العالمة المصرية “سميرة موسي”
بدايتها المشرقة
ولدت سميرة عام 1917 في إحدى القرى المصرية، وكانت التقاليد السائدة حينها لا تحبذ تعليم المرأة. وكان والدها، الحاج موسى علي، بطلها الأول الذي دعمها لتواجه الصعاب؛ إذ انتقل مع أسرته إلى القاهرة حتى يتمكن من توفير تعليم أفضل لأولاده.
طوال سنوات دراستها، أظهرت سميرة تميزًا استثنائيًّا لتصبح أول طالبة تحصل على المركز الأول في شهادة الثانوية العامة عام 1935. التحقت بكلية العلوم، جامعة القاهرة؛ وفي عام 1939، حصلت على البكالوريوس في علم الانبعاثات الطيفية مع مرتبة الشرف، وذلك بعد الأبحاث التي أجرتها على تأثير الإشعاعات التي تنبعث من الأشعة السينية على المواد المختلفة.
وقد لفتت حماستها وذكائها انتباه أستاذها الدكتور علي مُشرَّفة، وهو أول عميد مصري لكلية العلوم والذي أصبح بطلها الثاني. حصلت سميرة موسى على درجة الماجستير في العلوم وعُينت مدرسة في الكلية بعد جهود الدكتور مُشرَّفة الذي حارب من أجلها، في ظل الصعوبات التي كان يواجهها المصريون للحصول على مناصب في هيئة التدريس؛ حيث كان البريطانيون يسيطرون على الجامعة.
أرسلتها الجامعة إلى بريطانيا حتى تكمل دراساتها العليا عن الإشعاع النووي، وذلك بعد أطروحتها عن انبعاث الغاز الحراري. وقد حصلت لاحقًا على شهادة الدكتوراه في علم الانبعاثات الطيفية وتأثير الأشعة السينية على المواد المختلفة. ولأنها انتهت من أطروحتها في غضون سنتين، فقد أمضت السنة الثالثة في إجراء أبحاث مكثفة؛ حيث توصلت إلى اكتشافها العظيم.
اكتشفت سميرة موسى صيغة قيِّمة للغاية تسمح بتفتيت ذرات المعادن البخسة كالنحاس، مما يمهد الطريق لإنتاج قنبلة نووية قليلة التكلفة من مواد متاحة لجميع الدول. وإذا ما تمكنت الدول العربية من امتلاك مثل تلك التكنولوجيا النووية، لكانوا قد أصبحوا في موضع سلطة كبير؛ ولسوء الحظ لم يتم توثيق تلك الأبحاث في مصر.
في محاولاتها لمنح القوة والنفوذ للعالم العربي، في أعقاب القصف الأمريكي لهيروشيما وناجازاكي عام 1948، أسست سميرة موسى بعثة للطاقة الذرية وأرسلت الطلاب إلى الخارج للتخصص في مجال العلوم النووية. كما أنها نظمت مؤتمر الطاقة الذرية من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم.
وفي عام 1951، حصلت سميرة موسى على منحة دراسية من برنامج فولبرايت للبحوث الذرية في جامعة سانت لويس في ولاية ميسوري. وتقديرًا لأبحاثها النووية الرائدة، كان لها الحق في الوصول إلى المرافق النووية السرية الأمريكية، مما أثار نقاشًا عنيفًا في الأوساط العلمية والأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث كانت سميرة أول شخص أجنبي يتمكن من الوصول إلى مثل هذه المرافق.
خلال فترة إقامتها في الولايات المتحدة الأمريكية، تلقت سميرة عروضًا عديدة للبقاء هناك ولكنها رفضت وقررت العودة إلى مصر. “لقد تمكَّنْت من زيارة المنشآت النووية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سوف أكون في خدمة بلدي وسوف أتمكن من خدمة قضية السلام”، كانت هذه هي كلماتها في رسالتها الأخيرة إلى والدها.
نهاية محتومة
لم يسمح القدر لسميرة موسى بالعودة إلى مصر كما خططت. فقبل عودتها إلى مصر ببضعة أيام، تمت دعوتها لزيارة منشأة نووية في ولاية كاليفورنيا، وقاموا بإرسال سيارة لها لتقلها إلى هناك. وفي طريقها عبر منحدر عالٍ، ظهرت سيارة فجأة ودفعت بسيارتها إلى الهاوية؛ فتوفيت سميرة موسى إثر الحادث في 5 أغسطس 1952. ولم يتم العثور على السائق الذي تمكن من الهروب، وكشفت التحقيقات أن المنشأة التي كانت سميرة بصدد زيارتها لم تقم بدعوة سميرة من الأساس. وقد تسببت وفاة سميرة الغامضة بالإضافة إلى إغلاق ملف قضيتها بصورة مفاجئة في اعتقاد الكثيرين في أن وفاتها لم تكن مجرد حادث.
كانت سميرة تحلم بتحويل العالم إلى مكان أفضل، وكانت تؤمن بشدة بأهمية الطاقة النووية من أجل الدعوة للسلام. ولا يسعنا إلا أن نكرم تلك المرأة التي حققت كثيرًا في غضون خمسة وثلاثين عامًا؛ فهي عالمة جليلة كان من الممكن أن تكون أول مصرية تحصل على جائزة نوبل، إذا ما عاشت لفترة كافية لتحصل على هذا التكريم.
التعليقات مغلقة.