جاء إلى مصر وعاش بها كما ذكرت في مقال سابق لي ، العديد من الرسل والأنبياء ، ونعلم جميعنا أن أجدادنا المصريون القدماء قد سجلوا تاريخنا على جدران المعابد والأهرامات ، وعلى التماثيل العديدة ، وفي نصوص البرديات الكثيرة ، وفي تدوينات ونقوش بالجبانات والمقابر والمسلات ، وكلها تشير وتؤكد أنهم كانوا موحدين بالله الواحد الأحد.
ولنفكر سويا.
وأبدأ بصحابة رسول الله الذين فتحوا مصر عام 621م ، فإنهم لم يتعرضوا إطلاقا للتماثيل المصرية القديمة بأي سوء ، لأنهم يدركون حقيقة ما ترمز وتشير اليه ، فلو كان المصريون كافرون ، (كما يدعي الغرب ويبثوا سمومهم لإقناعنا بذلك) ، لكان أول ماسيفعله الصحابة الكرام هو هدم كل تلك التماثيل ، (كما فعلوا بأصنام قريش والقبائل الأخرى عند فتح مكة) ، ولكنهم لم يفعلوا أي شيء من هذا مطلقا بتماثيل أجدادنا القدماء ، لماذا؟ لأنهم كانوا على يقين بأن المصريين القدماء لم يعبدوا هذه التماثيل ، لا هي ولا غيرها من دون الله عز وجل.
ومن هؤلاء الصحابة؟ ، هم من عاشوا ورأوا الرسول صل الله عليه وسلم ، بل وروا عنه الأحاديث ، فكان منهم عمرو بن العاص ، والزبير بن العوام ، والمقداد بن الأسود ، وعبادة بن الصامت ، وخارجة بن حذافة ، وحسان بن ثابت ، والقعقاع بن عمرو التميمي ، وغيرهم الكثير الذين عاشوا وماتوا ودفنوا بأرض مصر الطاهرة.
فإذا كان هذا هو سلوك صحابة الرسول تجاه الآثار المصرية القديمة ، وليس هم وحسب ، بل كان أيضا سلوك التابعين وتابعي التابعين ، وأئمة الفقه الاربعة الذين جاءوا الى مصر (الإمام مالك ، وأبى حنيفة النعمان ، والإمام الشافعي ، وأحمد ابن حنبل) ، ولم يفت أي منهم بهدم هذه التماثيل ولا تلك المعابد.
ولنترك شهادة رجال الدين والصحابة قبلهم ، ونذهب للعلماء فقد جاء في مؤلف العلامة الفرنسي “ماسبيرو” ونقله عنه المؤرخ المصري الكبير “أحمد نجيب” في كتابه “مصر القديمة” ص264 :
“إن المصريين القدماء كانوا أمة مخلصة في العبادة ، إما بالطبيعة أو بالتلقين والتعليم ، فكانوا يرون الله في كل مكان ، فهامت قلوبهم في محبته ، وانجذبت أفئدتهم إليه ، واشتغلت أفكارهم به ، ولازم لسانهم ذكره ، وشحنت كتبهم بمحاسن صفاته وأفعاله ، حتى صار أغلبها صحفا دينية ، وكانوا يقولون أنه (واحد) لا شريك له ، كامل في ذاته وصفاته وأفعاله ، موصوف بالعلم والفهم ، لا تحيط به الظنون ، منزه عن الكيف ، قائم بالوحدانية في ذاته ، لا تغيره الأزمان ، فهو الذي ملأت قدرته جميع العوالم ، وهو الأصل والفرع لكل شيء.
وفي عام 1839م ،و بعد وفاة “شامبليون” نشر أخوه “فيجاك” خلاصة ما كان قد توصل إليه بعد طول بحث ودراسة ، أن الديانة المصرية توحيد خالص (The Egyptian Book of Dead , w.Budge.p/84).
وفي تلك الفترة نفسها من القرن التاسع عشر ، ظهر في ألمانيا واحدا من أكبر علماء الآثار المصرية ، وهو “د. هنري بروجسن” ، والذي خرج بإستنتاج هام ، نابع من تعمقه في الحضارة المصرية القديمة ، بأن قال ” أولئك القوم (يقصد المصريين القدماء) ، كانت عقيدتهم قمة التوحيد ، ولقد جمع عدد هائل من فقرات نصوص مصرية قديمة منها:
“الإله واحد أحد ولا ثاني له ، الإله باطن خفي ولا أحد يعرف تكوينه ، ولا أحد يمكنه أن يدرك كنيته وماهيته ، ولا شبيه له ، وهو خالق الكون وكل ما فيه ، خلق السموات والارض والأعماق ، وما تحت الثرى والمياه والجبال” (الكتاب المصري عن الموت ، ص 84، 85).
ونأتي إلى العالم الفرنسي “دي روجيه” والذي نشر في عام 1860م ، في كتابه عن مصر ، نصا جاء فيه:
“لقد كان التوحيد بإله سام ، وجد من تلقاء نفسه ، أزلي ، أبدي ، قادر على كل شيء ، وخلق العالم والكائنات الحية ، يعزى وينسب إليه كل شيء ، مثل هذه القاعدة السامية الراسخة ، يجب أن تضع عقائد المصريين القدماء في أشرف وأكرم مكان بين عقائد العالم القديم” ، (الكتاب المصري عن الموت ص83).
وفي عام 1869م نشر عالم الآثار “دي لاردج” ، كتابا عن ديانة المصريين القدماء ، ذكر فيه:
بعد دراسة متعمقة لعدد من النصوص الدينية المصرية القديمة ، “فإن التسابيح الموجهة لـ(الله الواحد) كانت تُسمع في وادي النيل قبل خمسة آلاف سنة ، وأنهم كانوا يعتقدون في الله العظيم الأحد ، خالق البشر ، وسانن الشرائع ، والمزود بروح خالدة لا تفنى.
مصر مؤمنه والمصريون لم يعبدوا أصنام وآلهة متعدده ،
كل الإثباتات تقول ذلك
التعليقات مغلقة.