القلب عند المصرين القدماء
طبقا لفهم المصريين القدماء كان القلب يمثل العضو الاساسي في الجسم ومقر التفكير. وتنتشر من القلب إلى جميع أجزاء الجسم أوعية metu تمدها بالهواء والماء والدم. شابه المصري القديم نموذج الأوعية في الإنسان بمجرى النيل وفروعه. فكما يمد النيل الأرض بالماء فتصوروا أنه يوجد في جسم الإنسان نظاما مماثلا من الأوعية تمد مختلف أعضاء الجسم بالمواد اللازمة للحياة وتنقل النفايات. وكان الإنسان يعتبر صحيحا إذا كان “النهر” الداخلي يسير دون عطل. وإذا ازدحمت فروع النهر وتعطلت فإن الإنسان يصبح مهددا في صحته وتحل عليه أمراض.
أوعية أخرى تنتمي إلى أوعية المتو ، هي القصبة الهوائية والقلب، والمعدة والأمعاء ، وأنبوبي الكليتين والمثانة، فهي توصل الماء والهواء والدم إلى جميع أجزاء الجسم. وكذلك الأوعية المخرجة من الجسم مثل البراز والبول واللعاب والسائل المنوي والدم، فجميعها له أوعية يمر فيها ويخرج عن طريقها.
تعلم المصري القديم جميع أعضاء الجسم عن طريق قيامه بتحنيط الموتى للحفاظ على جسم المتوفى بعد مماته وحتى البعث.
كان المصري القديم يعرف الفرق بين الحالة الصحية وحالات المرض. وكان يعتبر أن المرض يعود إلى عدم قيام عضو من الجسم بوظيفته، مما يكون مصحوبا عادة بآلام. من المصطلحات التي كان يتداولها الطبيب في مصر القديمة عن الألم تعبير meret (بمعنى “وخز“) وتعبير menet („معاناة “).
ونعرف أنواع كثيرة من الأمراض مذكورة في النصوص الطبية، وهي لمختلف أعضاء الجسم. ويعيد المصري القديم الكثير من تلك الأمراض إلى اختلال في انظام الأوعية ونشأة وانتشار مواد تسبب الآلام.
وكان يفرق بين الأمراض الخارجية وأمراض داخلية. فبالنسبة إلى الرأس فكانت يوجد وجع الدماغ والصداع. وحظي علاج العيون بقسط كبير من الاهتمام ومن ضمنها العمى، والأذن (الخرس) وأمراض الأسنان واللسان.
وبالنسبة لأعضاء الجسم فكان الطبيب القديم يقوم بعلاج التصلب والاعوجاج والإلتهابات والأورام.
وبالنسبة للأمراض الداخلية فتعالج أمراض الصدر والأعضاء الداخلية مثل الرئة والكبد والمعدة والقلب ، والبدن والأمعاء، ومخرج البراز والمثانة. كما كانت تحدث حالات توتر الهضم والإصابة بطفيليات، وحالات نزيف، كما وصفت حالات للسعال.
وذكرت المراجع الطبية كثير من حالات الإصابات. واحتاج كسر العظام والجروح من الطبيب معرفة بالجراحة. وكان معالجة عضات الثعبان وقرصة الحشرات ومعالجة الحروق من الأشياء اليومية. وكذلك بالنسبة إلى علاج الأورام والالتهابات.
وعند المرأة كانت هناك معالجة خاصة تتعلق بالرحم وبعض أجزاء جسمها الأخرى. وعلاج الأطفال من الكحة والسعال والإفرازات.
وذكرت حالات عدم الارتياح والقلق أو الإصابة بحمى، وعلامات الشيخوخة فقد اعتبرت أمراضا.
انقسم ظهور المرض عند قدماء المصريين إلى قسمين: المرض العادي والمرض الناشئ عن السحر. من الأمراض الغير طبيعية فكانت تعود إلى فعل إله (وعلى الأخص سخمت أو عفاريت، وأرواح أموات. وكان يعتقد أنها تصيب المرء عن طريق السحر. فكانت تعتبر أنها تحل بالمرء عن طريق “نفس” أحد الآلهة أو أحد الشياطين على فتحات جسمه من جهة اليسار.
وكانت حالات المرض ترى على أنها عقاب لمساوئ اقترفها الإنسان أو انتقام روح ميت أو إنسان يعيش.
وأما حالات المرض الطبيعية فكان المصري القديم يرجعها إلى اختلال في الجهاز الهضمي. فكان يعتبر أن الغذاء لم يتم هضمه سليما يتحول إلى “مواد ضارة ومسببة للألم” وتنتشر في الجسم عن طريق الأوعية، وقد تظهر لها أعراض مثل الإمساك.
