علوم الآثار.
الجيش في مصر القديمة
الجزء الثاني.
وكانوا ينقلون كتل الصخر بعد قطعها من المحاجر، ولا تزال أسماء وحداتهم منقوشة على صخور الأهرام إلى يومنا هذا،
كذلك كان النظام العسكري في الميدان صارماً فلم يُسمح لأي جندي بأن يضرب جنديأ زميله ولا أن يخطف منه رغيفه،
ولا أن يسرق ثياباً من أي قرية، أو يسرق عنزة من أي شخص، عندما استقل رؤساء الأقسام الإدارية في عصر الاضطراب الأول،
جندوا قوات مساعدة من البرابرة لاستعمالهم الشخصي، ودربوهم على القتال، وجندوا الشباب من أبناء مقاطعاتهم،
وهناك نماذج خشبية للجنود عُثر عليها في قبر أحد الأمراء في أسيوط
، تبين هيئة الجيش في ذلك الوقت وإن لم تؤد الحروب الإقطاعية إلى عسكرة المواطنين،
وكان الجيش ينقسم لقسمان هما رماحو المقاطعة والنبالون النوبييون، ويتألف كل قسم منهما من 40 رجلاً في أربعة صفوف
، بكل صف منها 10 رجال، يحملون تروسهم في أيديهم اليسرى ملاصقة لأجسامهم، ويحملون في اليد اليمنى رماحهم قائمة،
ويثنون أذرُعهم عند المرافق،
وترتفع نصال رماحهم إلى إرتفاع باروكاتهم
، ويراعي النبالون السود البشرة النظام الذي يزود الجيش بأعظم قوته ويسير هؤلاء الجنود في أربعة صفوف متوازية،
بخطوات منتظمة تبدأ بالقدم اليسرى، وفي خضم الحرب الأهلية تلاشى النظام القديم بتقنياته ومركزيته
، وتألفت جيوش أمنمحات وسنوسرت من المليشيات المحلية وجنود الملك الخصوصيين، أما الدولة الحديثة وهي عصر الفتوحات العظمى فكانت عصر الجنود المحترفين المنظمين بطريقة تكاد تكون حديثة،
فإن لم يقم الفرعون بقيادة العمليات الحربية بنفسه فإنه كان يشترك في مجلس الحرب، ويسند القيادة العليا للجيش إلى قائد عظيم، وكانت هناك مناطق عسكرية يشرف عليها ضباط مسؤولون.
أضطلع المندوبون الملكيون في البلاد الأجنبية بعمليات أقل من هذه، وكان الجنود أكثر لياقة في العرض العسكري،
ومدربين على أداء الحركات العسكرية بمجرد سماع صوت البوق، فزادت الوحدة التكتيكية في أهمية المعارك والجنود المشتركين في القتال
، تتألف فرقة المشاة من 200 رجل تحت إمرة حامل الواء، وتنقسم الفرقة إلى أربعة أقسام بكل قسم 50 رجلاً وتسمى هذه الأقسام بأسماء طنانة ذات عظمة،
مثل “أمنحوتب يضئ كالشمس” و “رمسيس القوي الذراع” وما أشبه، وكانت أعلامهم عبارة عن صور مثبتة في أطراف سيقان من الخشب، وقد قسم الجيش إبان الحملات العظيمة للأسرة التاسعة عشرة إلى أربع فرق تحمل أسماء الألهة العظمى للدولة (أمون، رع، بتاح، ست)،
ويتألف الجيش من قسمين هما المشاة وراكبو العربات، والقسم الأخير أكثر ميزة من القسم الأول،
ويُعطي ضباطه درجة كُتاب ملكيين وتقوم العربات بالهجوم الضخم أو بمساعدة المشاة، في مجموعات صغيرة العدد ويتألف المشاة الكثيرو العدد من المصريين الذين اتخذوا الجندية حرفة،
والأسرى الذين كانوا يُدمَغون بالحديد الساخن فيصبحون من الجنود المرتزقين كالسود انيين والسوريون والفلسطينيين والبدو وأكثرهم من الليبيين ورجال البحر،
