كيف ظهرت خرافة الشيخ المغربي للتنقيب عن الآثار في الصعيد

علوم الآثار .


كيف ظهرت خرافة الشيخ المغربي للتنقيب عن الآثار في الصعيد

اعتقادات وخرافات ارتبطت بعالم الحفر بحثا عن الآثار، وسقوط ضحايا من الأطفال والشباب والفتيات، وخراب البيوت وإفلاسها بسبب الهوس بحثا عن الثراء السريع،

ومن أشهر الخرافات التى علقت بالأذهان ما يُسمى بـ”الشيخ المغربى” الذي يفج الأرض بقدرته الفائقة على استخدام السحر والجن – حسب الاعتقادات الشائعة –، كذلك تقديم “قرابين الدم”، التى ذاع صيتها في تسعينيات القرن الماضي، بعد أن تسبب الفقر في تحول عدد كبير من المواطنين بالصعيد للبحث عن الآثار، التي سيحقق الوصول إليها “الأحلام” –

بحسب ما يعتقدون- وهى الخرافات التى أدت لوقوع حوادث مؤسفة دونتها أقسام الشرطة والمحاضر.


بدوره حذر الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار منذ فترة فى وسائل الإعلام المحلية من هذه الخرافات، مؤكدا أن هناك الكثير من الخرافات، التي يلهث خلفها المغيبون، بوجود زئبق داخل المومياوات، التي تدفع البعض إلي التنقيب عن الآثار وسرقتها، مضيفًا، أن الإعلام عليه دور في توعية المواطنين ضد الخرافات المنتشرة، وذلك للحد من السرقات..

ولكن تري كيف ومتى ظهرت هذه الخرافات؟ وما جذورها فى التاريخ؟.


ومن جانبه يؤكد الدكتور والمؤرخ العلامة عبدالمنعم ماجد فى كتابه “الأمام المستنصر بالله الفاطمي” طبعة 1961م، إن الفاطميين اتخذوا مثل أغلب الحكام الذين قبلهم مهنة البحث عن كنوز مصر الدفينة فى الأرض فجلبوا أقواما من الشام والمغاربة، وكان الحفر يقوم تحت رعاية الحاكم ذاته، والذي كان يقتسم مع الحفارين الكنوز التى تم استخراجها، حيث قام المستنصر بالله الفاطمي(1029م-1094)، قبل المجاعة الشهيرة التي ضربت مصر في عهده، بجلب شيخ الباحثين، وهوأمير تابع له، تحت يده الحفارون أو ما كان يسمى بالـ”مطالبين”، وذلك للبحث عن آثار مصر تحت الأرض، وخاصة الآثار التي تضم الذهب.


استعان المستنصر بالله الفاطمي بأقوام من المغاربة والمصريين وأهل الشام، ينفقون المال الكثير ويتحملون المشاق في تلال مصر ومحاجرها، فأحيانًا يجدون الدفائن والكنوز، وأحيانًا لا يهتدون، ومن هنا ظهرت اعتقادات وخرافات “الرجل المغربي” و”استخدام البخور”، وهي الاعتقادات التي مازالت متحكمة في عقول الصعايدة حتي الآن، الذين يعتقدون أن “الشيخ المغربي” و”الرجل الروحاني” له القدرة علي استخراج الكنوز من باطن الأرض.


وأوضح الدكتور عبدالمنعم ماجد في دراسته ،أن المستنصر كان يحصل على أموال كثيرة من كنوز مصر الدفينة – كما يفعل أغلب حكام مصر قبله – إذ كان ينال بالضرورة الخمس منها، يدفعه إياه شيخ الباحثين، ومن كثرة هذه الكنوز التي وجدت في عهد المستنصر، بلغ ما جمعه زعيم الحفارين واسمه “عمدة الدولة”، أنه لما توفى نُقلت ثروته إلى خزائن المستنصر مدة شهرين.


