يَكْفي في فضْل السيدة خديجة أنَّ الله تعالى أرْسَلَ سلامَه لها مع جبريل، وبَلَّغه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أبي هريرة -ط رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم – فقال: ((يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتْ معها إناءٌ فيه إدامٌ أو طعام أو شرابٌ، فإذا هي أتتْك، فاقرَأْ عليها السلامَ من ربِّها ومنِّي، وبَشِّرها ببيتٍ في الجنة من قَصَبٍ؛ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ))
و هذه المرأة العظيمة التي ارتبطَ ذِكْرُها بذِكْر الوحي والبعثة حين كانتْ تُثَبِّت النبي – صلى الله عليه وسلم – وتُبَشِّره، هذه المرأة الطاهرة العفيفة الحَييَّة الستيرة؛ حتى لُقِّبَتْ بالطاهرة في الجاهلية، فزادتْ بالإسلام شرفًا إلى شَرَفها، وطَهَارة إلى طهارتها، هذه المرأة العظيمة في الإسلام انبرى لفيفٌ من الجاهلين والجاهلات لتلويثِ سُمعتها، واجتمعوا على تشويه صورتها، وتدنيسِ سِيرتها، بِخَلْع اسمها الطاهر على مركز للتغريب والتخريب والإفساد، ومُحادَّة الله تعالى في أحكامه، وتزوير شريعته.
ولئنْ كان الرو((افض قبل أشهر قد أظهروا الطَّعْن في عائشة رضي الله عنها فإنَّ الليبراليين حاوَلُوا تشويه سُمعة خديجة – رضي الله عنها والرا()فضة والليبراليون قريبٌ بعضُهم من بعض قُرْب اليه__/ود والنصا//رى من الراف/ض/=ة الفُر/س.
لقد أرادوا خِداع العامَّة بتصوير خديجة – رضي الله عنها – سيِّدة أعمالٍ تَخرج في تجارتها، وتباشِرُ أعمالَها خارِجَ منزلها، وتزاحِمُ الرجال في ميادينهم، ويُعلنون باسم الطاهرة خديجة التمرُّدَ على الحِجاب، وعلى قِوامة الرجل على المرأة، وعلى إسقاط المَحْرَم في السفر.
وباسم خديجة يدْعون إلى السفور والاختلاط ومزاحَمة الرجال، فما أكْثَرَ كَذِبَهم، وما أعظم فِرْيَتهم على بيت النبوة.
أَوَلَو اختاروا غير خديجة! تلك المرأة القارَّة في بيتها، التي لَم يُعْرَفْ لها خروجٌ مُستمرٌّ منه، ولا مُزاحمة للرِّجال، ولا غَشيان للأسواق؛ لا في الجاهلية ولا في الإسلام، تلك المرأة التي ما كانتْ تَمنعها الجاهليَّة أن تَخرجَ في تجارتها للشام مع غُلامها وخَدَمِها، وهي السيدة التي لا يُوطَأ لها على طرفٍ، ولا يُكْشَف لها كَنفٌ.
أَوَلَو اختاروا غير خديجة التي كانتْ تبذُلُ من مالها للرجال ليديروا تجارتها؛ لكي تقرَّ هي في منزلها! والله ما منَعَها من غشيان أعمال الرجال إلا طُهْرها وعِفَّتُها وحياؤها، ولقد كانتْ تُوكل مَحَارِمَها من الرجال لشراء حاجاتها، كما اشتَرَى لها ابنُ أخيها حكيم بن حِزام مولاها زيدَ بن حارثة – رضي الله تعالى عنهم.
وجبريل – عليه السلام – بَشَّرها ببيت في الجنة، ولَم يُبَشِّرْها بقَصْر أو بُستان أو نحوه، فاستخرج العلماءُ من ذلك نُكْتَة لطيفةً، ذَكَرها السهيلي – رحمه الله تعالى – فقال: “لذِكْر البيت معنًى لطيف؛ لأنها كانتْ رَبَّةَ بيتٍ قبل المبعث، فصارتْ رَبَّةَ بيتٍ في الإسلام مُنْفَردة به، لَم يكنْ على وجْه الأرض في أوَّل يومٍ بُعِثَ فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيتٌ في الإسلام إلا بيتَها، وهي فضيلة ما شاَرَكَها فيها غيرُها”.
فهل يصحُّ أن يختارَ أذنابُ الغرب خديجةَ مثالاً للتاجرة، ومُزَاحمة الرجال، وتحرير المرأة من أحكام الشريعة، وهي التي قرَّتْ في بيتها قبل الإسلام وبعده، وأوْكَلَتْ أمْرَ تجارتها ومالها للرجال – نعوذ بالله تعالى من الجهْل والْهَوى، وعَمى البصيرة.
ولما تزوَّجتْ خديجة – رضي الله عنها – رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان قبل البعثة يتعبَّد الليالي ذوات العدد في غار “حراء”، وما نُقِل أنَّ خديجة كانتْ تخرج معه، أو تَبحث عنه إذا استبطأتْه، وهي الزوجة المُحِبَّة التي سعتْ إليه حتى حظيتْ به، بل كانتْ تنتظره في بيتها حتى يرجعَ إليها، ومَن قرأ أحاديثَ بدأ الوحي تبين له ذلك …
التعليقات مغلقة.