وخصوصاً “الشردن” المشهورين الذين قبض عليهم رمسيس الثاني بسيفه والذين أنقذوا الجيش في معركة قادش، وجدت بعض الكتابات تسخر من بؤس حياة
الجندي منها النص التالي: (سُور راكب العربة المغرور لأنه باع ميراثه ليدفع ثمن عربتة الفخمة، ولكنه سقط من تلك العربة فضُرب ضرباً مبرحاً،
أما جندي المشاة فيؤخذ طفلا ويوضع في معسكر، وتوجه ضربة موجعة إلى معدته،
ولطمة جارحة إلى عينه، ولكمه مذهلةإلى حاجبه،
ثم يأتي السير إلى فلسطين والقتال في الصحراء،
فيُجبر على أن يحمل طعامه وشرابه فوق ظهره، ويضطر إلى أن يشرب الماء الأسن،
ولا يتوقف عن السير إلا ليقف ديدباناً للحراسة، حتى إذا ما وصل العدو،
كان أشبه بعصفور وقع في شرك، ففقد كل قوة في جسمه،
وعندما يعود إلى مصر، يكون كقطعة من الخشب نخرها السوس، فيمرض ويضطر إلى الرقاد
، ويرجع محمولاً فوق حمار، فيجد ثيابه قد سُرقت وخادمه هرب).
أن هذه الصعاب القاسية لم تكن من قبل المبالغة ولكن المتعلمين ومنهم كبار الموظفين يعطون صورة قاتمة عن الجنود ليبرهنوا لتلاميذهم على صحة المثل القديم القائل أن حظ الكاتب خير من
حظ الجندي ولكن إذا أصبح الشاب كفئاً لأن يكون إما راكب عربة أو كاتبا،
فإن المستحيل المفتوح أمامه هو الإدارة في المستعمرات والخدمة في البلاط والمهام الدبلوماسية ووظائف الكهنة العليا،
والحقيقة أن للجندي العادي حظاً يُحسد عليه سواء كان من المواطنيين أو من البرابرة المعينين في الجيش، فيتحلى بـ”ذهب الشجاعة”، ويُكافأ بالغنائم
، ويُعفى من جميع الضرائب، ويُمنح أقطاعاً من الأرض الخصبة، وعلى ذلك يكون الجنود فئة محظوظة، وإحدى دعائم الدولة الحديثة وبعد القتال يرتاح المشاة والفرسان
، ويستطيع الشردن والكيهت أن يعيشوا بسلام في مدنهم، فتُحفظ الأسلحة في المخازن، ويأكل الجنود مع زوجاتهم وأولادهم[26]،
ويشربون كيفما شاؤوا. ولما قوى الجيش سياسياً في نهاية الأسرة الثامنة عشرة أرتقى القائدان “حور محب” و “رمسيس الأول” العرش، ومنذ ذلك الوقت انحدر الملوك من الجنود، ولم يثقوا بالنبلاء ولا بالقوات الوطنية،
وأعطوا الأفضلية للضباط البرابرة وجنودهم الأجانب، وفي بداية الألف سنة الأولى قبل الميلاد حكم الجنود المرتزقة الليبيون البلاد مع “شاشنق” ومنذ الأسرة السادسة والعشرين،
وثق الفرعون بمشاته الذين أحضرهم من بلاد الإغريق، أكثر من ثقته بالطائفة العسكرية المصرية.
وقد شارك الجيش المصري في تحرير مدينة القدس من أيدى الصليبيين في واحدة من المعارك التاريخية على مر العصور قائد المعركة البطل صلاح الدين الأيوبي
وكان الجزء الأكبر من جنوده من المصريين وبالإضافة إلى ذلك قادت القوات المصرية دورا كبيرا في هزيمة المغول الذين دمروا الدولة الإسلامية العباسية بقيادة القائد قطز.
للحديث بقية مع الجزء الثالث ….
التعليقات مغلقة.