وسط النهر، بعيدا عن شاطئيه، حتى يكون في مأمن من غارات المغول، وعلى بعد كافٍ من مرمى سهامهم،
وقد سار ما يزيد على عشرين ألف جندي مغولي، من أولئك الذين انتصروا انتصاراً مبيناً على الخوارزميين في مدينة أترار وغيرها من المدن، يتبعهم خمسين ألفاً من خيرة شباب الخوارزميين، لمساعدة هذه الفرقة المغولية التي كانت تحاصر ( تيمور ملك )،
وقد كلفت هذه الجموع بإحضار الأحجار من الجبال المجاورة وإلقائها في النهر، ليكونوا بذلك طريقاً يستطيع المغول أن يعبروا منها إلى هذا الخوارزمي الذي كان معتصماً في جزيرته.
على أن (تيمور ملك) صمم على إفساد خطتهم، فصنع اثني عشرة سفينة كبيرة غطى جدرانها بالجلود، وكان يرسل في كل يوم ستاً من هذه السفن للإغارة على المغول الذين كانوا يعملون في هذا الطريق الموصل إلى الجزيرة فيرمونهم بسهامهم، …
ولكن (تيمور ملك) وجد في النهاية أن مقاومته لن تجدي نفعاً فصمم على الهرب، وبعد أن شحن جنوده وأمتعته في سبعين مركباً، سار في النهر متجهاً نحو الشمال على أن المغول كانوا يراقبونه من جانبي النهر،….
وقد علم وهو يسير في النهر أن جوجي بن جنكيز خان قد حشد قوة كبيرة من المغول على مقربة من مدينة (جند ) على جانبي نهر سيحون، وأنه سد هذا النهر بقنطرة من السفن،..
واضطر ( تيمور ملك) أن يترك النهر إلى الساحل حيث امتطى جواده وقاتل أعداءه قتال اليائس، ومع ذلك استطاع أن يخدع مطارديه وأن يصل في النهاية إلى مدينة خوارزم حيث كان يرابط جلال الدين منكبرتي بن علاء الدين خوارزمشاه .
💥 4 – استيلاء المغول على بخارى :
كانت مدينة بخارى من بين مدن بلاد ما وراء النهر التي طمع المغول في الاستحواذ عليها، فنزل جنكيز خان بظاهرها في أواخر عام 616هـ/1219م وبدأ لفوره يضرب حصاراً محكماً عليها،
وكانت القوة الإسلامية التي وكل إليها أمر الدفاع عنها تتكون من عشرين ألفاً .
واستمر الهجوم على بخارى ثلاثة أيام، وهي الآن ( في دولة أوزبكستان حالياً )، وهي بلدة الإمام الجليل والمحدث العظيم محمد إسماعيل البخاري صاحب صحيح البخاري.
وبعد ثلاثة أيام ظهر بعدها للجيش الخوارزمي المدافع ضعفه وقلة حيلته، وعندئذ قرر التقهقر إلى خراسان، التماساً للنجاة، ولكن كيف السبيل إلى الانسحاب مع هذه الصفوف المتراصة من الجيش المغولي؟
لقد عول الجيش الإسلامي على مواصلة الحرب، وحقق شيئاً من النجاح، لكنه أرغم أخيراً على الارتداد، ولم يزل يطاردهم المغول على مقربة من نهر جيحون حتى أنزلوا بهم هزيمة ساحقة ولم ينج من القتل إلا شرذمة يسيرة ،
وأحس الخوارزميون الذين بقوا في المدينة ـ إثر ذلك ـ أن قوتهم ضعفت وبدأ اليأس يدب في نفوسهم وهم يرون خيرة الجند يغادرها، فأرسلوا قاضي المدينة بدر الدين يعرض تسليم المدينة ويطلب الأمان،
فأجابه جنكيز خان إلى ذلك، وفتحت أبوابها رابع ذي الحجة سنة 616هـ/1219م .
ودخل جنكيز خان المدينة ومر أمام مسجد هاشم فدخله ممتطياً جواده وسأل عما إذا كان هذا هو قصر السلطان، فلما قيل له أن هذا إنما هو بيت الله، نزل إلى أرض المسجد وصعد المنبر وصاح قائلاً بأعلى صوته لقد قطع العلف أعط الخيل طعاماً. …
وقد فهم المغول من هذه العبارة أن جنكيز خان يشير إلى جنده بأن ينهبوا المدينة، …❗
وقد حمل المغول إلى فناء المسجد عدة صناديق تحوي نسخاً كثيراة من القرآن الكريم وقعت تحت حوافر الخيل،
كما أهان المغول الدين الإسلامي، بإحضارهم قرب الخمر إلى المسجد، كما أحضروا المغنيين من المدن المختلفة، وأخذوا يشربون ويطربون ، وأعيان البلد وكبار الأئمة يقومون بخدمة الجند في مجالس الشراب أو يؤدون لهم الرقصات وفق رسم المغول على توقيع الآلات الموسيقية، وكان من هؤلاء الفقهاء الأجلاء من دفع به كذلك ليسوس البغال .
