كنوز مصر المنهوبة الجزء الثالث

علوم الآثار
كنوز مصر المنهوبة.
الجزء الثالث.
الوجه المشرق من الغرب لاستعادة الكنوز المصرية القديمة المسروقة.
وهذه قصة عن رجل ساعد في استرداد الآثار المهربة استمتع بقراءتها.

جوناثان توكلى – بارى وريتشارد (ديك) تشارلز أليس خبيران لن ينساهما تاريخ الآثار المصرية.
الأول خبير بارع نادر المهارة فى سرقة آثار مصر. هرًّب أكثر من 3000 قطعة فرعونية بطرق مختلفة منها طلاؤها بألوان حديثة كى تبدو كأنها هدايا تذكارية تحاكى الأصول.عانى منه المصريون فى التسعينيات من القرن الماضي. وُحكم عليه فى مصرغيابيا بالسجن مع الأشغال الشاقة 15 عاما. ولم تتمكن السلطات، رغم كل الجهود التى بذلت، من جلبه لتنفيذ الحكم.


الثانى محقق فى جرائم سرقة وتهريب الآثار والأعمال الفنية مرموق عالميا. ويتمتع بالقدر نفسه من المهارة والسمعة النادرة والخبرة، ولكن فى اصطياد أمثال جوناثان.
أعاد ديك تأسيس وحدة «الأعمال الفنية والآثار» ضمن إدارة العمليات الخاصة فى الشرطة البريطانية «سكوتلانديارد» ورأسها 10 سنوات فى الفترة بين 1989 و1999.
أحد أهم إنجازات تلك الوحدة هو اصطياد جوناثان وتقديمه إلى العدالة فى بريطانيا. وحكم عليه، فى عام 1997 بالسجن 3 سنوات.
وفى عام 1999، كان ديك ملء الأسماع والأبصار فى مصر بعد أن سلم، هو ورجاله، سفارتنا فى لندن عشرات القطع من الآثار
التى سرقها جوناثان.
من أشهر هذه القطع المستردة رأس أمنحوتب الثالث الذى أخرجه لص الآثار
من مصر عام 1990 .
فى عام 2019، أصبح رأس توت عنخ آمون هو موضوع الساعة.

«أنا مستعد بالتأكيد لمساعدة مصر فى استعادة أى آثار مسروقة ومنها توت عنخ آمون لو ثبت أنه منهوب»، عاجلنى ديك بهذه الإجابة قبل أن أنتهى من سؤاله عما إذا رغب فى المساعدة؟
يقول ديك «قرأت تقارير خبراء لهم مصداقية تشكك فى ملكية الرأس. ولذا فإن الأمر يحتاج إلى تحقيق شامل ودقيق ومحترف للوقوف على مدى دقة الوثائق التى تقول كريستيز إنها تملكها».