ويمكن تأثير مرض جسمي على مرض نفساني والعكس. فكان يعتقد أن مثلا أن الزعل والغضب يؤثران على القلب وحالاته، كما أن اختلال هضم المعدة قد يؤدي إلى الخوف.
من التخصصات التي وردت إلينا: الطب النسائي، وطبيب العيون، وطبيب أسنان، والطبيب الباطني، وتخصص في علاج التسمم (طبيب الإلهة سلكت) و”طبيب وكاهن الحقا” (وهو لقب ربما كان يختص بالأمراض الغير ظاهرة”. ولا يزال علماء الآثار مختلفون عما إذا كان للطب البيطري طبيب خاص.
كانت درجة الطبيب غير معروفة في كل الأحوال، ولكن وصف بعضهم بأنه “أمير أطباء بيت الملكة” أو “كبير أطباء الملك”.
من أهم الوصفات التي التي كان يكتبها الطبيب المصري القديم هو علاج العيون. فكثرة الرمال والزعابيب وكثرة الذباب والحشرات جعلت إصابات العين كثيرة. وكان تزيين العينين بالكحل من العوامل الواقية من مرض العيون. وكذلك كان الطبيب المصري القديم يصف الحقن الشرجية كثيرا. وكانت هناك طرق لمنع الحمل أو لزيادة القدرة الجنسية، أو القدرة على الحمل عند المرأة ولعلاج أوجاع في جسم المرأة.
ووصلنا خطاب كان أحد ملوك الحيثيين قد أرسله إلى فرعون مصر، راجيا أن يرسل له فرعون طبيبا لعلاج أخته حتى تستطيع إنجاب طفل. ولكن فرعون رد عليه بأن سبب عدم الإنجاب لدى أخته يعود إلى كبرها في السن ووصولها إلى “سن اليأس”، ولا يستطيع أي طبيب تغيير حالتها هذه.
نعلم في عصرنا هذا أن المصري القديم كانت له معرفة بجميع الأمراض وجميع أعضاء الجسم. ونجد في بعض المومياوات حالات من بتر أو الأعضاء الاصطناعية من الخشب وحتى علاجات فتح الدماغ. ويدل شكل العظام المعالجة بسبب كسر أو جرح أن الشخص المعالج عاش سنوات طويلة من بعد أن تمت له عملية جراحية لتطبيبه.
ابتكر الطبيب المصري القديم العديد من الأدوات الطبية والأدوات المساعدة. منها المشرط والسكين والملقاط والكماشة، وعثر على القليل منها ولكنها مذكورة في مخطوطات كثيرة وفي بعض الرسومات.
وكانت من أجهزة كل طبيب سكاكين صغيرة وملعقة مراهم وهاون لسحق العقاقير. وكانت تستخدم ريشة الحدأة لاستخدامها كقطارة لعلاج العين. كما استخدمت الحقنة الشرجية للعلاج. ومن المواد العلاجية البخور وجهاز للبخور كان يتكون من وعائين أحدهما داخلي والآخر خارجي.
استخدمت في إجراء العمليات الجراحية أدوات مختلفة للتقطيع، وكانت الجراحة لدى المصريين القدماء تسمى “دجوا”. كما استخدم جهاز يسمى “هيمم” كمشرط معدني يمكن بواسطته فتح خراج ، وهذا المشرط مذكور في نصوص طبية ويعتبر جهازا طبيا خاصا للجراحة. وكان الطبيب المصري يستخدم سكينا يسمى “دس” من الحجر وكان يستخدم في الجراحات العامة. واستخدم نوع آخر من السكين يسمى “شاس” ذو شكل مميز يستخدمه في علاج الأورام.
استخدم جهاز “هينوه” وهو يتكون من الجلد ونوع من الملقاط أو الكماشة. كما ذكرت في النصوص الطبية الخرامة “دجا” والمشرط “شيبت”. واستخدم مشرط الشيبت لعلاج التهاب في الأذن.
يوجد على حائط معبد كوم أمبو لوحة تعرف بأنها “دولاب الأدوات الطبية”. لا يزال علماء الآثار يبحثون في كيفية استخدام الطبيب المصري لكل من تلك الأدوات في العلاجات المختلفة.
يرى على اللوحة مقص وزرديات وميزان ومنشار وخرامات وقطع لوف وأكياس وكؤوس وشنائط.
كان المقص يشبه إلى حد كبير مقص موجود في المتحف القبطي بالقاهرة والذي استخدمه أطباء أقباط لمعالجة جروح كبيرة قبل القيام بخياطة الجرح، وكان المقص يستخدم أيضا في قص الأربطة لربط الجروح وكمضمدات. وكانت الأكياس في الغالب تستخدم للحفاظ على العقاقير والأدوية. وأما الشنائط فكانت تستخدم في الكحت أو لتنظيف العظام ولوضع الدواء.