العلاقة السرية بين عجل بني اسرائيل ومدينة نيوم والتفريط في بلاد الحرمين لغز نيوم
أعلن محمد بن سلمان في أكتوبر 2017 عن إنشاء منطقة استثمارية وسياحية على الساحل الشمالي الغربي من البحر الأحمر تحمل اسم “نيوم” وعين مجلسا استشاريا من 18 شخصية أجنبية لإدارتها وأسند رئاسة المشروع للألماني كلاوس كلاينفيلد الذي رشحه اللوبي في منتدى ديفوس، وتم تعيينه بعد ذلك مستشارا لولي العهد.
تبلغ مساحة الأرض المخصصة 26,500 كم2 وضم لها ألف كم2 من سيناء، في شرم الشيخ والشريط الضيق على الضفة الغربية لخليج العقبة، بالإضافة لجزيرتي تيران وصنافير اللتان اخذهما مقابل المال السعودي، وإمداد مصر باحتياجاتها النفطية لمدة 5 سنوات بقرض قدره 23 مليار دولار تسدد بفائدة 2% على 15 عاما.
كما أوضحنا في المقال السابق فإن الحد الجنوبي لمشروع نيوم يتطابق تماما (شبرا بشبر وذراعا بذراع) مع الحد الجنوبي لـ “إسرائيل الكبرى” في خريطة بن آفي بزاوية ميل 30 درجة حتى خط عرض 28 الذي ينتزع شمال المملكة ويضمه لـ ” أرض إسرائيل”..
الحدود الجغرافية التي قررها بن سلمان لمشروعه الصهيوني هي حدود أرض مدين القديمة، الخاصة بقوم سيدنا شعيب حيث يزعم اليهود أنها أرض يهودية ويريدون استعادتها وضمها للكيان الذي يعملون على تشكيله بناء على المزاعم التوراتية.
أرض مدين
تأتي أهمية أرض مدين لليهود بناء على تفسيرات من التوراة تشير إلى أنها الأرض التي هرب إليها بنو إسرائيل من مصر، وعاشوا فيها بعد نجاتهم من فرعون، وهم يرفضون الرواية السائدة في مصر التي تقول إن الهروب كان إلى سيناء حيث يوجد جبل موسى وصحراء التيه وعيون موسى.
الرواية التوراتية الجديدة التي تمتليء بها كتب اليهود في نصف القرن الأخير أن العبور لم يكن من خليج السويس ولم يكن الهروب في سيناء، وإنما العبور من خليج العقبة والهروب إلى أرض مدين.
ولأن مشروع نيوم هو اقتطاع أرض مدين فإن الاسم أيضا مرتبط بها، فالجدل حول رمزية الاسم ليس كما زعموا أن لجانا درست واستقرت على كلمة مركبة، من كلمة نيو ( new باللاتينية ) مع حرف الميم من كلمة “مستقبل” العربية، والحقيقة أن الاسم مشتق من كلمة “مدين”، بقراءتها معكوسة ” نيدم” مع استبدال حرف الدال بحرف الواو الذي له رمزية وعلاقة بقصة الخروج حيث يبدأ سفر الخروج الذي يروي قصة اليهود في مصر والخروج منها إلى مدين بحرف الواو، حيث يبدأ بـ “وهذه أسماء بني اسرائيل الذين جاءوا إلى مصر مع يعقوب”، فأصبح الاسم الصهيوني الجديد لمدين هو “نيوم”.
تفسير جديد لقصة الخروج
يقول الإسرائيليون أنهم لم يجدوا في سيناء العلامات الموجودة في التوراة عن رحلة الخروج، وانتهت عمليات البحث في الفترة من 1967 إلى 1982 إلى أن اليهود لم يبقوا في سيناء التي كانت تابعة للحكم المصري، وأن سيدنا موسى قادهم إلى الطريق الذي يعرفه وسار فيه من قبل إلى مدين، فكان العبور من خليج العقبة بعد المرور في طريق التفافي بين الجبال يوصل إلى نويبع.
هذا التفسير لطريق الخروج بدأ التأكيد عليه منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي عندما بدأت عمليات الاستكشاف عام 1978، قام بها الطبيب الأمريكي رون وايت الباحث عن الآثار التي وردت في نصوص العهد القديم، وهو الذي اكتشف موقع سفينة نوح في شرق تركيا.
توجه رون وايت إلى سيناء، وزار ساحل نويبع (كانت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي)، وغاص بالكاميرا تحت الماء في قاع الخليج، ودخل السعودية متسللا قبل القبض عليه واحتجازه بتهمة التجسس ثم أطلق سراحه.