لدى ديك أيضا تجربة جيدة مع كريستيز لندن، المؤسسة البريطانية ذات الملكية الفرنسية. فبعد تقاعده من الشرطة البريطانية عام 1999، عمل مديرا عاما لشركة خدمات تأمين الأعمال الفنية الراقية التابعة للمؤسسة.
خلال مزاد خاص يوم 4 يوليو الحالى الذى بيع فيه رأس توت عنخ آمون، و32 قطعة مصرية أخري، لم تنتبه كريستيز إلى أن الرأس، الذى يشغل وسائل الإعلام الغربية، محل نزاع.
ويندهش الخبير البريطانى من امتناع الدار الشهيرة عن تنبيه المزايدين إلى هذا النزاع. ويقول «كان يجب التنويه حتى يدرك المشترى أنه ربما يواجه مشكلات قانونية فى المستقبل، وهذا ما تقضى به القواعد المعمول بها فى السوق».
ترد متحدثة باسم كريستيز قائلة «ليس هناك نزاع قانونى بشأن الرأس. لدينا سند ملكية، وتحققنا تماما من وثائق الملكية».
غير أن ديك يقول إنه «لايمكن تجاهل احتجاج مصر التى طلبت الاطلاع على وثائق تشير إلى خروج الأثر من مصر وفق ترخيص قانونى وبعلم السلطات المصرية».
وحتى فيما يتعلق بالملكية، يشير ديك إلى تحقيق استقصائى أجراه موقع «لايف ساينس» صاحب المصداقية العالمية فى القضايا التاريخية. كشف فيه أن رواية كريستيز عن امتلاك الأمير الألمانى ويليهام عام 1974 مشكوك فيها، لأنه لم يملك هذه القطعة على الإطلاق.
الملف لم يُغلق بعد
تدعى كريستيز أيضا أنها اطلعت على وثائق موجودة فى مكتبة بلدية مدينة ميونخ الألمانية «تكشف عن كيفية شراء القطعة».
هذا ما يحتاج إلى تحقيق، كما ينصح ديك، قائلا إن ما يعلمه أنه ليس هناك ترخيص لتصدير الأثر من مصر، ولذا فإنه «يجب أن تتحقق مصر من صحة الوثائق والأوراق الخاصة بالملكية لأنها سوف تكشف فى النهاية عن مصدر خروجها من مصر».
هذا التحقيق ربما يستغرق وقتا، ومصر تسعى جاهدة لوقف مزاد كريستيز؟
يقول ديك إن الوقت المطلوب ليس طويلا كما يُتصور، وهناك خبراء قادرون على المساعدة فى مثل هذه التحقيقات التى يمكن أن تساعد مصر فى اللجوء إلى القضاء البريطانى لاستصدار أمر قضائى عاجل بوقف المزاد.
لم تستجب كريستيز لطلب الجانب المصرى تأجيل المزاد لحين التحقق من طريقة خروج رأس توت غنخ آمون من مصر، هل بيع الأثرأغلق الملف؟
يجيب ديك بالنفى القاطع، مؤكدا أن استعادة الآثار المسروقة ليست سهلة ولكنها ليست بالصعوبة المتخيلة.
أعلنت مصر إجراءات رفع دعوى قضائية على كريستيز لاسترداد قطع الآثار الـ 33. فما الذى يجب أن تفعله الحكومة المصرية لكسب القضية؟
يرد: «المطلوب الآن هو أن يراجع محققون خبراء ما هو متاح من أوراق (منها ما يتعلق بملكية الأمير الألمانى للقطعة التى تزعم كريستيز أنها موجودة فى ميونخ) ووثائق من هيئة الآثار المصرية، ثم تُرفع دعوى قضائية أمام المحكمة العليا فى بريطانيا لاسترداد القطعة».
وأعتقد أن البداية هى لقاء أحفاد الأمير الألمانى المذكور للتأكد من مسألة ملكيته للرأس، وتتبع وسائل انتقال ملكية الأثر لحين الوصول إلى تاريخ خروجه من مصر، وإن لم تتوافر وثائق تدل على الخروج الشرعي، يكن هذا سندا قويا أمام المحكمة.
هل تقتصر مسئولية كريستيز وغيرها من دور المزادات الأخرى فقط على التأكد من الملكية؟
لا، يقول ديك: هى «مسئولة عن التحقق من الوثائق التى تؤكد أن الملكية شرعية من حيث المبدأ، أى أن القطعة لم يتم تهريبها أو سرقتها من مصر، وهذا مبدأ أخلاقى من مبادئ تجارة الآثار والأعمال الفنية».
خلال رئاسته وحدة الآثار الفريدة فى الشرطة البريطانية، كان ديك يتلقى 250 طلبا من دول أجنبية سنويا تتعلق بمسروقات فنية وأثرية. وحسبما يذكر، فإن الوحدة كانت تسترد مسروقات لاتقل قيمتها عن 14 مليون جنيه استرلينى سنويا.
واسترد آثار مسروقة من مختلف الدول من الصين حتى الولايات المتحدة مرورا بأوروبا فضلا عن مصر.
يسترجع ديك تجربته السابقة مع مباحث الآثار المصرية . ويقول إن الجهاز المصرى يتمتع بقدر كبير من الكفاءة.
غير أنه ينصح مصر بمراجعة سجلاتها بدقة، وأن تستحدث نظاما لتسجيل الآثار، أى أن يكون لديها قاعدة بيانات متطورة.
كما ينصح بضرورة تدريب كوادر على طرق التحقيق الحديثة، خاصة أن قضية رأس توت عنخ آمون ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لأن الآثار المصرية منتشرة فى أنحاء العالم.
ويكشف عن أنه بحث هذا الأمر مع شعبان عبدالجواد، رئيس إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار، خلال مؤتمر أقيم فى إيطاليا الشهر الماضي.
وفى لقائهما، خلال المؤتمر السنوى العاشر لمكافحة الجرائم ضد الفن الذى عُقد فى إيطاليا يومى 21 و23 يونيوالماضي، اقترح ديك «أن تطلب مصر مساعدة منظمة بحوث الجرائم ضد الفنون(آركا)» فى هذه المهمة».

للحديث بقية مع الجزء الرابع. …

التعليقات مغلقة.