لم يستخدم المغاربة، ولا الفاطميين السحر لاستخراج الكنوز، فلم تُشر المراجع التاريخية لذلك، ولم يجزم بها الدكتورعبد المنعم ماجد الذي استرسل فى كيفية قيام المستنصر بالاستعانة بالحفارين لاستخراج الكنوز واللقايا الأثرية، إلا إن ماجد يؤكد أن عمليات الحفر عن الكنوز قد أتاحت المال المتدفق للمستنصر الذي قام بعمل حركة تجارية واسعة في بداية حكمه، كما أنها ساهمت فى أن يعيش عيشة باذخة في قصوره المسماة “القصور الزهراء” – في وسط القاهرة – التي نافست قصور بغداد.


وكانت قصور المستنصر بالله الفاطمى،عبارة عن اثنى عشر قصرًا متصلًا بعضها ببعض، فشبهت بالجبل لكثرة ما فيها من الأبنية المرتفعة، منها: القصر الكبير الشرقي الذي بناه جوهر وأقام في داخله وخارجه خزائن وحواصل، والقصر الغربي الذي بناه المستنصر لنفسه أو أتمه، وغُرم عليه مليونًا ونصف مليون دينار، وقصر الذهب، وقصر الزمرد، وقصر الحريم، والقصر البحري قبل أن تؤدي المجاعة التي حدثت في عصره إلي أن أكل الناس بعضهم بعضا.


الصعيد وهوس البحث عن الآثار من أجل اللهث وراء الحلم السريع ، أدى لظهور عدة فئات فى المجتمع الصعيدى، تضمنت الطبقة الأولى في مجتمع الصعيد، الحفارين والمنقبين في بيوتهم، وهى طبقة ترى الحصول على الآثار وبيعها “حلال”؛ لأنها -بحسب وصفهم- نعمة الأرض التي تجود به لهم، وأما الطبقة الثانية، فيشغلها في الصعيد، المشعوذين ومدعين الشياخة، الذين يمتصون أقوات المواطنين المغيبين، وإيهامهم بأن فتح “اللقايا” يتم ببخور “الطقش المغربي”؛ ليساعدهم على الاتصال بالقرين “الجني”، الذي سيساعدهم على اكتشاف الكنوز، وتلعب طبقة المشايخ والمشعوذين على وتر معتقد قديم في الصعيد، تحاول إحيائه في عقول الراغبين في الثراء السريع، حيث تشير الأساطير، إلى ذبح الفراعنة عبد “خصي” على “اللقية”؛ ليتحول بعدها ذلك العبد إلى شبح حارس، يمنع أي فرد من الاقتراب من الكنز؛ ولذا يجب الاستعانة بشيخ “مغربي” أو “سوداني” (متمكن في علم السحر المغربي والسوداني لفتح المقابر)؛ للسيطرة على العبد “القرين”، وإزاحته من مكان “اللقية” للوصول إليها وينشرونها على مواقع اليوتيوب وصفحات التواصل الاجتماعى أيضا.


وأوضح الأثري والمؤرخ فرنسيس أمين لــ”بوابة الأهرام”، أن هيردوت “أبو التاريخ”، أكد في زيارته لمصر، أن الفراعنة لا يستخدمون “قرابين الدم”، ورغم ذلك يقنع الدجالون ضحاياهم بسفك الدماء، مؤكدا أن سرقة آثار مصر تمت حتي في عهد الفراعنة، حيث كانت تتم سرقة محتويات المقابر، لافتاً إلى أنه في القرن التاسع عشر كانت تجارة الآثار رائجة في مصر، حيث تم نقل الآثار خارج البلاد.


وأضاف أن هناك قصة مشهورة حدثت في سوهاج، منذ 15 سنة، حين استطاعت الشرطة بصعوبة تخليص طفل يبلغ من العمر عامين، من أيدي نصابين يريدون سفك دمه لتقديمه كقربان ، وأشار “أمين”، إلى أنه قديمًا لم تكن هذه العادة موجودة في مصر، بل إن الأثريين القدامى في مصلحة الآثار، كانوا ينشرون خريطة للأماكن الأثرية في كافة ربوع مصر، لافتًا إلى أن حيل الدجالين هي التي أدت لشيوع هذه الظاهرة، التي لابد من تضافر الجهود والتكاتف للقضاء عليها.

التعليقات مغلقة.