مما أعلنه رون وايت في فيديو وثق فيه رحلة الخروج الإسرائيلي، العثور على عمود من الرخام الوردي زعم أن النبي سليمان وضعه على شاطيء نويبع كعلامة لمنطقة العبور في الجانب المصري وتم تثبيته بقاعدة خرسانية، وموجود حتى الآن، وقد اتفق الإسرائيليون مع الحكومة المصرية على الحفاظ عليه في مكانه، ثم وجد وايت قاعدة العمود الثاني فقط على الشاطيء المقابل في الناحية الأخرى ولم يعثر على بقيته التي تدمرت.
ومن العلامات التي أكدها رون وايت، وآخرون قاموا برحلات الاستكشاف من بعده مثل لينارت مولر صاحب كتاب ( The Exodus Case ) أن جبل سيناء الذي تجلى الله عليه وكلم موسى ليس في سيناء وإنما في مدين، ويعرف الآن باسم جبل اللوز الذي اشتعل نارا وتظهر الصور قمته سوداء محترقة، والعثور على الصخرة التي ضربها موسى بعصاة فانفجر منها الماء، ووجدوا بقايا 12 عينا، ومكان النخيل (الـ 70 نخلة الواردة في التوراة).
من أبرز ما أعلنه رون وايت وأكدته صور الأقمار الاصطناعية أن قاع خليج العقبة يبدو أمام نويبع كطريق ممهد، ومرتفع بشكل كبير عن عمق الخليج يمينا وشمالا، ونشر صورا التقطها بالفيديو تحت الماء، تظهر بقايا العجلات الحربية الفرعونية تنمو فوقها الشعاب المرجانية، وعثر على بقايا عظام بشرية وحوافر الخيل.
من الآثار التي يزعمون أنها تقوي تفسيرهم وجود مجموعة من الأحجار الضخمة يقولون إنها منصة العجل الذي عبده بنو اسرائيل ومرسوم عليها أكثر من صورة للعجل، بالإضافة إلى مقابر ضخمة بها شواهد القبور بالآلاف، ورسوم للشمعدان السباعي (مينوراه) وآثار يهودية وانتشار رسم نعل الصندل المفتوح على الصخور في أرجاء المكان، ويرمز خلع النعال إلى أن هذه الأرض مقدسة!
وأكدت هذه الادعاءات الصور التي التقطها الطبيب الكوري ديفيد كيم الذي كان يعالج الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير مكة سابقا، حيث استغل علاقته بالقصر الملكي والسماح له بحرية التنقل في دخول المنطقة التي أغلقتها السلطات، واستطاع تقديم عدد كبير من الصور التي تثبت الاستيطان اليهودي للمنطقة وتؤكد أن جبل الطور الحقيقي في مدين وليس في سيناء.
الغريب أن بن سلمان اشتغل منذ اليوم الأول لولاية العهد على فصل هذه المنطقة عن السعودية، وأعلن أنها ذات طبيعة خاصة ولا تخضع لقوانين المملكة وأعلن أن السعوديين لن يدخلوها إلا سائحين أو مستثمرين.
يبدو أن بن سلمان وجدها مصلحة مشتركة، و فرصة ليهرب من الرياض ويبتعد عن أبناء عمومته الذين اعتقلهم وحدد إقامتهم واستولى على أموالهم، ويريد أن يحكم السعوديين من مستوطنة نيوم المسورة والمحصنة والمحمية إسرائيليا، حيث يبني بها خمسة قصور ملكية، له ولأبيه ولإخوته، مع مطار خاص، ويبدو أن هذه الثقة الزائدة في الدعم الصهيوني العالمي هي التي جعلته يقدم على قتل جمال خاشقجي بهذه الطريقة المروعة غير مبال بردود الأفعال.
حتى لو كانت قصة الخروج الإسرائيلي وفقا للتفسير اليهودي صحيحة فهذا لا يعني أنها ملك لهم، سواء في سيناء أو في السعودية، والزعم بأن الرب وعدهم بكل أرض عليها آثار نعالهم فهذا يعني أن أطماعهم ليس لها حدود.
أن يحلم الإسرائيليون بالتوسع والسيطرة فهذا شأنهم لكن ليس من المقبول أن يتحول حاكم عربي يزعم أنه مسلم إلى أداة للإسرائيليين ينفق نصف تريليون دولار من أموال السعوديين لتحقيق الأحلام التوراتية والتفريط في بلاد الحرمين.
التعليقات مغلقة.