وخرج جنكيز خان بعد ذلك وجمع سكان المدينة وطلب منهم أن يعينوا لهم أكثر هذا الجمع ثراء، فعينوا له مائتين وعشرين بينهم ثمانون من الأغراب،
فطلب منهم أن يقتربوا منه، وأخذ يتحدث إليهم، وبعد أن بين لهم أن الغرض من حملته هو أن يثأر من السلطان الخوارزمي قال : لقد ارتكبتم خطأً فاحشاً، وإن الرؤساء هم المجرمون،
وإذا سألتموني عن نفسي قلت لكم إنني نقمة الله على الأرض، فإذا لم تكونوا مجرمين فإن الله ما كان يسمح لي بأن أعاقبكم ،. .❗
وبعد أن فرغ جنكيز خان من حديثه أمرهم أن يخرجوا كنوزهم المدفونة وألا يبالوا بما ليس مدفوناً لأنه يستطيع أن يعثر عليه ، وقد ترك جنكيز خان كل رجل من هؤلاء الأغنياء في حراسة رجل مغولي
على أنه وجد أن هناك أربعمائة فارس خوارزمي لم يخرجوا من المدينة مع سائر رجال الحامية فأرغمهم على الالتجاء إلى القلعة، وقد جند المغول من سكان المدينة من يقدر على حمل السلاح وساروا إلى القلعة وحاصروها …
وبعد أن أحدثوا في حوائطها عدة ثغرات دخلوها، وحينئذ لم يتركوا فيها شخصاً واحداً على قيد الحياة !
على أن هذه الحامية الصغيرة دافعت عن نفسها بكل شجاعة أحد عشرة يوماً، وقتلت عدداً كبيراً من المغول، كما قتلت عدداً كبيراً من السكان الذين استخدموا في الحصار
ويظهر أن جنكيز خان ركب رأسه عندما سقط عدد كبير من المغول ضحايا في ساحة القتال، فأمر جميع السكان أن يخرجوا من المدينة مجردين من أموالهم، لا يحمل أحداً منهم غير ملابسه التي يرتديها ثم دخل المغول المدينة فأعملوا فيها النهب وقتلوا من صادفهم من السكان ، …
ووصف ابن الأثير ما فعله المغول في بخارى فقال:
ودخل الكفار البلد فنهبوه وقتلوا من وجدوا فيه وأحاط جنكيز خان بالمسلمين، فأمر أصحابه أن يقتسموهم، فاقتسموهم، فكان يوماً عظيماً من كثرة البكاء من الرجال والنساء والولدان، وتفرقوا أيدي سبأ، وتمزقوا كل ممزق، واقتسموا النساء أيضاً، وأصبحت بخارى خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس .
وأما ابن كثير فقد قال :
فقتلوا من أهلها خلقاً لا يعلمهم إلا الله ـ عز وجل ـ وأسروا الذرية، والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهلهن، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب وكثر البكاء والضجيج بالبلد .
ومما هو جدير بالذكر أن المغول أشعلوا النار في المدينة فاحترقت بأسرها، إذ أن معظم مبانيها كانت من الخشب، ولم يبق من مباني المدينة إلا تلك المبنية من الآجر، وأخيراً نزح من بقي من أهلها إلى إقليم خراسان،
وهكذا شرد المغول أهالي مدينة بخارى الذين اشتهروا بولعهم بالعلوم والفنون،
ومما هو جدير بالذكر أن أحد سكان هذه المدينة لما وصل إلى إقليم خراسان أجمل ما أحدثه المغول في مدينته في هذه العبارة القصيرة التي عبر فيها تعبيراً صادقاً عما حدث:
( أتوا فخربوا وأحرقوا وقتلوا ونهبوا ثم ذهبوا )،
أصبحت مدينة بخارى أطلالاً بالية واستمرت على هذا النحو حتى أخذ جنكيز خان نفسه في إصلاحها وإعادة بنائها، قبل موته بزمن قصير . ….. ❗
الإستيلاء على سمرقند
التعليقات مغلقة.